كنوزمن الصدقات الجارية

كنوز من الأحاديث الصحيحة ،والقرآن وأقوال السلف على شكل بطاقات لمشاركتها على المواقع

هذه قاعدة قرآنية عظيمة، يحتاجها الإنسان في مقام التمييز بين الأقوال والأفعال، والسلوكيات والمقالات.

والخبيث: ما يُكره بسبب رداءته وخساسته، سواء كان شيئًا محسوسًا، أو شيئًا معنويًا، فالخبيث إذًا يتناول: كل قول باطلٍ ورديء في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح من الفعال، فكل خبيث: لا يحبه الله ولا يرضاه، بل مآله إلى جهنم، كما قال ﷻ: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ [الأنفال:٣٧].

وإذا تبين معنى الخبيث ههنا؛ فإن الطيب بعكسه فيدخل فيه الواجب والمستحب والمباح -من الأقوال والأفعال والصحيح من المعتقدات- فدخل في هذه القاعدة كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الواجبات والمستحبات والمباحات.

فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام بالمال الحلال (*١*).

وهذه القاعدة القرآنية هي صدر الآية الكريمة: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة:١٠٠]، والتي سيقت في معرض الحديث عن أنواع من المطاعم والمشارب والصيد، وتفصيل الحرام والحلال فيها.

ولا ريب أن الغرض من الآية ليس مجرد الإخبار بأن الخبيث لا يستوي هو والطيب، فذلك أمرٌ مركوز في الفِطَر، بل الغرض: الحث والترغيب في تتبع كل طيب من القول والعمل والاعتقاد والمكسب، والتنفير من كل خبيث من القول والعمل والاعتقاد والمكسب.

ولما كان في بعض النفوس ميلٌ إلى بعض الأقوال أو الأفعال أو المكاسب الخبيثة، وكان كثيرٌ من الناس يؤثر العاجل على الآجل، والفاني على الباقي؛ جاء التحذير من الخبيث بأسلوب عجيب يقطع الطريق على من قد يحتج بكثرة من يتناول هذا الخبيث، فقال ﷻ: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ وذلك أن في بعض الخبائث شيءٌ من اللذة الحسية أو المعنوية، كالحصول على مالٍ كثير لكن من طريق حرام، أو الوصول إلى اللذة الجسدية عن طريق الزنا، أو الخمر أو غيرهما من الملذات المحرمة، فهذه قد تغري الإنسان، وتعجبه، إلا أنه مع كثرة مقداره، ولذاذة متناوله، وقرب وجدانه، سبب للحرمان من السعادات الباقية الأبدية السرمدية التي إليها الإشارة بقوله: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الكهف:٤٦]، وإذا كان الأمر كذلك فالخبيث -ولو أعجبك كثرته- يمتنع أن يكون مساويًا للطيب الذي أعظمه: معرفة الله ومحبته، وطاعته، فتلك هي -والله- الحياة الطيبة التي وعد بها ﷻ من استقام على أمره، بأن يطيب عيشه في الدنيا والبرزخ والآخرة، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] هؤلاء هم الذين طابت أقوالهم وأفعالهم وحياتهم، فطاب مماتهم ورجوعهم إلى الله، كما قال ﷻ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل:٣٢] نسأل الله الكريم المنان من فضله الواسع العظيم.

ولعظيم موقع هذه القاعدة وما دلّت عليه، فإن المتأمل للقرآن يجد عجبًا من كثرة التأكيد على العمل بما دلّت عليه هذه القاعدة! ومن ذلك:

١- التأكيد على ضرورة العناية بالمكاسب الطيبة، ولم يستثن الله أحدًا من عباده المؤمنين في الحث على هذا الأمر، بالإضافة إلى العمومات الآمرة بطيب المكسب، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة:١٦٨] إلا أن الله تعالى خص الرسل عليهم الصلاة والسلام -الذين كانوا أطيب الناس حسًا ومعنى- بخطاب خاص في هذه المسألة بالذات، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون:٥١].

وكلُّ هذا يؤكد ضرورة العناية بهذا الباب العظيم الذي هو طيب المكسب، ولقد كان سلفنا الصالح شديدي العناية بهذه المسألة، ولربما سافر أحدهم مئات الأميال، وتغرب عن وطنه، كل ذلك بحثًا عن لقمة طيبة حلال، حتى قال سفيان الثوري: إن طلب الحلال هو عمل الأبطال.

ولقد كان من أعظم أسباب العناية بطيب المكسب عند أسلافنا أمور، من أهمها:

أ- أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا كما قال النبي ﷺ. 

ب- ومنها: أن هذه المكاسب مما تنبت عليها الأجساد.

ولهذا فإن مما يُوصَى به: كثرة الصدقة كلما كثر المال، أو قويت فيه الشبهة؛ كما أوصى بذلك النبي ﷺ من يتعاطون التجارة، حيث يقول ﷺ -فيما رواه أهل السنن-: من حديث قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله ﷺ -ونحن نسمى السماسرة- فقال: «يا معشر التُّجَّار! إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح (٢).

وإذا كان هذا شأن المكسب الطيب، فعلى الناصح لنفسه أن يجتهد في تحقيقه، والحذر من أي شيء يكدره، خصوصًا وقد اتسعت على الناس اليوم أنواع من المكاسب المحرمة فضلًا عن المختلطة والمشتبهة، كبعض الشركات الموجودة في أسواق الأسهم المحلية والعالمية.

٢- ومن هدايات هذه القاعدة القرآنية العظيمة: أنه لا يصح -أبدًا- أن نجعل الكثرة مقياسًا لطيب شيءٍ ما، وصحته وسلامته من المحاذير الشرعية، وهذا أمرٌ يصدق على الأقوال والأفعال والمعتقدات، بل يجب أن نحكم على الأشياء بكيفيتها وصفتها وبمدى موافقتها للشرع المطهر.

تأمل -مثلًا- في قلة أتباع الرسل وكثرة أعدائهم: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله﴾ [الأنعام:١١٦]، وهذا مما يؤكد على الداعية أهمية العناية بالمنهج وسلامته، وأن لا يكون ذلك على حساب كثرة الأتباع! وهذا موضعٌ لا يفقهه إلا من وفقه الله تعالى، ولا يصبر عليه إلا من أعانه الله وسدده؛ لأن في الكثرة فتنة، وفي القلة ابتلاء.

وإليك مثالًا ثالثًا يجلي لك معنى هذه القاعدة بوضوح، وهو أن تتأمل في كثرة المقالات والعقائد الباطلة وكيف أن المعتقد الحق هو شيء واحدٌ فقط، قال : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣].

ووالله ما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيّب مثلها وأحسن، مع أمْنٍ من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، والعاقل حين يتحرر من هواه، ويمتلئ قلبه من التقوى ومراقبة الله تعالى؛ فإنه لا يختار إلا الطيب، بل إن نفسه ستعاف الخبيث، ولو كان ذلك على حساب فوات لذات، ولحوق مشقات؛ فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، مسليًّا نفسه بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء:٧٧].

اللهم اجعلنا من الذين طابت أقوالهم وأفعالهم، فطاب منقلبهم ومآلهم.

 

 

 

قواعد قرآنية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 236 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2017 بواسطة djana

ساحة النقاش

fadila

djana
شعارنا قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم نسعى لإدخال السرور عليكم ولو بكلمة طيبة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

174,990