موقع علمي للأستاذ الدكتور حسام محمود زكي علي أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة المنيا

جميل أبو العباس زكير بكري مدرس مساعد بقسم الفلسفة كلية الآداب– جامعة المنيا- مصر [email protected]


مقدمة: مع تعدد المعتقدات الدينية والأخلاقية والمعرفية ليس في العالم بأسره فحسب، بل وحتى في المجتمع الواحد أو في الدولة الواحدة، ومع المحاولة الدائبة لكل أتباع معتقد أو مذهب من أن تكون الهيمنة، في الدولة التي يعيشون فيها مع غيرهم، لمعتقدهم أو مذهبهم تظهر إشكالية في غاية الخطورة؛ تتمثل في لِمَن مِن هذه المذاهب يكون الهيكل الأخلاقي أو الهوية الأخلاقية العامة للدولة؟ هل ينبغي أن تكون الصبغة الأخلاقية العامة في هذا المجتمع أو في تلك الدولة للسكان الأصليين؟ أم لمعتقد أو مذهب الأكثرية؟ أم لخليط من المذاهب المختلفة؟ أم من الممكن أن يكون للدولة هوية أخلاقية واحدة تنصهر فيها كل الهويات الأخلاقية المختلفة؟ أم أن هذا الأمر الأخير يُعدُّ ضربًا من وهم الخيال؟ هذا بالإضافة إلى تردي الحالة الأخلاقية في العديد من المجتمعات والدول المعاصرة والتي أدت بالضرورة إلى تشبث العديد من الفلاسفة والمفكرين بالهوية الأخلاقية على المستوى التنظيري والدعوة إلى أن تتخذ المنحى التطبيقي كما هو عند بعض الفلاسفة، وقد حارت العقول حول ما إذا كانت الهوية الأخلاقية نسبية ومتغيرة، أم أنها مطلقة وثابتة تصلح لكل زمان ومكان. من كل هذا، دعتنا الضرورة إلى البحث من أجل إبراز مكنون الهوية الأخلاقية بين بعض المذاهب الفلسفية المختلفة. وحتى نستطيع أن نحسم هذه الإشكالية حول ما إذا كانت الهوية الأخلاقية مطلقة أم نسبية، كان لا بد أولًا أن نجيب على التساؤلات الآتية: ما معنى الهوية؟ وما المقصود بالأخلاق؟ وما هي الهوية الأخلاقية؟ أفطرية الأخلاق أم مكتسبة؟ وما هي الأدلة التي يستند إليها أصحاب كل مذهب؟ وهل من الممكن الجمع بينهما في رأي واحد؟ وما هو رأي أنصار مبدأ الحياد الأخلاقي؟ ثم هل من الممكن أن تكون الأخلاق نسبية ومطلقة في آن؟ وهل توجد هوية أخلاقية عالمية؟. وبعد الإجابة على هذه التساؤلات نستطيع أن نقرر موقفنا تجاه كل هذه الآراء مدعمًا بالحجج والبراهين. إن الهدف من هذا البحث يتمثل في محاولة الإجابة عن تساؤل؛ هل من الممكن أن توجد هوية أخلاقية وقيم إنسانية مشتركة بين بني البشر بمختلف معتقداتهم، وتوجهاتهم، ومذاهبهم، وأفكارهم تتعامل مع الإنسان كإنسان؟ أم أن الأمر لا يخرج عن كونه ضربًا من الخيال أم حلمًا في عالم الوهم؟ وسوف تستخدم الدراسة المنهج التحليلي المقارن وذلك حتى يتسنى للباحث تحليل الأفكار الفلسفية المختلفة ومقارنتها يبعضها البعض. أولًا: معنى الهوية: لا أحد يستطيع أن ينكر أنه دون هوية أخلاقية وقيمية محددة قد يغترب الأفراد عن بيئاتهم ومجتمعاتهم، بل وعن أنفسهم تمامًا، بالإضافة إلى أنه من غيرها لما استطعنا أن نوضح معيار ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي، وما هو صواب وما هو خطأ. كما أن الأفراد لا يمكنهم تحديد هويتهم الأصلية من غير معرفتهم الواضحة لهوية الآخر. ويشير "برهان غليون" إلي أنه " لا تستطيع الجماعة أو الفرد إنجاز مشروع مهما كان نوعه أو حجمه، دون أن تعرف نفسها، وتحدد مكانها، ودورها، وشرعية وجودها كجماعة متميزة، فقبل أن تنهض لابد لها أن تكون ذاتاً" (1). بيد أن الكتابات العربية والأجنبية تزخر بالكثير من البحوث والدراسات التي تناولت موضوع الهوية، وهذا قد يوقع الباحث في نوع من اللبس عند تناول هذا الموضوع بالبحث، وتأتي المعضلة من صعوبة إيجاد تعريف محدد لمفهوم الهوية بسبب؛ تعدد المدارس الفكرية التي تناولت الموضوع، بالإضافة إلي سعته وشموليته، حيث تشارك في تكوينه متغيرات متعددة، وخاصة المتغيرات المجتمعية التي تطرأ وتؤثر في الفكر، فالهوية مفهوم له دلالته اللغوية واستخداماته الفلسفية، والاجتماعية، والنفسية، والثقافية (2). وقد اختلف الكثير من الباحثين حول ما إذا كان المصطلح قد وُجِد منذ القدم في المعاجم العربية المتعارف عليها، أم أنه وليد المعاجم الحديثة. هذا بالإضافة إلى أنهم اختلفوا أيضًا فيما يتعلق بما إذا كان أصل المصطلح عربي، أم أجنبي ترجع جذوره لبلاد اليونان. ومن هذا المنطلق، فإنه بالنسبة لمفهوم "الهوية" في اللغة العربية نجد أن معجم المعاني يوضح معنى الهوية كالتالي(3): (هَوِيَة : ( اسم، هَوِيَة: فاعل من هَويَ،(هَويّة مَنْسُوبٌ إِلَى هُوَ)،  اسم الهَوِيَّةُ: البئرُ البعيدةُ القعر.هُوِيَّةُ الْإِنْسَانِ : حَقِيقَتُهُ الْمُطْلَقَةُ وَصِفَاتُهُ الْجَوْهَرِيَّةُ. الْهُوِيَّةُ الْوَطَنِيَّةُ : مَعَالِمُهَا وَخَصَائِصُهَا الْمُمَيَّزَةُ وَأَصَالَتُهَا. أما المعجم الوسيط فقد أشار إلي أن "الهوية في الفلسفة حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره، أو هي بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله، وتسمي البطاقة الشخصية أيضا (4). والهُوِيَّةُ : إحساس الفرد بنفسه وفرديّته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكيَّاته وأفكاره في مختلف المواقف (5). ويعرف الجرجاني الهوية بأنها: هي عبارة عن التشخص وهو مشهور بين الحكماء والمتكلمين، وقد تطلق على الماهية مع التشخص وهي الحقيقة الجزئية، وهي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النَّواة على الشجرة في الغيب المطلق (6). ويري بعض الباحثين أن الهوية لغةً تُدور حول معنيَيْن في الغالب (7): المعنى الأول: من "الهَوى" وهو: الميل أو العشق، وهَوِيَ فلانٌ فلانًا - هَوًى: أحبّه. فهو: هَوٍ. وهي: هَوِيّةٌ. والمعنى الآخر من لفظ الضمير الغائب "هُوَ"، وقد ورد في حديث أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ بن أخطب - رضي الله عنها - أنها قالت: سمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: "أهو هو؟" قال:"نعم والله"، قال عمي: "أتعرفه وتثبته؟" قال: "فما في نفسك؟" أجاب: "عداوته والله ما بقيت". والمعنى الاصطلاحي: هو حقيقة مركبّة من عموم المعنيين اللفظيين اللذين أوردناهما؛ فمن معنى "الهوى" يكتسب معنى "الاستقطاب"، فالهويّة هي الشيء الذي تهواه أفئدة الجماعة أو الأمة، أو هي ما يستقطبها. ومن معنى اللفظ "هُوَ" يكتسب معنى "التميّز" ومعنى "المطابقة"، فكما ورد في الحديث فإن السائل أبا ياسر يسأل: "أهو هو؟"، فيُفهم أنه أراد التأكد من مطابقة من رآه حييُّ بن أخطب لشخصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك يُفهم أنه سأله عمّا يميّز الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن غيره إذ قال له: "أتعرفه وتثبته؟"، فما كان ليعرفه ويثبته لولا أنه يميّزه بصفات محددة عن غيره (8). وبناءً على ذلك، ومن خلال استقراء معاني الهوية التي تدور حولها التعريفات الاصطلاحية تكون الهوية: حقيقة ذاتية تشكّل محور استقطاب للأمة أو للفرد وتميّزهما عن غيرهما. والهوية الأصيلة هي التي تعبّر عن الكيان الاختياري للإنسان، وهي التي تنطوي على مضمون قيميّ مبدأيّ، فتجيب عن الأسئلة: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نحقّق ما نريد؟ وهذه الأوصاف للهوية الأصيلة لا تتحقق في الهويات المنتشرة بين أبناء الأمة الإسلامية إلا في هوية واحدة؛ هي الهوية الإسلامية. ذلك أنّها هي وحدها التي تعبّر عن الكيان الاختياري للإنسان (بينما الهويات القومية والوطنية تعبّر عن الكيان الجبري للإنسان: قومية، لغة، عرق، وطن)، وأنها هي وحدها التي تنطوي على مضمون قيميّ مبدأيّ (9). أما في اللغة الإنجليزية فهي تعني؛ تماثل المقومات أو الصفات الأساسية في حالات مختلفة وظروف متباينة، وبذلك تشير إلي الشكل التجميعي أو الكل المركب لمجموعة من الصفات التي تكون الحقيقة  الموضوعية لشيء ما، والتي بواسطتها يمكن معرفة هذا الشيء وغيره علي وجه التحديد (10). وعلى هذا فإن استخدم اللفظ يدل علي الإحساس العميق والمتواصل للإنسان بنفسه، وماضيه، وحاضره، ومستقبله، والمستمد من مشاعره ومعتقداته وأفكاره. أما عن آراء المفكرين حول مفهوم الهوية؛ فيلاحظ أن الأمر لا يختلف كثيرًا، وإن كان يتصف بأنه أكثر تحديدًا ؛ لأنه يرتبط بالبعد الثقافي أو الاجتماعي للمصطلح.  فقد عرف "سعيد إسماعيل علي " الهوية بأنها " جملة المعالم المميزة للشيء التي تجعله هو هو، بحيث لا تخطيء في تمييزه عن غيره من الأشياء، ولكل منا - كإنسان - شخصيته المميزة له؛ فله نسقه القيمي، ومعتقداته، وعاداته السلوكية، و ميوله، واتجاهاته، وثقافته، وهكذا الشأن بالنسبة للأمم والشعوب"(11). كما أشار العلامة "محمد عمارة" إلي أن؛ هوية الشيء ثوابته التي لا تتجدد ولا تتغير، وتتجلي، وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانتها لنقيضها طالما بقيت الذات علي قيد الحياة، فهي كالبصمة بالنسبة للإنسان يتميز بها عن غيره، وتتجدد فاعليتها، ويتجلي وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ الطمس، إنها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون باعتباره منتميًا لتلك الجماعة" (12). ثانياً: معنى الأخلاق: الأخلاق في اللغة؛ جمع خُُُلُق، والخلق هو العادة، والسجيّة، والطبع، والمروءة، والدين. وعند القدماء؛ ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدّم روية، وفكر، وتكلف. فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقًا، كغضب الحكيم، وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الأفعال بعسر وتأمل، كالبخيل إذا حاول الكرم(13). وقد يطلق لفظ الأخلاق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة، فتقول فلان كريم الأخلاق، أو سيء الأخلاق. وإذا أطلق على الأفعال المحمودة فقط دلّ على الأدب، لأن الأدب لا يطلق إلاَّ على المحمود من الخصال. فإذا قلت: أدب القاضي أردت به ما ينبغي للقاضي أن يفعله، وكذلك إذا قلت: آداب الوزراء، والكتاب، والمعلمين، والمتعلمين (14). هذا بالنسبة لمعنى الأخلاق من حيث اللغة، أما من حيث الاصطلاح فقد وردت تعريفات كثيرة للمصطلح لا نستطيع حصرها  والتي كان من بينها؛ تعريف "مسكويه" للخُلُق بأنه "حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا رويّة، وهذه الحال منها ما يكون طبيعياً من أصل المزاج، ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب" (15). ثالثاً: معنى الهوية الأخلاقية: بعد أن عرضنا لمفهوم الهوية ولمفهوم الأخلاق كلٌ على حده، كان لزامًا علينا أن نقدم للتعريف الذي جمع بين المصطلحين؛ أعني به مفهوم الهوية الأخلاقية: وهي السمات والمحددات التي تميز فعلًا أخلاقيًا عن غيره. ومن ثم فهي المعيار الذي نستطيع من خلاله أن نحكم بأن هذا الشخص أخلاقي من عدمه، وهي ضرورية بالنسبة لهوية الفرد، وهي التي ينبع من خلالها الفعل الأخلاقي في إطار الدافع والالتزام الأخلاقيين (16). على الرغم من اتفاق كثير من الفلاسفة حول هذا التعريف إلا أن هناك العديد من وجهات النظر المختلفة بشأن هيكل، وآليات، وديناميكا الهوية الأخلاقية. وهي تلك الوجهات التي تجيب، بصيغة أخرى، عن سؤال ما هو المصدر الأساسِ للهوية الأخلاقية والالتزام الأخلاقي في الحياة؟ (17). لقد رأى بعض الفلاسفة أن مصدرها المعرفة مثل: "سقراط" و "أفلاطون" اللذان رأيا أنه ( لكي تعرف الخير لابد أن تفعله) أي أن الفضيلة تُعلَّم، فالفضيلة علم والرذيلة جهل. وقد تأثر الكثير من دارسي الأخلاق بهذه الوجهة من النظر حتى نصف القرن المنصرم، وبشكل خاص "النظرية التطورية المعرفية cognitive developmental theory" لـ "كولبرج" (1969) والتي تؤكد على أن التفكير الأخلاقي في تطور مستمر من خلال التطور المعرفي. ولقد أُقنع "كولبرج" مثل أفلاطون-في البداية على الأقل- بأن التفكير الأخلاقي الواعي أو الراشد سيُحفِّز بالفطرة الفعل الأخلاقي. ولكن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى الاهتمام بشكل أكبر بالبحث فيما وراء التفكير الأخلاقي ومنها؛ إن التفكير الأخلاقي هو مؤشر بسيط للفعل الأخلاقي. إن الأشخاص الأخلاقيين ليس لديهم بالضرورة قدرات تفكير أخلاقي متطورة(18). وقد اختلفُ هنا مع هذه الوجهة من النظر التي تجعل من الأخلاق علمًا نظريًا مكتسبًا وليس فطريًا، وأستطيع أن أؤكد أنه ليس بالضرورة أن تُعلَّم الفضيلة، لأنه ليس كل الأخلاقيين على علم بفضائلهم الأخلاقية المتميزة. وفي هذا الشأن يقول "زكريا إبراهيم": "إن الكثيرين قد يظنون أن الصلة وثيقة بين "المعرفة" و"الفضيلة" (كما توهم سقراط قديمًا)، ولكن التجربة كفيلة بأن تبين لنا –فيما يقول أصحاب الرأي- أن العلم المحض بالمبادئ الأخلاقية لا يكفي وحده لتوجيه صاحبه نحو طريق "الفضيلة"، أو تحويله عن سبيل "الشر" على أقل تقدير... ويقولون أيضًا: إنه كما أن في استطاعة المرء أن يفكر تفكيرًا سليمًا دون أن يكون قد درس "علم المنطق"، فإن في استطاعته أيضًا أن يحيا حياة خيرة دون أن يكون قد درس "علم الأخلاق" (19). كما أنني لا أستطيع أن أنفي، في الوقت نفسه، أن بعض الفضائل يمكن تعلمها؛ كالحلم والإناة مثلًا. ويتفق مع هذه الوجهة من النظر "شوبنهاور" الذي يؤكد أن علم الأخلاق لا يخرج عن كونه مجرد دراسة نظرية بحتة. وبهذا تكون الأخلاق مبحث فلسفي نظري بحت، فهي لا تتسم بأي طابع عملي أو تطبيقي، مثلها في ذلك كمثل "المنطق" أو "ما بعد الطبيعة". وبهذا ينفي "شوبنهاور" عن "الأخلاق" كل طابع "معياري"، لكي يحيلها إلى دراسة "نظرية" أو "تأملية" بحتة. ومن هنا لم يكن من شأن "الأخلاق" أن تحدد سلوكنا العملي، أو أن تلقي أي ضوء على الطريقة التي لابد لنا من اتخاذها في تحديد سلوكنا (20). وإن كنت أرى أن هذا الرأي يعتريه التطرف أيضًا؛ لأنه لا يهتم بالجانب العملي للأخلاق-الذي له أنصاره مثل: سقراط، وسبينوزا، وكانط- والذي لا يقل أهمية عن نظيره بل وربما يكون أكثر.  وهنا نتفق مع الدكتور/ محمد مهران في قوله:" ينبغي لأن تجمع الأخلاق بين "النظر" و "العمل"، أو هي "علم" و "فن" في آن واحد، لأنها تنطوي على الجانب النظري والجانب العملي، وبذلك لا تكون العلاقة بين الجانبين علاقة تعارض وتنافي، بل تصبح علاقة تداخل وتفاعل(21). ومن ثم، فإن باحثين مثل: "بلازي Blasi" و "ريست Rest"، وحتى "كولبرج Kohlberg" رأوا ضرورة الحاجة إلى تعريف العوامل الأخرى التي ربما تساعد في سد فجوة الحكم على الفعل الأخلاقي، وهذا ما جعلهم يفترضوا أن "الهوية الأخلاقية" يمكنها أن تساعد في معالجة هذه الفجوة في الحكم على الفعل، كما بإمكانها أن تُقدم فهمًا أكبر للدافع الأخلاقي والالتزام الأخلاقي وبذلك تكون عاملًا مهمًا في التطور الأخلاقي. وبهذا فإن الكثير من التفكير الأخلاقي حول الهوية الأخلاقية يعود صداه إلى "النموذج الذاتي لبلازي   Blasi’s Self-Model" (1983-2004) الذي يربط بين الحكم الأخلاقي(النظري) والفعل الأخلاقي(العملي) (22). وغالبًا ما تنبع معايير الحكم الأخلاقي من الفروق الفردية من حيث المدى الذي يكون من خلاله الشيء الأخلاقي مركزيًا وضروريًا للشعور الذاتي للفرد والذي يأتي من الهوية الأخلاقية(23).  على الرغم من ذلك إلا أن الباحث يرى أن الهوية الأخلاقية (ونقصد بها في هذا الإطار الأخلاق Ethics أو المبادئ الأخلاقية Principles of Ethics وليس السلوك Moral(24) وسنذكر التفرقة بينهما فيما بعد) ربما يعتريها التطوير، لا التغيير، ولكن هذا لا يجعلها تفقد سماتها الأساسية والذاتية في الوقت نفسه.  كما أنه ليس بالضرورة أن يكون مصدر الفعل الأخلاقي الذات فحسب، وإن كانت المصدر الأساس له في بعض الأحيان، فالدين أو العقل أو المجتمع أو الاكتساب ربما يكون هو الآخر مصدرًا أصليًا له. وهذا ما يجعلنا نتساءل هل الهوية الأخلاقية فطرية أم مكتسبة؟ رابعاً: الأخلاق فطرية أم مكتسبة؟ اختلف الفلاسفة حول ما إذا كانت الأخلاق فطرية أم مكتسبة ما بين مؤيد ومعارض، فمنهم من رأي أن الأخلاق فطرية يولد الإنسان مزودًا بها، في حين رأى بعض آخر؛ أنها مكتسبة حيث يولد الإنسان صفحة بيضاء ثم يكتسب القيم والأخلاق من مجتمعه. بيد أن سؤال هل الأخلاق فطرية أم مكتسبة؟ تحدد إجابته مصدر الأخلاق عند الفلاسفة؛ فمنهم من ذهب إلى أن مصدرها هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومنهم من رأى أن المجتمع والأحداث وأنماط الحياة والتربية هي من تصنع أخلاق الأفراد، أي أن الأخلاق كلها مكتسبة(25). ومن ثم، فقد نالت هذه القضية من جهد واهتمام الفلاسفة وعلماء الأخلاق بقدر ما أخذته إشكالية هل مصدر الأخلاق العقل أم النقل؟ ولما كانت إجابات الفلاسفة وعلماء الأخلاق متناقضة بخصوص هذه المسألة؛ جاءت أقوالهم متضاربة بخصوص هذه الإشكالية أيضًا، وتظهر شدة الاختلاف حول هذه الإشكالية في الفكر الأخلاقي الغربي (26). إن الفلسفة الأخلاقية في الفكر الغربي تتميز بسيادة اتجاهين فلسفيين مختلفين (27): - اتجاه عقلي؛ يعتمد على العقل في دراسة الأخلاق ويمثله سقراط وأفلاطون وأرسطو وكانط. - اتجاه تجريبي؛ يعتمد على التجربة في دراسة الأخلاق، ومن رموزه؛ السوفسطائيون والشكاك وهوبز، وجون لوك. ونتيجة اختلاف هذين الاتجاهين في الأسلوب أو المنهج المتبع في البحث وفي الوسائل، كان من الضروري اختلافهما في الإجابة عن هذا الإشكال كالتالي: (أ)- رأي أنصار فطرية الأخلاق: لقد اعتبر أصحاب الاتجاه العقلي أن الأخلاق فطرية؛ إذ يذهبون إلى أن الإنسان يولد مزودًا بأفكار نظرية وحقائق بسيطة تذكرك بالحدس إدراكًا مباشرًا دفعةً واحدةً من غير مقدمات، ومن غير الاستعانة بالتأمل العقلي، ومن هذه الحقائق البسيطة التي تدرك بهذا النور الفطري يتمكن الإنسان من استنباط حقائق أخرى" (28). وعلى هذا فإن أصحاب هذا الاتجاه يؤكدون أن الإنسان يولد مزودًاً بأخلاقٍ مغروسة فيه بالفطرة، تمكنه من التمييز بين الخير والشر والحق والباطل. (ب)- رأي أنصار الأخلاق مكتسبة: أما أنصار الرأي القائل بأن الأخلاق مكتسبة فهم أصحاب الاتجاه التجريبي وهم على عكس الاتجاه العقلي تمامًا وفي ذلك يقولون:"إن الأخلاق مكتسبة"، ومن ثم جاء رفضهم لكل معرفة أولية أو قبلية، وقالوا:"لا شيء في العقل إلا وقد مرَّ بالحس والتجربة أولا". وعليه فإن الأخلاق يجب أن تعالج بمناهج تجريبية خالصة؛ لأن التجربة هي المقياس الوحيد الذي يُمكٍّن من التمييز والتفرقة بين الحق والباطل والخير والشر؛ إذ الأخلاق وليدة الظروف الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي تحيط حياة الفرد وتكتنف حياة المجتمعات" (29). ومن أبرز المدافعين عن هذا الرأي والرافضين للمبادئ الأخلاقية الفطرية الفيلسوف جون لوك؛ إذ يقول "إن هناك اعتقادًا قويًا ثابتًا عند بعض الناس بوجود المبادئ الفطرية أو الأفكار الأولية، كما لو كانت محفورة في العقل، أو مطبوعة عليه تلقتها الروح منذ وجودها القديم، وجاءت بها إلى هذا العالم. ويكفي لأقنع القارئ غير المتعامل بكذب هذا الاعتقاد أن أبين له: كيف أن الناس أمكنهم أن يصلوا إلى كامل ما لديهم من معرفة بواسطة استخدام قدراتهم الطبيعية فقط، ودون الحاجة إلى أية انطباعات فطرية؛ بل يمكنهم كذلك أن يبلغوا اليقين دون الاعتماد على مثل هذه الأفكار أو المبادئ الأولية. إن الأفكار ليست مطبوعة على العقل بطبيعتها؛ لأنها ليست معروفة بالنسبة للأطفال والبلهاء وغيرهم، لأنه من الواضح أن جميع الأطفال والبلهاء ليس لديهم أدنى فهم أو فكر عنها، وهذا النقص كافٍ لإبطال تلك الموافقة العامة التي يجب أن تكون ملازمة بالضرورة كل الحقائق الفطرية". ومن هنا -وكغيره من الفلاسفة التجريبيين- يرفض القول بالأفكار الفطرية والمبادئ الأولية؛ لأن القول بالفكرة المفطورة أو المطبوعة في العقل، ثم القول بعدم إدراك العقل لها؛ إنما تعني تناقضا عميقًا وخللًا في نظرية تداعي الأفكار الفطرية حسب جون لوك(30).  (جـ) الأخلاق فطرية ومكتسبة: من الموقفين السابقين يمكننا القول: إن كلاهما قد أخذ بطرف وأهمل الطرف الآخر، إذ من الأخلاق ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب. ومن ثم، فإننا نخلص من الموقفين إلى أن الأخلاق فطريةٌ ومكتسبة- وهذا ما يؤمن به الباحث-، فبعض أخلاق المرء فطرية، تظهر منذ أول حياته، فمثلًا: المتأمل في طباع الناس وأخلاقهم، وخاصة الأطفال، يرى أن هناك جملة من الأخلاق الحسنة أو الرديئة موجودة فيهم خلقة، ولا يوجد دليل على أنهم تعلموها من غيرهم، ويمكن إدراك هذا المعنى بجلاء عندما تتأمل حال طفلين شقيقين أو توأمين نشئا في بيئة واحدة، وفي ظروف متطابقة، وتجد أحدهما- حاد الطبع سريع الغضب والآخر- هاديء الطبع فيه أناة، أو أحدهما كريمًا سخيًا، والآخر شحيحًا ممسكًا، وبعضها مكتسبة نتيجة تأثير البيئة التي يعيش فيها الإنسان؛ فمثلًا: نجد أن بعض الناس ينشأ على أخلاق فطرية معينة؛ كالكرم، والشجاعة، ولكنه بسبب ظروف أو تنشئة اجتماعية معينة تضمر فيه هذه الأخلاق، وينمو بالاكتساب المضاد أخلاقًا عكس ما فُطر عليه، فيصبح بخيلًا أو جبانًا، فأبواه يبخلانه ويجبنانه، وليس الأبوين فقط، بل المجتمع والبيئة العامة التي يعيش فيها. إذ أن "الأخلاق تارة تكون بالطبع والفطرة، وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة، وتارة بمشاهدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح؛ إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعًا" (31). وبهذا لا تكون الأخلاق كسبية على إطلاقها، كما أنها ليست وهبية على إطلاقها، وإنما تتظافر الفطرة السليمة مع دلالة العقل التام السوي في إدراك وتقرير جانب من الأخلاق، ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة؛ ويحمي حمى العقل، ويضع الضوابط العامة، التي ترقى بالفرد من الوجهة الخلقية"(32). وما يؤكد كلامنا، الأخير، هو أن الأخلاق الفطرية كالحلم والأناة والكرم والشجاعة تنمو بتأكيدها وتثبيتها بما يناسبها من الاكتساب، وتذوي بالإهمال أو بالاكتساب المضاد، فالمفطور – مثلًا – على الأناة تزداد هذه الخصلة الأخلاقية لديه بالاكتساب، وقد تضعف إذا أهملها، أو اكتسب ما ينافيها كالعجلة والطيش والتسرع. خامساً: رأي أنصار مذهب الهوية الأخلاقية المطلقة والأدلة التي يستندون إليها: المُطلَق في المعجم الفلسفي (هو عكس النسبي) ويعني؛ «التام» أو «الكامل»، المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط ، وهو عادةً يتسم بالثبات والعالمية، فهو لا يرتبط بأرض معيَّنة، ولا بشعب معيَّن، ولا بظروف أو ملابسات معيَّنة. والمُطلَق مرادف للقَبْليّ، والحقائق المطلقة؛ هي الحقائق القَبْلية التي لا يستمدها العقل من الإحساس والتجربة، بل يستمدها من المبدأ الأول وهو أساسها النهائي. ويمكن وصف الإله الواحد المتجاوز بأنه «المُطلَق»، ويشـار إليه أحيانًا بأنه «المدلول المتجـاوز»؛ أي أنه المدلول الذي لا يمكن أن يُنسَـب لغيره فهو يتجاوز كل شـيء. والمطلقية في الأخـلاق؛هي الذهاب إلى أن معايير القيم - أخلاقيةً كانـت أم جماليةً - مطلقةٌ موضوعيةٌ خالدةٌ متجاوزةٌ للزمان والمكان، ومن ثم يمكن إصدار أحكام أخلاقية(33). على الرغم من أن أنصار المذهب المطلق متفقون حول أنه لا يوجد إلا معيار واحد (أو في حالة الأخلاق قانون واحد)، هو الصحيح منذ الأزل وهو الذي يسري على البشر أجمعين(34)، إلا أنهم اختلفوا- في مجال القيم- في تحديد المعيار الأخلاقي الذي ينبغي الاحتكام إليه؛ فمنهم من رأي أن العقل هو المعيار الوحيد الذي نحكم به على الأخلاق ومن أنصار هذا الرأي؛ سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وديكارت، وسبينوزا وكانط. يرى أصحاب النظرية العقلية أن أساس القيمة الخلقية للعقل فماهية كائن هي التي تفسر قيمته وهذه الماهية ثابتة مطلقه لا تتأثر بزمان فهي صادرة عن مبادئ عامة، و يقينية منزهة عن كل منفعة خاصة أو عامة، أما القتل والكذب و الخيانة فهي أفعال ذميمة لأنها تحمل الرذيلة، أما الصدق، والأمانة، والإحسان هي أفعال مستحبة لأنها تحمل الفضيلة لذا اعتبرها أفلاطون حكمة سامية غرضها الخير الأسمى. قال أفلاطون:“إن الخير فوق الوجود شرف وقوة ”؛ وهذا لا يعني أن الخير لا وجود له، وإنما يعني أن وجوده أسمى كحقيقة مثالية من الوجود الواقعي وأن القوى العاقلة هي قمة الفضيلة. ومنهم من رأى أن الدين هو أساس المعيار الأخلاقي مثل: فلاسفة الدين؛ أوغسطين، وتوما الأكويني، وجوزيا رويس، وجون هيك، وغيرهم، وذلك لأن الإيمان بإله واحد يحكم الكون الذي خلقه أساس التفكير الديني للغرب. وفضلًا عن ذلك فإن هذا الإله عاقل، تظل أفكاره وأوامره متسقة مع ذاتها على الدوام. وهذه الأوامر شاملة، تنطبق على الناس جميعًا في كل مكان. ولما كان القانون الأخلاقي صادرًا عن هذا الإله العاقل المتسق مع ذاته، فمن المنطقي أن يكون قانونًا شاملًا ثابتًا، ذلك لأن الإله المطلق لا يمكن أن يضع إلا قانونًا أخلاقيًا مطلقًاً(35). وعلى هذا فإن كل الكتب السماوية تدعو إلى القيم والسلوكيات والأفعال الخيرة؛ ففعل السرقة منبوذ في كل الديانات في حين العدل والاستقامة والفضيلة أفعال مستحبة ومستحسنة في كل الكتب باختلاف الزمان والمكان والأفراد والجماعات. مما سبق يتضح أنه، حتى إذا كان للدين والعقل الدور الرئيس في تأسيس الأخلاق، إلا أن إرجاعها إلى هذين العاملين فحسب لا يفسر تعددها ولا تنوعها الذي يفرضه الواقع على الفرد باعتبار الإنسان كائن اجتماعي يتأثر بمبادئ الجماعة التي ينتمي إليها. ولقد جاءت أخلاق كانط متسمة بالصورية والجمود متجاهلة لمشاعر الناس وأحاسيسهم، وهي أخلاق صالحة لتوجيه الكائن العاقل بصورة خالصة لا مشاعر له، ولا عواطف، ومثل هذا الإنسان لا نجده في الواقع، بل نجده في عقل كانط وحده. سادساً: رأي أنصار مذهب النسبية الأخلاقية والأدلة التي يستندون إليها: يستخدم مصطلح "النسبيّة" في العديد من المجالات، ولكن ما يعنينا هنا هو معناها في المجال الفلسفي، وخاصة فيما يتعلق بـ"الأخلاق الفوقية (36)  "Meta-Ethics؛ أي أن الأخلاق النسبية هي مناط دراستنا في هذا الجانب. وهي ذلك المذهب الفلسفي الذي يؤكد أنَّ جميع الأحكام الأخلاقيّة ومبرراتها ليست مطلقة أو موضوعية أو عالميّة، بل هي نسبية ومتغيرة، وتتعلق بتقاليد ومعتقدات وممارسات وتاريخ مجموعة من الأشخاص. أيّ أنّ المجتمعات المختلفة والأفراد لديهم معايير مختلفة عن الحق والباطل. وقد تتغير هذه المعايير الأخلاقيّة من وقت لآخر في الثقافة الواحدة نفسها(37). ومن ثم، فقد اتخذت النسبية صورتين من صورها؛ أولاهما- صورة متطرفة؛ وهي التي يمكن أن نطلق عليها النسبية الذاتية أو النسبية الفردية ومؤداها أن الأحكام الأخلاقية ما هي في حقيقة أمرها إلا تفضيلات ذات طابع فردي خالص، فالخير بالنسبة للشخص (أ) هو ما يراه الشخص (أ) خيراً بغض النظر عما يراه الشخص (ب) (جـ)... والأخرى- فهي النسبية الاجتماعية؛ وهي النسبية في صورتها الموضوعية المعتدلة والمقصود بها أن الأحكام الأخلاقية تكون خاصة بمجتمع معين في زمان معين وفي مكان معين، بل إن المفاهيم الأخلاقية تختلف من مرحلة إلى مرحلة أخرى في حياة هذا المجتمع أو ذاك(38). إذا كان هذا هو تعريف النسبية الأخلاقية، فمن هم أهم أعلامها وأنصارها، أو بعبارة أخرى متى ظهرت النسبية الأخلاقية وما تاريخها؟ ومن يمثلها؟ وعلى أي أساس بنوا أفكارهم ومعتقداتهم؟ أولًا:أنصار النسبية الأخلاقية والأدلة التي يستندون إليها: إن الأكسيولوجيا أو مبحث القيم-وهو يدرس قيم:الحق والخير والجمال- مبحث قديم بدأ مع بدايات الفلسفة اليونانية خصوصًا عند "سقراط" و"أفلاطون" و"أرسطو"، وانتقل إلي العصور الوسطى إسلامية ومسيحية، وحديثًا عرض "كانط" لموضوع القيم في علاقته بالمعرفة، وفي القرن التاسع عشر نشأت علوم كثيرة بحثت بدورها في موضوع القيم من أنحاء مختلفة، وفي القرن العشرين كان "بول لابي" أول من استخدم لفظ أكسيولوجيا كما استخدمه "هارتمان" عام 1906م (39). وعلى هذا، فلم يكن القول بالنسبية الأخلاقية وليد العصر المعاصر؛ وإنما ترجع بدايات هذا الاتجاه الفلسفي إلى العصر اليوناني وخاصة منذ "ديموقريطس" الذي رد المعرفة إلى الحس، و"هيرقليطس" الذي قال:"إن كل شيء في تغير مستمر". ومن ثم كانا لهما بالغ الأثر في الفلسفة السفسطائية التي توصلت إلى مبدأ "الإنسان مقياس كل شيء" ومن ثم تكون المعرفية حسية ونسبية، وكذلك الشيء نفسه بالنسبة للأخلاق التي كان لنظريتهم النسبية، بطبيعة الحال، مردود عليها بحيث أصبحت الأخلاق لديهم نسبية ومتغيرة؛ تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال. وفي نظرهم فإنه إذا ما أدت بنا هذه الحال إلى نوع من الفوضى، اقتضتنا الحكمة أن نؤثر في مجال العمل ما يبدو لنا نافعًا(40).. من هنا، يتضح أن السفسطائية كانت من أكثر المذاهب الفلسفية إيمانًا بالنسبية الأخلاقية.  وعلى الرغم من أن النسبية الأخلاقية لم تصبح موضوعًا بارزًا سواءً في الفلسفة أو في أي مجال آخر، إلا أنها كانت لها أصول قديمة في الفكر اليوناني خاصة عند هيرودت وبروتاجوراس السفسطائي. بالإضافة إلى موقف "الشكاك مثل: فيرون وامبريقيوس" الذين أنكروا وجود أي معرفة أخلاقية تماماً(41). أما في العصر الحديث، فقد ظهر اتجاه يرى أن الحقيقة الأخلاقية أو التبرير الأخلاقي يرتبطان بثقافة ما، أو بمجتمع ما. وقد استمر هذا الرأي مسيطرًا على جزء كبير من تاريخ الفلسفة الغربية. إلا أن هذا لا ينفي وجود مناقشات أخلاقية مختلفة؛ كما في مقالات "ميشيل دي مونتين" أو في حوارات "ديفيد هيوم" في تعليقاته على الاستفسارات المتعلقة بمبادئ الأخلاق(42). وإن كانت النسبية الأخلاقية قد أخفقت تارة وظهرت تارة أخرى، إلا أن تقدم الدراسات الأنثربولوجية التي شهدها القرن التاسع عشر والعشرون كان نقطة تحول هامة في إحيائها وبعثها للحياة مرة أخرى في صورة جديدة بعد أن جفت بذورها الأولى التي بذرها السفسطائيون منذ نحو خمسة وعشرين قرنًا من الزمان، ولم يُقدَّر لها طيلة هذه القرون أن تنبت أو تزهر حتى أعاد الأنثربولوجيون غرسها من جديد في تربة جديدة من الدراسات المتنوعة الخصبة..... وخاصة تلك الدراسة التي قدمتها الباحثة "روث بندكت Ruth Bendict" في كتابها "أنماط الثقافة"(43). هذا بالإضافة إلى ظهور مذاهب جديدة دعت أيضًا للنسبية الأخلاقية مثل: أصحاب المذهب البرجماتي " النفعي "، وكذلك أنصار المذهب الاجتماعي الذين يرون أن الأخلاق نسبية ومتغيرة باعتبار المنفعة متغيرة على حسب الأفراد واختلاف منافعهم وعلى حسب الظروف، وكذلك المجتمع بطبعه الذي لا يبقى على حاله. وبما أنهما أساسان للأخلاق وطبيعتهما نسبية فإنه بموجب هذا تكون الأخلاق نسبية ومتغيرة لا محالة وهذه النقطة هي التي اشترك فيها كل من المذهبين "الاجتماعي والنفعي " ومن زعماء المذهب النفعي الفيلسوف اليوناني "أبيقور" الذي يرى أن اللذة والسعادة هي الخير الأعظم، ومن أبرز زعماء المذهب الاجتماعي عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دور كايم" الذي اشتهر بمقولته " إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي تكلم"، ويستدل أنصار هذا الاتجاه على الكثير من الأدلة التي تبدو في مجملها أدلة واقعية؛ فنجد مثلًا: الإنسان في حياته دائمًا ينشد المنافع ويتبعها ويعتبر الفعل الذي تنجر من ورائه منفعة فعلًا أخلاقيًا والعكس صحيح؛ أي أن الفعل الذي لا يجلب منفعة لصاحبه يعده فعلًا لا أخلاقيًا، أما بالنسبة للمجتمع فنلاحظ غالبًا أن قيم الأفراد مستمدة بصورة مباشرة من المجتمعات التي يعيشون في وسطها، كلا هذان الجانبان يشتركان في نقطة أساسية وجوهرية ألا وهي اعتبار القيم الأخلاقية مبادئ نسبية ومتغيرة(44).
ثانياً:الرد على أنصار النسبية الأخلاقية: في الحقيقة، فإنني أؤيد الرأي القائل برفض النسبية الأخلاقية على إطلاقها، لذا فمن الممكن أن تقال أمور عديدة بشأن الآراء التي تساند النسبية الأخلاقية والتي توضح طبيعتها المريبة، ولكن هذه الآراء مردود عليها جميعها من أوجه مختلفة منها، على سبيل المثال لا الحصر: أولًا، أننا نجد أن العديد من هذه الآراء أو النظريات المستخدمة في محاولة مساندة النسبية قد تبدو جيدة لأول وهلة، لكن يوجد بها تناقض ضمني في جميعها لأنها تفترض وجود النظام الأخلاقي "الصحيح" – ذاك الذي يجب علينا جميعًا أن نتبعه. ولكن هذه الفكرة في حد ذاتها فكرة مطلقة. ثانياً، حتى أولئك الذين يؤمنون بالنسبية يرفضونها في أغلب الأحيان. فهم لا يبرئون القاتل أو المغتصب حتى وإن كان لم يقم بكسر مبادئه الخاصة(45). أ- قد يقول النسبيون أن القيم المختلفة لدى الثقافات المختلفة تبين أن الأخلاق نسبية باختلاف البشر: يمكننا الرد على هذا الزعم من جهتين؛ الأولى- إن هذه المقولة تخلط بين تصرفات الأفراد (ما يفعلونه) مع المبادئ المطلقة (هل يجدر بهم أن يفعلوا ما فعلوه). إذا كانت الثقافة هي التي تحدد الصواب والخطأ، فكيف كان يتسنى لنا محاكمة النازيين مثلًا؟ فهم كانوا يتصرفون بحسب أخلاقيات ثقافتهم. ولكن يمكن أن يحكم عليهم بأنهم مذنبون فقط إذا كان القتل يعتبر ذنبًا بصورة مطلقة. فلا تغير حقيقة أنه كانت "لهم أخلاقياتهم الخاصة" من ذنبهم. وأكثر من هذا، فإنه رغم أن العديد من الناس لديهم ممارسات أخلاقية مختلفة، إلا أنهم يتشاركون في مبادئ أخلاقية عامة. مثلًا، يتفق مناصرو الإجهاض ومعارضوه أن القتل أمر خاطئ، ولكنهم يختلفون حول ما إذا كان الإجهاض يعتبر قتلًا أم لا. لهذا، حتى في هذه الحالة تثبت حقيقة وجود الأخلاقيات العامة المطلقة(46). أما الأخرى- فهي حتى إذا كان البشر مختلفون في تفضيلاتهم الأخلاقية، إلا أن هذا لا يعني أن هذه التفضيلات لا توجد نقطة التقاء فيما بينها، لأن هذه التفضيلات تنصب عادةً على أولويات القيم وليس على القيم ذاتها، بمعنى أنهم لا يختلفون حول ضرورة وجود سُلم أخلاقي ولكنهم قد يختلفون حول الموضع الذي ينبغي أن تحتله هذه القيمة أو تلك بين درجات هذا السلم(47). ب-  يدَّعي أنصار النسبية أن الظروف المختلفة تستلزم أخلاقيات متغيرة:     وفي هذا الإطار يرون أنه إذا كانت الظروف الزمانية والمكانية تختلف من حين لآخر، فإن هذا يعني أنه في مواقف معينة يستلزم التصرف بطريقة معينة ربما لا تكون صحيحة في مواقف أخرى. ولكن ردًا على ذلك نستطيع أن نؤكد أنه توجد ثلاثة أشياء نحكم بها على التصرفات: الموقف، الفعل، القصد (النيَّة). مثلًا: يمكننا أن ندين شخص بتهمة الشروع في القتل (القصد) رغم فشله في إتمام ذلك (الفعل). لهذا فإن الأفعال جزء من القرار الأخلاقي لأنها تحدد الإطار لاختيار أفعال أخلاقية معينة (تطبيق المبادئ العامة) (48). جـ -  يؤمن أنصار النسبية أن الأحكام الأخلاقية في جوهرها أحكام وجدانية: أي أنها تستند إلى العواطف وترتكز على الانفعالات، فهي بطبيعتها أحكام نسبية تختلف من فرد إلى آخر، إن لم نقل بأنها تختلف لدى الفرد الواحد باختلاف حالاته الوجدانية.... ولكن في حقيقة الأمر، فإن الأحكام الأخلاقية لا تمثل أحطامًا تنصب على الانفعالات، أو تدور حول العواطف، وبالتالي فإنها لا تشارك بالضرورة في الطابع المتغير الذي تتميز به الانفعالات والعواطف(49). د_ إن الدفاع الرئيس الذي يستند إليه النسبيون هو التسامح:  فهم يدَّعون أن مواجهة شخص ما بأن أخلاقياته غير صحيحة هو عدم تسامح، والنسبية تقوم على التسامح مع كل وجهات النظر المختلفة. ولكن هذا أمر مضلل. أولاً- لأنه لا يجب التسامح إطلاقًا مع الشر. فهل يمكن أن نتسامح مع وجهة نظر المغتصب بأن النساء ما إلا أدوات للإشباع الجنسي؟ ثانيًا، هذا القول يناقض نفسه لأن النسبيون لا يتسامحون مع عدم التسامح أو المبادئ المطلقة. ثالثًا، النسبية في الأساس لا تستطيع تفسير السبب الذي يجعل الإنسان متسامحًا مع الآخر. فإن حقيقة ضرورة التسامح بين الناس (حتى عندما نختلف) تقوم على قانون أخلاقي مطلق بأننا يجب أن نتعامل دائماً بإنصاف مع الناس – ولكن مرة أخرى هذا القول هو حقيقة مطلقة! في الواقع لا يمكن أن يوجد أي صلاح بدون المبادئ الأخلاقية العامة(50). هـ- - يؤمن النسبيون بالمنفعة والأخلاق الاجتماعية:        لقد جعل هذا الاتجاه- كما ذكرنا من قبل- اللذة والمنفعة المتغيرة والدوافع متقلبة غاية للأفعال الإنسانية هذا شانه شأن اتجاه الأخلاق الاجتماعية. ومن هنا فاللذة والمنفعة كمعيارين ذاتيين متغيرين لا يمكنهما أن يكونا قاعدتا الأخلاق، لأن ارتباط الأخلاق بهما يجعلها مادية ويفقدها روحيتها . كما أن هناك من ثار على القيم والمبادئ السائدة في مجتمعه كالسياسيين والمصلحين والأنبياء و الرسل و العلماء(51). مما سبق نتساءل هل للأخلاق بالنسبة لمذهب النسبية الأخلاقية هوية محددة تميزها عن غيرها من المذاهب الأخلاقية الأخرى؟ إذا كانت الأخلاق نسبية ومتغيرة من مجتمع لأخر ومن عصر لأخر، فهذا يعني أنه لا توجد هوية محددة تتسم بها النسبية الأخلاقية. ومن ثم تكون هويتها هي اللاهوية. وعلى هذا الأساس يرفض الباحث النسبية على إطلاقها، لأنه لا توجد أخلاق غير ثابتة ومتغيرة في كل زمان ومكان، في حين أن الباحث يؤمن بوجود مبادئ أخلاقية مطلقة وسلوك أخلاقي نسبي ومتغير، وهذا ما سنوضحه فيما يأتي. سابعاً: رأي أنصار مبدأ الحياد الأخلاقي. بداية، يمكننا القول: إن الحياد هو عدم الميل إلى طرف على حساب آخر(52)، وفي الأخلاق هو التوقف عن الحكم. وأنصار مبدأ الحياد الأخلاقي هم أولئك الذين يرفضون الحكم على أي مسألة من ناحية إذا ما كانت خيرة أو شريرة، ويقفون موقف الصمت المطلق بين الموقفين السابقين، وهم أصحاب مذهب علم الاجتماع الوضعي. وقد وضح " ليو شتراوس Leo Strauss(53)" في مناقشته لمعتقدات علم الاجتماع الوضعي ما له وما عليه في قوله: "إن علم الاجتماع الوضعي" يخلو من القيم Value-Free أو هو "حيادي في الجانب الأخلاقي Ethically Neutral": فهو حيادي في الصراع بين الخير والشر، مهما فُهم الخير والشر. ويعني هذا أن الأساس المشترك بين سائر علماء الاجتماع هو عملية التحرر من الأحكام الأخلاقية، أو من خلال التجرد منها: فالتبلد الأخلاقي هو الشرط الضروري للتحليل العلمي. وذلك لأننا دونه نكون مجبرين على تقديم أحكام قيمية.... وعلى هذا فإن علم الاجتماع لا يستطيع أن يتلفظ بشأن السؤال المتعلق بما إذا كان هو نفسه يتمتع بالخير. ومن ثم فهو مضطر إلى أن يعلم الناس أن المجتمع لديه الحق كل الحق وكل الحكمة في أن يفضل علم الاجتماع أو يقمعه باعتباره معوق، وهدام، ومسبب للإزعاج، ويتسم بالنزعة العدمية"(54). لقد قدم "شتراوس" عدة انتقادات للمذهب الوضعي- ويتفق معه الباحث فيها- قد تمثلت في قوله:" من المستحيل دراسة الظواهر الاجتماعية دون تقديم أحكام قيمية. فالرجل الذي لا يجد أي سبب لازدراء الناس الذين يقتصر أفقهم على استهلاك الطعام وهضمه قد يكون اقتصاديًا متسامحًا. والمرء الذي لا يستطيع التمييز بين الفكر الديني العميق وبين الخرافات القديمة المثيرة للعواطف قد يكون إحصائيًا جيدًا، غير أنه لا يستطيع أن يقول أي شيء يناسب علم الاجتماع الديني. وبتعبير عام من المستحيل فهم الفكر أو الفعل أو أي عمل دون تقييم، وعلى هذا فإن غاية أو غرض المجتمع المدني هى بالضرورة أن يؤدي وظيفته كمعيار للحكم على المجتمعات المدنية"(55). كما يؤكد "شتراوس" أن رفض الأحكام القيمية، يرتكز على الفرض القائل إن الصراعات بين القيم أو بين النظم القيمية المختلفة هي في جوهرها صراعات غير قابلة للحل بالنسبة للعقل الإنساني. غير أن هذا الفرض، بينما أُخذ بصورة عامة على أنه الحل المقبول على نطاق عام، إلا أنه لا يمكن إثباته البتة. وذلك لأن المرء يحاول خلق الانطباع الذي مؤداه أن سائر الصراعات الإنسانية الهامة هي عبارة عن صراعات قيمية، في حين أن الكثير منها تكون على الأقل، صراعات عن اتفاق الناس حول القيم(56). ثامناً: الهوية الأخلاقية نسبية ومطلقة كيف؟ نظراً لأن الكثير من الباحثين يخلط بين المصطلحين (الأخلاق Ethics والآداب أو السلوك الأخلاقي  Morals ) فيستعملهما بمعنى واحد باعتبارهما مترادفين ومرجع الخلط أن كلا اللفظين يتم ترجمته بمعنى "الأخلاق"، وهذا خطأ شائع، ليس هذا فحسب، بل وقد وصل الأمر إلى حد أن التصارع بين المصطلحين أودى إلى إشكالية في غاية التعقيد؛ أعني، أنه قد يحدث، في بعض الأحيان، أن يَحمِل شخصُ صفةً أخلاقيةً تتعارض مع الآداب. ومن بين هذه الأمثلة للأخلاق المهنية المتعارضة مع الآداب هو عمل "المحامي"؛ فآداب المحامٍ قد تُنبِئه أن جريمة القتل العمد أمر مستهجن بل وينبغي معاقبة القتلة، ولكن أخلاقه كمحامِ محترف تتطلب منه الدفاع عن موكله بكل ما أوتي من قوة، حتى لو علم أنه مُخطئ(57).   لذا فقد حتَّمت الضرورة الرجوع لأصل ومعنى كل مصطلح على حده لمعرفة الفارق بينهما من حيث المعنى في اللغة العربية من ناحية، وفي اللغة الإنجليزية من ناحية أخرى. فمن ناحية اللغة العربية فإن الأخلاق في اللغة جمع خُلُق، وهي العادة، والسجيّة، والطبع، والمروءة، والدين. وعند القدماء ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدّم روية وفكر وتكلف. فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقاً، كغضب الحكيم، وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الأفعال بعسر وتأمل، كالبخيل إذا حاول الكرم(58). وقد يطلق لفظ الأخلاق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة، فتقول فلان كريم الأخلاق، أو سيء الأخلاق. وإذا أطلق على الأفعال المحمودة فقط دلّ على الأدب، لأن الأدب لا يطلق إلاَّ على المحمود من الخصال. فإذا قلت: أدب القاضي أردت به ما ينبغي للقاضي أن يفعله، وكذلك إذا قلت: آداب الوزراء، والكتاب، والمعلمين، والمتعلمين(59). وعلى هذا، فلم يكن بدْعًا أن يُحدِثَ المرءُ تفرقة اصطلاحية فيما كان مجموعًا تحت مصطلح واحد متى دعت الحاجة إلى أن يُعبِّر بوضوح عن ضربين مختلفين من حيث المعنى بالنسبة للفظتين السابقتين. أما في اللغة الإنجليزية فيمكننا أن نوضح كيف يختلف معنى المصطلحين عن بعضهما وذلك من عدة أوجه منها(60): أولاً، من حيث أصل الكلمة: فكلمة "Ethics" يونانية الأصل مشتقة من كلمة "Ethos" والتي تعني "روح" أي روح أو سمة الجماعة. أما كلمة "Morals" فهي كلمة لاتينية مشتقة من كلمة "Mores" والتي تعني "العُرف" أو "التقاليد الأخلاقية" أو "الآداب العامة". ثانياً، من حيث التعريف: تُعرف الأخلاق "Ethics"بأنها قواعد السلوك المعترف بها بالنسبة لفئة محددة من الأفعال البشرية أو جماعة معينة أو ثقافة ما....الخ، وهى تحدد كيف يكون الشيء وفقاً للقواعد. أما الآداب "Morals" فهي المبادئ أو العادات التي تتعلق بالسلوك الصحيح أو الخاطئ، وهى تحدد كيف يجب أن تعمل الأشياء وفقًا للمبادئ والمثل العليا للأفراد. ثالثاً، من حيث المصدر: إن الأخلاق مصدرها خارجي وهو النظام الاجتماعي، فهي المعايير التي تقدمها المؤسسات، أو الجماعات أو الثقافة التي ينتمي إليها الفرد. بينما الآداب مصدرها داخلي وهو الفرد، فهي المبادئ الشخصية التي خُلقت من قبل الأفراد أنفسهم. رابعاً، من حيث القيام بها: فالأخلاق نقوم بها لأن المجتمع يفرض على الفرد ضرورة القيام بالفعل الصحيح، وفي حالة عدم الفعل يواجه الفرد استهجان أو رفض مجتمعي. أما الآداب فنقوم بها لأننا نؤمن بكون شيء ما صواب أو خطأ، وفي حالة عدم الفعل فإننا قد نشعر بعدم الرضا أو تأنيب الضمير. خامساً، من حيث المرونة: تعتمد الأخلاق في تعريفها على الآخرين الذين يميلون إلى أن تكون متلائمة في سياق معين، ولكن يمكنها أن تتفاوت بين السياقات المختلفة. أما الآداب فعادةً ما تكون متسقة على الرغم من أنه يمكن أن تتغير إذا تغيرت معتقدات الفرد. مما سبق يتضح أن ثمة فارق بين هذين المصطلحين وإن كان الكثير من المتفلسفة المعاصرين لا يتقيدون دائماً بالفرق بينهما ولا يكلفون أنفسهم محاولة وضع تعريف مختلف لكل منهما على حده. ولعل هذا ما عناه أحد فلاسفة الأخلاق حينما كتب يقول: "إنه لا بد للقائمين على شئون التربية من الأخذ بيد النشء من أجل مساعدتهم على التمييز بين السلوك التي يمكن –بل يجب- أن تتغير بتغير الظروف (وهى تلك القواعد التي نقول عنها إنها نسبية)، وبين ت

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1246 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2015 بواسطة dr-hossam-zaki

د.حسام محمود زكي علي

dr-hossam-zaki
موقع شامل متنوع كما يركز على عرض الجانب النفسي السيكولوجي في بعض جوانب الحياة مع الاهتمام بالجانب الإيجابي والتركيز على كيفية تنمية الشخصية وهو لله عز وجل ولا نهدف من ورائه للربح المادي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

514,643