عندما خرجنا من السجون سنة 1984فوجئنا بأن عددا كبيرا من الطلاب كانوا يتابعون القضية وينتظرون عودتنا للجامعة رغم أنهم لم يلتقوا بنا.
كان منهم "ياسر عبد الحكيم " رحمه الله
كان خاتما للقرآن قبل التحاقه بكلية الهندسة جامعة المنيا فالتقى بنا على شوق وسرعان ما التقت أرواحنا التي يبدو أنها تعارفت من قبل.
كان ياسر رحمه الله مهذبا متواضعا للغاية تبدو عليه آثارالقرآن في عباداته وأخلاقه ومعاملاته ولذا كان محبوبًا جدا من كل من يتعامل معه وكان متفانيا في خدمة غيره وكان من تواضعه لايوجد في مكان إلا يتولى هو خدمة من معه وخصوصا في السفرحتى أن زملاءه قد اعتادوا أن يتولى هو تلقائيا أمور المعيشة وهو لايتبرم من هذا ولايتضجر بل كان سعيدا بخدمته للصغير والكبير حتى بعد أن أصبح في السنة النهائية بل بعد أن تخرج مهندسا بتقدير عالٍ فقد كان متفوقا في دراسته
وكان رحمة الله عليه دءوبا في الدعوة الى الله وقد كتب الله لدعوته القبول والتفاف زملائه حوله
فقد كان رحمه الله قريبا من الناس ليست بينه وبينهم حواجز ولذا كان زملاؤه في الكلية يختارونه ليفضوا له بمشكلاتهم ويستشيرونه في حلها مطمئنين الى سعة صدره وأمانته على أسرارهم
بعد خروج الشيخ ضياء فاروق التصق به ياسر لتوافقهما في بعض الطباع وتأثر ياسر كثيرا بمدرسة الشيخ ضياء في العناية بمراجعة القرآن وأحكامه وفي الكلمة الطيبة وحسن الخلق والذوق الرفيع وحسن الظن وسلامة الصدر
كان ياسر رحمة الله عليه موفقا من الله تعالى ولعل ذلك لإخلاصه وطاعته ولشدة همه وعلو همته في الدعوة الى الله وكذلك لبره بوالديه فقد كان بارا بهما جدا رحمه الله
وأذكر أننا ذات مرة أرسلنا أحد الشباب لأداء عمل ما فعاد ولم يوفق فأرسلنا ثانيا فعاد ولم يوفق وسدت الأبواب وهما لايحسنان التصرف فقلنا: هذا عمل يحتاج الى ياسر فهو يحسن التصرف أين أنت ياياسر ربنا يبعثك ياياسر. ففوجئنا به يدخل علينا
واشتهر ياسر بهذين الأمرين حسن التصرف والتوفيق من الله
حتى أنه أخلي سبيله من اعتقال في القاهرة بينما أهله في المنوفية فخرج وهو حافي القدمين رث الهيئة ليس معه أي نقود وكان جائعا جدا فجلس على رصيف وبينما أحد أحبابه يمر قدرا في هذا المكان على غير العادة إذ فوجيء به في هذا المكان ...فكنا نضرب المثل به على أن من يجتهد جهده يجد من الله تعالى التوفيق والعون والتيسير، ومن يتحر الخير يعطه
كثيرون لم يتوقعوا أن تكون لدى ياسر قدرة على القيادة وذلك لشدة تواضعه ورقته ولكن عندما جاء الدور عليه في الكلية فوجئنا باختيار زملائه له والتفافهم حوله وطواعيتهم له حبا واقتناعا بشخصيته وكفاءته فكان كفئا في قيادته وكنا نضرب به المثل على أن من حسنت جنديته حسنت قيادته وأن "سيد القوم خادمهم" فقد كان ياسر يتميز بأكبر ميزة في القيادة وهي أنه أول من يعطي وآخر من يأخذ.
كان ياسر رغم انشغاله بالدعوة متفوقا في دراسته يحصل على تقديرات عالية وقد قدم في السنة النهائية مشروعا متميزا عن "ميكانيكية تدوير القمامة"
قبل استشهاده بأيام سنة 1991رأى المهندس ياسر أنه يطارد فكان يجري ويلهث الى أن فوجيء بأحد إخوانه الشهداء يظهر له ثم يأخذ بيده الى حديقة لم ير مثلها في الدنيا ثم يقول له : لن يجروا وراءك بعد الآن. فقام من نومه مسرورا جدا وقد فهم تأويل الرؤيا وبالفعل ماهي ألا أيام حتى لحق بإخوانه نحسبهم جميعا شهداء (أحياء عند ربهم يرزقون)
ساحة النقاش