إن تحديد الضغط النفسي مظاهر أو مصادره ليس بالأمر الصعب، ولكن الجزء الذي يشكل تحديًا حقيقيًا هو تحويل الضغط غير الصحي (الضار) Distress إلى ضغط صحي Eustress. والضغط الضار هو الضغط الذي يعيق أداء الفرد، ففي المواقف الضاغطة التي يقيمها الفرد على أنها تتجاوز قدراته وإمكانياته، تختلط الأمور على الإنسان، ولا يستطيع فهم البيئة فهمًا صحيحًا، وبالتالي تستنزف طاقته، مما يجعله يتفادى مواقف معينة أو يرغب في تفاديها، الأمر الذي يعد ضاغطًا في حد ذاته.
أما الضغط الصحي أو ما يسمى الضغط المفيد هو الضغط الذي يعمل كدافع للعمل، فهو أشبه بقوة دفع لا رد لها لمن أراد أن يطور حياته وينجز عمله. يتضح مما سبق، أنه ليس بالضرورة أن تكون الضغوط النفسية ضارة للفرد، فنحن نحتاج إلى قدر من الضغوط حتى نستطيع مواجهة متطلبات الحياة، فالضغوط هنا تعمل كدافع للعمل والإنجاز وبالتالي، فالضغوط النفسية هي من ظواهر الحياة الإنسانية، وانعدام الضغط يعني انعدام الحياة أي الموت. ولكن في حالة ارتفاع مستوى ما يعانيه الفرد من ضغوط نفسية يعني تعرضه إلى ردود أفعال سلبية على المستوى الفسيولوجي، والانفعالي، والسلوكي، والمعرفي. وتختلف ردود أفعال الأفراد للضغوط النفسية في المواقف المتشابهة، ويرجع ذلك إلى الطريقة التي يقيمون بها الموقف الضاغط. كما تختلف ردود أفعال الفرد للموقف الضاغط نفسه باختلاف الزمان والمكان الذي يحدث فيه، بسبب التغير في معتقدات الفرد وأفكاره وخبراته.
ولئن كانت الضغوط النفسية ظاهرة قديمة ملازمة للإنسان منذ وجوده على الأرض، إلاً أنها أصبحت سمة هذا العصر الذي يتميز بالتغير المتسارع والتقدم العلمي، والتكنولوجي، ويسيطر عليه مفاهيم العولمة والكونية. ولكن الضغوط التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، ضغوط ذات نوعية خاصة، فالواقع الفلسطيني بما يمثله من خصوصية فريدة لا مثيل لها في عالم اليوم، يمثل واقعًا يموج بضغوط شتى … واقعًا غابت عنه عدالة الحق وحرية تقرير المصير … واقعًا مقهورًا يسعى ليكون له موضع قدم بين الأمم … واقعًا يضغط على جميع فئات المجتمع بما فيهم الأطفال.
وبالتالي لم يكن الإنسان بحاجة إلى فهم نفسه أكثر مما هو عليه الآن، نظرًا لما يتعرض له من صراع نتيجة الفجوة العميقة بين تقدم مادي، يسير بخطى سريعة..، وتقدم يسير بخطى حثيثة في ما يتعلق بالجوانب القيمية والروحية والأخلاقية من جانب آخر. ولقد اتسعت معارف الإنسان المادية، وازدادت سيطرته على الظواهر الطبيعية تزايدًا ملحوظًا، وحقق إنجازات حضارية فذة، ولكنها تحمل في طياتها أيضًا الكثير من الآلام والمتاعب النفسية، والكثير من مقومات التدمير والتخريب، وبالتالي الكثير من الشقاء الإنساني، وهذا يستلزم بناءً للشخصية أقدر على مواجهة ضغوط هذا العصر ومتطلباته وأكثر استجابة لمقومات التقدم والارتقاء من خلال استخدام استراتيجيات تساعده على التخفيف مما يعانيه من ضغوط نفسية.
استراتيجيات التخفيف من الضغوط النفسية:
التخفيف يعني اختزال الضغوط إلى أدنى حد ممكن، إذ إنه لا يمكن التخلص من الضغوط لأن ذلك يعني أن يتوقف الإنسان عن أداء رسالته في الحياة. ومن استراتيجيات التخفيف من الضغوط ما يلي :
1- استراتيجيات المواجهة الفسيولوجية : Physiological Coping Strategies
تستخدم هذه الأساليب للسيطرة على ردود الأفعال الفسيولوجية للضغوط. حيث يساعد التحكم في ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة على الوقاية من الأمراض الجسمية الناتجة عن هذه المواقف. ولذلك طورت العديد من الفنيات التي تمكن الفرد من التحكم في ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة ومن أمثلة تلك الفنيات:
أ - تدريبات الاسترخاء : Relaxation Training
يعتبر الاسترخاء من أكثر الطرق استخدامًا في السيطرة على التوتر الناتج عن الضغوط النفسية، فالاسترخاء هو مجموعة من التقنيات صممت للتأثير على الخبرة الفسيولوجية Physiological Experience للتوتر، وذلك بهدف تخفيف حدة ردود الأفعال الفسيولوجية في المواقف الضاغطة، إذ تعمل هذه التقنيات على خفض معدل ضربات القلب، خفض التقلصات العضلية، خفض ضغط الدم، تخفيف القلق والتوتر.
وقد ابتكر الطبيب والأخصائي النفسي إدموند جاكوبسون Edmund Jacabson في عام 1920 أسلوب الاسترخاء التدريجي Progressive Relaxation كأسلوب لخفض التوتر لدى الأفراد. وفي هذا الأسلوب يتعلم الأفراد أن يقوموا بشد مجموعة من عضلاتهم، ثم يقوموا بإرخائها مرة أخرى.
ويضاف إلى هذه التمارين التي وجدت في الغرب تمارين من الشرق الأقصى مثل اليوجا التي تمارس منذ وقت طويل وتؤدي إلى تلطيف إيقاع نبضات القلب وحركة التنفس مسببة بشعور عميق بالاسترخاء لا يبلغ حد النعاس أو النوم.
ب - التأمل : Meditation
يستخدم بعض الناس التأمل كطريقة لمواجهة المواقف المسببة للضغوط النفسية. فالتأمل هو تمرين عقلي يؤثر على عمليات الجسم الفسيولوجية، ويكسب الفرد القدرة على التركيز. ويمارس التأمل في جو هادئ بعيداً عن أي تهيج حسي ويصحبه تنفس بطيء يسهم في إزالة الكثير من أعراض التوتر. وهذا الأسلوب يؤدي إلى خفض معدل النشاط الكيميائي في الجسم، وتحسين معدل ضربات القلب وحركة التنفس، وخفض ضغط الدم.
توجد أربعة شروط لا بد من توافرها لكي تتم عملية التأمل بنجاح وهي:
1 -توفر بيئة هادئة.
2 -أن يقوم الفرد بغلق عينيه.
3 -أن يكون الفرد في وضع مريح.
4 -إعمال العقل بشكل متكرر.
جـ- التغذية الراجعة البيولوجية : Biofeedback
تعتبر التغذية الراجعة البيولوجية من الطرق المستخدمة في خفض التوتر العضلي أو تخفيف حدة الأعراض الفسيولوجية الأخرى المصاحبة للضغوط. إذ تساعد هذه الطريقة الأفراد على تعديل الأنشطة الفسيولوجية للجسم من خلال تغذية راجعة سمعية أو بصرية Auditory or Visual Feedback.
وتستخدم في هذه الطريقة أداة الكترونية تقوم بتسجيل النشاط الفسيولوجي للجسم في المواقف الضاغطة مثل معدل ضربات القلب، ضغط الدم في شكل إشارات معينة كإصدار ضوء، رنين، تغيرات في نغمة الصوت، أو في شكل معلومات على شاشة أمام الفرد. وهكذا، تزود التغذية الراجعة البيولوجية الأفراد بمعلومات عن العمليات الداخلية في أجسامهم تساعدهم على التحكم في تلك العمليات الداخلية، ويمكن أن تكون ذات تأثير فعّال في العمل على خفض التأثيرات المختلفة للمواقف الضاغطة.
د - التمرينات الرياضية : Exercises
من الملاحظ أن التدريبات الرياضية كالجري لعدة أميال أو ممارسة رياضة التنس تستطيع أن تخفف من ردود أفعال الضغط النفسي. فالتمرينات الرياضية تصرف عنا مصادر الضغوط وتستطيع التقليل من الآثار الناتجة عن الضغط النفسي، إذ تعمل على تخفض ضغط الدم وتحسين الدورة الدموية وتقوية عضلة القلب. ومن المعروف أن كثيرًا من الوظائف البدنية كوظائف القلب والرئة والدورة الدموية، وهي الوظائف المرتبطة أيضًا بالحالة المزاجية، تتحسن بالممارسة الرياضية المنظمة. فنجد أنفسنا أكثر قدرة على التنفس الجيد والحيوية. مما يقلل بدوره من التعرض للقلق والاكتئاب.
كما أن التمرينات الرياضية تكسب الأفراد إحساسًا بالتحكم في أجسامهم، وشعورًا بالإنجاز، كما أنها تساعدهم على النوم الهادئ ليلاً. كذلك ممارسة الرياضة ربما كانت مفيدة لأنها تساعد الفرد على استهلاك الطاقة المتولدة والمتراكمة عن الضغط النفسي وكبح جماحها. ويفضل أن تكون الممارسة الرياضية متصلة بمعنى أن يتراوح وقت التمرين الواحد من 15- 30 دقيقة متصلة وليست متقطعة، أي ألاّ تكون مثلاً 10 دقائق صباحاً و5 دقائق مساء. وتشير بحوث علماء النفس الصحي إلى أن أفضل أنواع الرياضة تلك التي تساعد على التنفس الهادئ والعميق والمنتظم، كالجري والمشي والسباحة والتدريبات السويدية الخفيفة.
2- استراتيجيات المواجهة المعرفية : Cognitive Coping Strategies
تركز وجهة النظر المعرفية على أهمية الجانب المعرفي والعقلي في تحديد استجابة الضغوط أكثر من اهتمامها بالبيئة ومثيراتها المختلفة.
وترى أيضًا أنه يمكن التقليل من حدة الضغط الذي يعانيه الفرد، إذا استطعنا تغيير طريقة تفكيره بشأن المواقف المسببة للضغط، وبالتالي تغيير استجابته لهذا الموقف.
إن أساليب المواجهة المعرفية تساعد الفرد في تكوين استجابات توافقية جديدة بدلاً من الأفكار التي تتسم بالإحباط وعدم الثقة بالنفس.
يتضمن أسلوب المواجهة العقلي للموقف الضاغط ثلاثة أطوار:
أ - الطور التعليمي : Educational Phase
وفي هذه المرحلة يجب أن يكون لدى الفرد خلفية عن مسببات الضغوط النفسية في بيئته وتأثيرات الضغوط. بحيث يتمكن الفرد من تحديد المواقف الضاغطة في بيئته لكي يستطيع فهم ردود أفعاله تجاه تلك المواقف.
ب - طور اكتساب المهارات : Skill - Acquistion Phase
وفي هذه المرحلة يحدث ما يسمى بإعادة البناء العقلي Rational Restructuring حيث يتم تنمية بعض المهارات العقلية التي تساعد الفرد على محاولة التحكم في ردود أفعاله تجاه المواقف الضاغطة مثل التعرف على الانفعالات غير المرغوبة، وكذلك التعرف على الأفكار والمعتقدات اللاعقلانية ومحاولة تغييرها.
إن توظيف المهارات العقلية التي يكتسبها الفرد في هذه المرحلة تساعده في التغلب على مشاعر خيبة الأمل، وفي تعزيز محاولاته الناجحة في مواجهة المواقف الضاغطة.
جـ- طور التطبيق
وفي هذه المرحلة يستخدم الفرد المهارات والاتجاهات التي قد اكتسبها في المرحلتين السابقتين بطريقة جديدة، كما أنه يحاول أن يختبر مهاراته الجديدة في مواجهة المواقف الضاغطة، كما أنه ليس من الضروري أن يظهر الفرد تفوقًا في مهاراته التي اكتسبها ولكن فقط يحتاج إلى أن يستخدم مهارات جديدة لكي تساعده في تكوين الاتجاهات المعرفية والانفعالية والسلوكية تجاه الانفعالات الناشئة عن المواقف الضاغطة مما يتيح له القدرة على تعديل استجاباته إذا لزم.
3- استراتيجيات المواجهة السلوكية
ولئن كانت مواجهة المواقف الضاغطة تحتاج إلى تغيير أفكار الفرد بشأن المواقف المسببة للضغوط، فإنها تحتاج أيضًا إلى تغيير سلوك الفرد ومن هذه الأساليب:
إدارة الوقت: تعتبر إدارة الوقت من المهارات المستخدمة في مواجهة الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة المختلفة وأعباء العمل الزائدة. إن برامج إدارة الوقت تساعد الأفراد على تحديد الأهداف وترتيب الأولويات، وتجنبهم إضاعة الوقت، إضافة إلى كونها تنبه الأفراد إلى حدود إمكانياتهم بحيث لا يلتزمون بأي عمل لا يستطيعون القيام به.
التوكيدية
يعتبر السلوك التوكيدي من الاستراتيجيات المتبعة في مواجهة المواقف الضاغطة في مجال العلاقات الشخصية. فالسلوك التوكيدي يساعد الفرد في تقليل ردود أفعال الضغط النفسي. إن الأفراد الذين لا يستطيعون التعبير عن حقوقهم ومشاعرهم يخبرون مستويات عالية من الضغوط، ولذلك يعتبر التدريب التوكيدي فعالاً في مساعدة الأفراد على تكوين مهارات سلوكية تساعدهم على خفض الضغط النفسي الناجم عن العلاقات الاجتماعية. وعلى هذا، فالسلوك التوكيدي يمكن الفرد من التعبير عن مشاعره، عن الدفاع عن نفسه وحقوقه المشروعة بدون قلق غير ضروري، ومن إقامة علاقات اجتماعية سليمة مع أفراد المجتمع الذي يوجد فيه وبالتالي يعمل على خفض شعور الفرد بالضغط النفسي.
التمرينات الرياضية
من الملاحظ أن التدريبات الرياضية كالجري لعدة أميال أو ممارسة رياضة التنس تستطيع أن تخفف من ردود أفعال الضغط النفسي. فالتمرينات الرياضية تصرف عنا مصادر التوتر وتستطيع التقليل من الآثار الناتجة عن الضغط النفسي، إذ تعمل على تخفض ضغط الدم وتحسين الدورة الدموية وتقوية عضلة القلب. ومن المعروف أن كثيرًا من الوظائف البدنية كوظائف القلب والرئة والدورة الدموية، وهي الوظائف المرتبطة أيضًا بالحالة المزاجية، تتحسن بالممارسة الرياضية المنظمة. فنجد أنفسنا أكثر قدرة على التنفس الجيد والحيوية. مما يقلل بدوره من التعرض للقلق والاكتئاب. كما أن التمرينات الرياضية تكسب الأفراد إحساسًا بالتحكم في أجسامهم، وشعورًا بالإنجاز، كما أنها تساعدهم على النوم الهادئ ليلاً.
كذلك ممارسة الرياضة ربما كانت مفيدة لأنها تساعد الفرد على استهلاك الطاقة المتولدة والمتراكمة عن الضغط النفسي وكبح جماحها. ويفضل أن تكون الممارسة الرياضية متصلة بمعنى أن يتراوح وقت التمرين الواحد من 15- 30 دقيقة متصلة وليست متقطعة، أي ألاّ تكون مثلاً 10 دقائق صباحًا و5 دقائق مساء. وتشير بحوث علماء النفس الصحي إلى أن أفضل أنواع الرياضة تلك التي تساعد على التنفس الهادئ والعميق والمنتظم، كالجري والمشي والسباحة والتدريبات السويدية الخفيفة.
4- الدعم الاجتماعي
يعتبر الدعم الاجتماعي من الوسائل الفعالة التي تستخدم في مواجهة الضغوط، إذ يقلل ما يعانيه الفرد من الضغط النفسي ويقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض الناتجة عن المواقف الضاغطة، فالدعم الاجتماعي يقلل من الأعراض الاكتئابية الناجمة عن المواقف الضاغطة وبالتالي فأن الدعم الاجتماعي لا يقلل فقط الشعور بالضغط النفسي، بل يزيد من قدرة الأفراد على مواجهة المواقف الضاغطة.
يوجد عدة أشكال من الدعم الاجتماعي:
أ-دعم تقييمي : Appraisal Support
ويتضمن هذا الدعم مساعدة الأفراد على تطوير فهم أفضل للحدث الضاغط، واختيار الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع الحدث الضاغط.
ب-دعم مادي : Material Support
ويتضمن الدعم المادي الخدمات المختلفة، أو المساعدة المالية التي من شأنها أن تخفض من شعور الفرد بالعجز والضعف، وتزيد من ثقته بنفسه.
ج- دعم معرفي : Informational Support
وهنا يزود الأصدقاء وأفراد العائلة الفرد الذي يعاني من الأحداث الضاغطة بالتغذية الراجعة Feedback التي تمكنه من مواجهة المواقف الضاغطة من خلال إدارة الوقت، وترتيب الأولويات.
د-دعم عاطفي : Emotional Support
إن الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل يمكن أن يساعدوا على تخفيف حدة الضغوط النفسية، وذلك عن طريق الدعم العاطفي من خلال تقديم مشاعر الحب والمودة له.
ساحة النقاش