ثمرة رمضان
المقدمة
كنا على شوق قبل استقبال رمضان ثم جاءنا رمضان ضيفا عزيزا كريما خفيفا ثم مالبث أن رحل رمضان
رحل رمضان لكنه ترك لنا في قلوبنا نورا نُحسُّ به فقد عمَّرنا بيوت الله وهي محط النور والهداية قال تعالى (الله نور السموات والأرض .....)الآية ثم قال (في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال.)الآية
رحل رمضان لكنه ترك لنا أمرا عظيما هو تخفيف تعلقنا بالشهوات وأمر الشهوات أمر خطير قال تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ...)الاية
ورمضان جاء لهذين الأمرين المحافظة على الصلوات، وعدم اتباع الشهوات
الشهوات سلاح الشيطان الذي يصيد به ابن آدم فهي الثغرة ونقطة الضعف التي يدخل منها إلى حصنه وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لما خلق الله آدم جعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف علم أنه خُلق خلقًا لا يتمالك )أي ضعيف أمام الشهوات خصوصا شهوتي البطن والفرج اللتين صمنا عنهما في رمضان فتدربنا على التحكم فيهما
أما شهوة البطن فهي شهوة خطيرة وقد صور القرآن لحظة ضعف آدم أمام شهوته فقال (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة ) شجرة واحدة . لكن إبليس دخل لآدم من شهوته وكان شغله كله على هذه الشهوة (فوسوس لهما الشيطان) قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى)( فأكلا منها) بل (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما) فالحال بعد السقوط في مستنقع الشهوة يختلف فجأة في لحظة أو اقل عما قبله (بدت لهما سؤاتهما انكشفت العورة وانقلب الحال من طاعة الله إلى مخالفة أمره ومن الستر الى الفضيحة
إن كلا منا ضعيف أمام شهوته ولكنه يجاهد هواه ومادام في هذه المرحلة مرحلة المجاهدة والصراع بين طرفين قلبه وإيمانه وإلهام الملك له في معسكر ونفسه وهواه وإغواء الشيطان في معسكر والحرب سجال فمادام في هذه المرحلة قبل السقوط في الشهوة فهو مستور يستحي أن يعرف أحد مايدور في قلبه من صراع فيظل كذلك الملائكة تنتظره أن ينتصر حتى تكتبها له حسنة كاملة كما في الحديث والله تعالى يمده ويوفقه والملك يلهمه الخير ويعده به يظل كذلك إلى أن يميل الى الشهوة ويختار هوى نفسه فهنا ينهزم ويسقط وهنا يظهر ماكان يدور في النفس ويخرج الى الواقع فينكشف الستر ويفتضح الأمر ويتغير الحال نسال الله تعالى العفو والعافية
شهوة البطن عندما نملكها فنحن نستطيع أن نبتعد عن أكل الحرام ولاند خل بطننا إلا حلالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ..........)الحديث
وشهوة البطن عندما نملكها بالصيام فهي تحمينا من مرض خطير هو مرض البطر الذي يصيب الانسان نتيجة استمرار الشبع فيعتاد عليه فيستقل نعمة ربه عليه وهو مشكلة تواجه الآباء أن ينشا الأبناء في نعمة فلا يشعرون بها ولايحسون بقيمتها خصوصا إذا لم يتعبوا في تحصيلها فيعاني الآباء من طلب المزيد ومن الشكوى من الموجود قال تعالى ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها )
وعندما يتربى الأبناء على دوام الشبع وعدم القدرة على الصيام ينشاون ضعافا في إرادتهم وعزيمتهم ويقينهم
نبينا صلى الله عليه وسلم كان يجوع حتى لايجد من الدقل أي التمر الرديء ما يملء بطنه وهو الذي اختار أن يأكل يوما فيشكر ويجوع يوما فيصبر صلى الله عليه وسلم
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يجوع حتى يغشى عليه من الجوع
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل بيته فيسأل: هل عندكم طعام؟
فيقولون: لا
فيقول: إني إذا صائم
مشكلة لكنها سهلة عليه لأنه معتاد على الصيام وبذلك تصبح الحياة معه في بيته سهلة فهو لايثور من اجل طعامه ولكنه يغضب من أجل تضييع حق من حقوق الله كالصلاة مثلا
عندما نقرا عن جوع الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه فإننا ندرك كم تعبوا من أجل أن يبلغونا هذا الدين وفي نفس الوقت كم فرطنا نحن وكم ابتعدنا عن هذا الدين
ان الرسول صلى اله عليه وسلم واصحابه عندما تربوا على الصيام وتحمل الجوع والعطش وعدم التعلق بالشهوات استطاعوا أن يخرجوا من ديارهم وأموالهم ويفارقوا أزواجهم وأولادهم في سبيل الله بالهجرة وبالجهاد والسفر في سبيل الله لإقامة الدين
روى احد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام بعثهم في سرية وأمَّر عليهم أبا عبيدةبنالجراح وزودهم جرابا من تمر لم يجد لهم غيره فكان ابو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة فأصابتهم مجاعة وكانوا يضربون بعصيهم شجر الخبط ويأكلون مايسقط من ورقه حتى اصبحوا يضعون في قضاء حاجتهم كما تضع الماعز من شدة الجفاف الذي اصابهم ومكثوا على ذلك إلى أن وصلوا الى ساحل البحر فأرسل الله إليهم دابة عظيمة من دواب البحر تسمى العنبر كأنها كثيب الرمل في ضخامة حجمها فأكلوا منها حتى سمنوا
وأما في غزوة الخندق فقد اصاب النبي وأصحابه جوع شديد وما أخضعهم ذلك لعدوهم وما أضعف إرادتهم
لماذا يتربى أبناء الاسلام على الصيام؟
لأمرين الأول لأن الحياة غير مأمونة في تقلباتها فلا بد أن يكون المؤمن قادرا بإرادته على تحمل طبيعة الحياة التي لاتدوم على حال
الثانية حتى تستطيع الأمة إقامة الدين والتفرغ لتعلم علومه و العمل به والدعوة اليه والصبر على أحكامه والجهاد في سبيله
أمتنا أمة مكلفة برسالة ليست هي اتباع الشهاوت وإنما رسالتها إقامة الدين
الخطبة الثانية
وبعد
فالشهوات سلاح الأمم في العصر الحديث فأعداء الاسلام يغرقون شبابنا في الشهوات ويشغلونهم بها عن الدين أولا ثم عن كل أمر جاد لأن الشباب الغارق في الشهوات عبد لها وهي إلهه وهو يعبد من يوفر له هذه الشهوات وعابد الشهوات لاينتمي لوطن وإنما ينتمي لشهوته ونفسه وهو قابل أن يفرط في أي شيء ويبيع أي شيء في سبيل شهوته
وإضاع الشعوب في هذا العصر يكون كما ترون بالحصار الاقتصادي وتجويع الشعوب وما يسمونه بالحرب القذرة كما فعلت قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام بحصارهم في شعب أبي طالب حتى أكلوا ورق الشجر لكن ذلك لم يخضعهم ولم يردهم عن دينهم كما يتكرر في عصرنا هذا
لأجل ذلك سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام النوافل ليعطينا قوة الارادة والعزيمة ويحمينا من أمرض استمرار الشبع
سنَّ لنا الستة أيام من شوال ويوم عاشوراء ويوم عرفة وصيام الاثنين والخميس والثلاثة ايام البيض وصيام يوم وإفطار يوم وكل مسلم يختار من هذه الأيام مايتناسب مع صحته وقوته ولايضعفه في القيام ببقية واجباته ومسؤلياته وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع فقال صلى الله عليه وسلم (من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا ) وعير ذلك من الأحاديث
إن كلامنا عن الجوع لايعني أن الجوع في حد ذاته عبادة كلا العبادة هي الصيام وهي تقوى الله تعالى
إن رمضان قد ترك لنا نورا في قلوبنا وإيمانا أسأل الله تعالى أن يعيننا ويوفقنا للمحافظة عليه
دعاء
ساحة النقاش