د/ أحمد عبد الوهاب برانيه

أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية

1-  مقدمـة

 

تحتوى البيئة الطبيعية على مكونات حيه ومكونات غير حيه والتى تمثل " الموارد الطبيعية " التى يحصل منها الإنسان على حاجاته الأساسية وتحقيق طموحاته في تحسين نوعية حياته أو بمعنى آخر تحقيق التنمية، ولهذا يطلق هذه الموارد الطبيعية موارد التنمية، والتى بدونها يصعب إن لم يكن من المستحيل تحقيق التنمية، وعليه لا يتصور أن تستمر عملية التنمية معتمدة على قاعدة من الموارد الطبيعية المتداعية، كما لا يمكن حماية والمحافظة على بقاء واستمرار هذه الموارد عندما تسقط التنمية من حساباتها تكاليف حماية البيئة ، فالتنمية والبيئة وجهان لعمله واحده ، فلا يمكن أن تقوم تنمية مستدامة بدون المحافظة على البيئة.

 

 إن قضية الحسابات البنية قضية مطروحة وتمثل التحدي الحقيقي لعلم الاقتصاد ودراسات التنمية، وتمثل من الناحية العلمية والفكرية تحديا في كيفية الوصول لأدوات حسابية تسمح بأخذ البيئة في الاعتبار عند تقييم وتخطيط مشروعات التنمية المختلفة سواء مشروعات إنتاجية أو خدمية ، ولما كان كل مشروع تنموي يمثل تكلفة على البيئة والمجتمع فإن هذه التكلفة يجب أن تتضمنها الحسابات الاقتصادية بحيث يمكن قياس الآثار الاقتصادية الكلية للمشروع أو النشاط واختيار البدائل الأقل تكلفة.

 

 وتستعرض الورقة أسس وأساليب تقييم الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتلوث الناتج عن الأنشطة التنموية على المصايد البحرية، ومشاكل قياس هذه الآثار، مع محاولة التطبيق على مصايد خليج السويس. ونتيجة لسلسلة التداعيات التى تحدثها الأنشطة التنموية على البيئة البحرية والتى تمثل أحد مشاكل قياس الآثار الاقتصادية والاجتماعية، كان من الضروري أن نعرض بداية في إيجاز لآلية عمل النظام البيئي المائي ومفهوم التنمية المستدامة لموارده الحية.

 

2-النظام البيئى والتنمية المستدامة للموارد البحرية الحية:

 

تشكل البحار نظاما بيئياً طبيعياً يتكون أساسا من عنصرين هما:

العناصر الحية والعناصر الغير حيه، وتضم المكونات الحية الموارد البحرية المتجددة والذي يتوقف بقاؤها واستمرارها على الصلة بين عناصرها المختلفة من جانب والمكونات الغير حيه من جانب آخر. والعلاقات بين الكائنات الحية هي علاقات غذائية في أساسها تأخذ صور سلاسل غذائية ، يتم خلالها انتقال الغذاء من الكائنات المنتجة للغذاء والقادرة على تخليق مركبات عضوية تجمع بين المادة والطاقة من خلال عملية البناء الضوئي – إلى الكائنات المستهلكة للغذاء والتى تتغذى على ما تنتجه المجموعة الأولي أما بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تقوم مجموعة ثالثة من الكائنات الحية بتحليل وتفكيك المخلفات العضوية الناتجة من كل من منتجي ومستهلكي الغذاء إلى مكونات بسيطة من الماء وأكاسيد الكربون والأملاح غير العضوية ، بينما تتسرب الطاقة إلى الوسط، حيث تعود هذه المكونات البسيطة إلى الدخول إلى النباتات المنتجة للغذاء لتخليق مواد عضوية حاملة للطاقة.

 

 وتتحكم في هذه العملية الغذائية مجموعة من العوامل الطبيعية والكيمائية تتداخل فيما بينها وتتذبذب في تأثيرها من وقت لآخر، وتؤثر على تجدد ونمو وهلاك المكونات الحية.

 

 والموارد البحرية الحية هي موارد متجددة نتيجة للطبيعة الديناميكية، والتى هي عملية تبادل مستمرة للأجيال تتضمن ولاده للأجيال المتتابعة ثم نموها ثم هلاكها ، وذلك من خلال نظام انضباطي يتكيف بصورة آلية مع آي تغيير في الظروف البيئية، والاستغلال الرشيد لهذا النظام البيئي من قبل الإنسان يتطلب المحافظة على سلامة الوظائف المختلفة لكل مكونات النظام البيئي ، وكذلك المحافظة على قدرة المكونات الحية على أداء أدوارها ، ومراعاة أن يكون استغلال الموارد الحية في حدود المستوى الذى يحقق إنتاجاً غير متناقص في المستقبل، بحيث تتواصل قدرتها على الإنتاج والعطاء وابقائها قادرة على تلبية الحاجات الإنسانية وهو ما يعتبر مسأله حاسمه للتنمية.

 

 وعلى هذا فإن حدوث تغيرات كمية ونوعية في عناصر البيئة الحية والغير حية في البيئة البحرية ، ينتج عنه آثارا سلبية تؤثر في حجم الموارد الطبيعية المتاحة للاستخدامات الإنسانية وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية واجتماعية.

 

3-  العوامل المؤثرة على التنمية المتواصلة للموارد البحرية الحية :

 

المقصود بهذه العوامل هي تلك التى تؤدي إلى حدوث تغيرات كمية ونوعية في عناصر البيئة الحية والغير الحية الموجودة في النظام البيئي المائي والذي ينتج عنها آثاراً سلبية تؤثر في حجم الموارد الطبيعية المتاحة للاستخدامات الإنسانية والذي يمكن أن نطلق عليها " مسببات التلوث البيئي ".

والتغير الكمي قد ينتج عن زيادة أو نقص بعض المكونات الطبيعية غير الحية في الوسط المائي مثل الأملاح المغذية ودرجة الحرارة وكمية الأكسوجين، وكذلك يحدث التغير الكمي من تسرب مواد قد تكون سامة أو قاتلة حتى في تركيزاتها الطبيعية كالزئبق وأكاسيد الكربون والمواد المشعة، وكذلك ضيق الحيز الذى تزاول فيه الكائنات الحية وظائفها البيولوجية والاستغلال المفرط لهذه الموارد المتجددة.

 

 أما التغير النوعي فيكون نتيجة إضافة مركبات صناعية غريبة عن الأنظمة البيئية المائية لم يسبق لها أن كانت في دوراتها وسلاسلها وبالتالي لا تقدر هذه الأنظمة على استيعابها، حيث تتراكم هذه المركبات في الماء، ومن الأمثلة الواضحة لهذه الموارد المبيدات الحشرية وغيرها من الكيماويات.

 

 ويمكن حصر العوامل المسببة إلى تداعيات النظم البيئية البحرية فيما يلي:

 

1- التلوث بأشكاله المختلفة ويضم:

التلوث الصناعي (مخلفات الصناعية).

 التلوث بمياه الصرف الزراعي (الأسمدة والمبيدات).

التلوث بمياه الصرف الصحي.

 التلوث بالبترول.

  التلوث الحراري.

التلوث الناتج عن أنشطة النقل البحري.

 

2- الاستغلال المفرط للموارد المتجددة وتضم :

الصيد الجائر.

-       أنشطة السياحة والرياضات البحرية.

 

3-استقطاع أجزاء من المسطح المائي ويضم:

 المنشآت السياحية.

 المنشآت البحرية (المواني – الأرصفة – حواجز الأمواج الخ

المنشآت الدفاعية (العسكرية).

 التوسع العمراني.

 

وبالنسبة للبحر الأحمر فإنه توجد العديد من الصناعات في مواقع مختلفة في السويس والغردقة وسفاجا والقصير والحمراوين وغيرها على الساحل المصري ، كذلك تتركز الصناعات البترولية في مياه خليج السويس وتتزايد هذه الأنشطة من سنه إلى أخري، كما أنه من المتوقع زيادة أنشطة البترول في المياه العميقة في البحر الأحمر خلال الفترة المقبلة.كذلك تتزايد كثافة مرور سفن الشحن الكبيرة خاصة ناقلات البترول القادمة من الجنوب عبر البحر الأحمر ، وما يترتب عليه من تزايد احتمالات وقوع حوادث تسبب تسرب بترولي يلوث الشواطئ ويدمر الشعاب المرجانية ، وهو ما حدث عدة مرات في مناطق مختلفة في كل من البحر الأحمر وخليج السويس. أما بالنسبة للسياحة ، والتى تعتبر صناعة مزدهرة في منطقة البحر الأحمر وخليج العقبة والسويس فإن الطاقة الفندقية تتزايد وبالتالي أعداد السياح بمعدلات سريعة، ومن المتوقع أن يصل عدد السياح في هذه المناطق لأكثر من مليون سائح سنوياً، ولاشك أن التوسع الغير مخطط للتنمية السياحية في هذه المناطق قد يؤدى إلى تداعيات خطيرة على المدى البعيد بسبب زيادة أعداد السياح عن طاقة الحمل لهذه المناطق واحتمالات تعرض الشعاب المرجانية وغيرها من مكونات البيئة البحرية للعديد من المخاطر.

المصدر: د/ أحمد عبد الوهاب برانيه أستاذ إقتصاد وتنمية الموارد السمكية
drBarrania

د/ أحمد برانية أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى

ساحة النقاش

د/ أحمد عبد الوهاب برانية

drBarrania
أستاذ اقتصاد وتنمية المواردالسمكية معهد التخطيط القومى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

363,312