المقصود بالرجولة اكتمال الصفات المميزة للرجل كالشجاعة والقوة والسيطرة على النساء
ـ الشباب يحب الرجولة ويعتز بصفاتها ويحترم من يتصف بها لذلك نرى كثيرا من المراهقين يحاولون أن يستعجلوا الوصول للرجولة فيقلدون الرجال ولكن منهم من يقلدهم في الصواب ومنهم من يقلد في الأخطاء
فيحلف بالطلاق مثلا ليكون رجلا!
ويُدخِّن ليثبت أنه رجل!
ويحلق شاربه ليكبر ليصير رجلا!
ويضرب إخوته البنات ويتمرد على والديه وينفعل على أمه ويتمسك برأيه الخطأ ليكون في البيت رجلا !
ويعتدي على الناس وينضم الى شلة بلطجية لييعلن أنه لم يعد طفلا بل قد أصبح في المجتمع رجلا!
كل ذلك لأن الشباب يبحث بطبيعته عن الرجولة والبطولة.
ورمضان جاء ليعلم الشباب الرجولة الحقيقية فيظهر صفات الرجال الذين يمدحهم الله تعالى ويعلي قدرهم حتى يقتدي الشباب بهذه الصفات
فمن هم الموصوفون بالرجال في القرآن الذي نقرأه كثيرا في رمضان؟
قال تعالى (}مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) ( الأحزاب فمن صفات الرجولة الصدق مع الله لأن الصدق لايكون الا من القوي والكذب لايكون الا من الضعيف الجبان والصدق هو مطابقة الظاهر للباطن والصائم صادق لأنه صائم في السر والعلن .
والصفة الثانية الوفاء بالعهد وأوجب العهود وفاء العهد مع الله والعهد الذي بين كل انسان من بني آدم وبين الله هو توحيد الله وطاعته وعبادته وعدم عبادة الشيطان (ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان)؟
لذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا أن نذكر أنفسنا كل صباح ومساء بالوفاء بعهد الله وتجديد هذا العهد (وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت)
ـ وفي القرآن أيضا :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
إذًا من صفات الرجولة الصلاة في المساجد ،والمسارعة إليها وعدم الانشغال بشيء عن الصلاة فالأطفال هم الذين يبقون في البيوت مع الأمهات ولاينزلون للصلاة .
قال تعالى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) { .التوبة.
أين مكان أولئك الرجال؟ هل هم في الأندية؟ في الحفلات؟ هل هم في المجتمعات الفارغة التي تفرغ الرجولة من معانيها؟ كلا !! في بيوت الله عز وجل
ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا الرجولة:في حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ) رواه البخاري ومسلم.
ـ وقال تعالى (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} (القصص) فالرجل يتحمل المسؤلية يقف مع الحق وينصف المظلوم وبهمة عالية
ـ وقال تعالى (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِt الرجل يملك الشجاعة الكافية التي لايهاب بها أن يقول الحق
ـ وقال تعالى عن موسى عليه السلام وهو النبي المعرف بشهامته وقوته (ولما ورد ماء مدين وجد عليه امرأتين تذودان قال ماخطبكما قالتا لانسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير فسقى لهما)
فهو أولا قد لفت نظره وجود هاتين الفتاتين بعيدا عن الرجال وثانيا تقدم بشجاعة وأدب وتدخل ليستفسر عن هذا الوضع الذي لايصح أن يستمر ثم ثالثا تقدم بمساعدته لهن
فوالله اين ذلك من شباب يرى الفتيات في موقف صعب فبدلا من مساعدتهن يحاول استغلال الموقف لتحقيق أغراض دنيئة مريضة!
ومن صفات الرجولة تحمل مسؤلية الأسرة قال تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.…(34){ (النساء 34
ـ ومن صفات الرجولة الإقدام والشجاعة ويحكي لنا القرآن أن موسى عليه السلام قال لقومهَ (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ (21)} [المائدة)
لكنهم كانوا أهل ترف وتقاعس وتعلق بالشهوات فقالوا (يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)} [المائدة
وهنا ظهر الرجال (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)} [المائدة
ـ ومن صفات الرجولة توظيف القدرة على الحفظ في حفظ القرآن كان الصحابة لايعدون الرجل رجلا حتى يحفظ سورة البقرة وقال النبي صلى الله عليه وسلم(عليكم بسورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة أي الساحرة
كما أن رمضان يدرب الشباب على جوهر الرجولة وأهم صفاتها فالرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته ودينه وأمته.
ـ ورمضان هو الذي يربي هذه القوة بالتدريب على الصبر والتحمل والمكابدة والاصرار والتحدي للهوى وللنفس وللشيطان والتصميم على الوصول للنهاية أي على الثبات وعدم التراجع أو التخلي كما يدرب على الشجاعة ولايكون الانسان شجاعا الا إذا كان مستعدا للتضحية بالشهوات والمحبوبات لذلك عرفوا الشجاعة فقالوا الشجاعة هي "القوة في مفارقة المحبوب" فالشجاع قرر سريعا أن يفارق شيئا محبوبا له قد يكون ماله أو جاهه أوشهوته أو حتى الحياة لذلك يكون ماضيا كالسهم غير متردد لأنه ليس هناك مايُبقي عليه فيتردد ويتزعزع خوفا من مفارقته أما الجبان فهو يتردد لأنه لايريد أن يفارق أو يترك مايحب من الراحة أو الشهوة أو المال او الحياة
جاء رجل الى رسول الله صلى اله عليه وسلم أثناء القتال فقال :مالي إن أنا قُتلت في هذه المعركة قال: الجنة. فنظر الى تمرات في يده وقال لئن حييت حتى أكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة ثم ألقاها وانغمس في صفوف القتال وقاتل حتى استشهد في سبيل الله .فمالذي شجعه؟ إنه الزهد في الدنيا والقدرة على مفارقتها في سبيل الله ولايقدر على ذلك إلا الرجال
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى نال به كريم المأكل
وكم وكم قاسى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجوع وتحملوه في سبيل نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله
وكان بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعة من الشباب الفقراء فهؤلاء كانوا يسهرون بالليل يتعلمون القرآن وبالنهار يحتطبون ويبيعون مااحتطبوا ليأكلوا به ومع الأيام صار هؤلاء هم القراء والعلماء والدعاة الذين يرسلهم الرسول صلى الله عليه وسلم الى القبائل ليعلموا المسلمين الجدد أحكام الدين فعلى أكتاف هؤلاء الرجال اصابرين المتحملين تقوم الرسالات والأمم
أما الشاب الذي لايستطيع تحمل الجوع ويصبر عليه هل هذا يمكن أن يبني مجدا أو ينصر دينا أو يرفع شأن أمة و حتى يقوم بأعباء الدعوة الى الله؟
إن أعداء أي أمة يستهدفون شبابها ويستدرجونه الى كل ماينقض عزيمته ويعبده لشهوته ويضيع رجولته حتى إنهم يبدلون معنى الرجولة والبطولة في مفهوم الشباب ومن المفاهيم التي رسخها الاعلام الفاسد عن البطولة أن البطل هو بطل الكرة وبطل المسلسلات والنجم هو المغني فهؤلاء هم أعلام المجتمع وليس العلماء والمجاهدين
رمضان يعلم الشباب أن الرجولة أن تكون قوي الصبر مسيطرا على نفسك قوي الارادة والعزيمة وإذا قلت أن توفي فأنت صائم فعليك أن تثبت وتكمل يومك ولا يجوز لك أن تتراجع وتفطر قبل المغرب
فالرجل يقود نفسه وليست هي التي تقوده وتفرض عليه هواها.
الرجل يخالف هواه(وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)
الرجل لايضعف أمام شهوته فيتزعزع وينزل عن الطاعة لربه الى المعصية وقالوا: أشجع الناس من قاوم هوى نفسه وحبسها عن الدنيا.
لو صدق الشباب في طلبهم للرجولة لكثروا الصيام بعد رمضان ليتربوا في مدرسة الصيام على الرجولة الحقيقية
فالأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون همّ الدين ويسعون جادّين لخدمة دينهم وأوطانهم من أمثال هؤلاء الرجال الذين ظهروا في وقت الشدائد ، لما حاصر خالد بن الوليد (الحيرة) فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!
ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: “أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد”.
ولا تربية ولا إعداد لأمثال هؤلاء إلا في مدرسة الصوم
<!--
ساحة النقاش