في أواخرالستينات كنت تلميذابمدرسة موط الابتدائية وكان أستاذنا علي خالد الشامي رحمة الله عليه لايترك مناسبة إلا ويحدثنا فيها وله فيها تعليق وتوجيه تربوي.
ففي عاشوراء كان يوقف كل تلميذ ويسأله ماذا تفعلون في عاشوراء؟
ولا أذكر التوجيه الذي وجهنا إليه الأستاذ علي ـ وسع الله قبره ـ ولكن الذي علق في ذهني اختلاف عادات الواحات في عاشوراء وغرابتها بما يثير التساؤل عن أصل هذه العادات.
قبل عاشوراء ربما بشهور تستعد الأسرة بتربية الطيور اللازمة للذبح في هذا اليوم.
وفي يوم عاشوراء تذبح الأسرة طيورًا ولابد لكنها تختلف في عدد هذه الطيور ونوعها.
فاسر الفلاحين الأثرياء بالطيور يبالغون فيخصون كل فرد في الأسرة بذبيحة له وحده!
ويبدو أن الأطفال هم المقصودون أصلا بهذه الذبائح لذا تخص بعض الأسر الأطفال وحدهم ثم يمكن أن تشرك بقية الأسرة كلها بنوع من الدواجن كالبط أو الملط (الرومى)
والغريب في هذه العادة أنهم لايكتفون بالذبح والطبخ والأكل في هذا اليوم وإنما الغريب أن الأسرة تضع دجاجة كل طفل في نوع من الحقائب يسمى "قادس" وهو مصنوع من خوص النخيل وله حمالة من الحبال الليف يمكن تعليقه منها
والأغرب من ذلك أن هذا القادس المُغطى بغطاء منه فيه ( من السعف )والذي يحوي بداخله حمامة أو دجاجة وقد تكون بطة مسلوقة يتم تعليقه في وتد مثبت في جدار البيت من الخارج
فتمشي في الشوارع فترى أمام كل بوابة بيت أي على جداره عددا من هذه القوادس ـ بعدد الأطفال ـ معلقة
أما إلى متى يستمر هذا القادس مُعلقا؟!
إلى أن يأخذ الطفل قراره الحاسم بإنهاء هذا التعليق ليفتح الكنز ويلتهم بشراهة هذه الذبيحة اللذيدة المدخرة له المنتظرة منذ الصباح الباكر ! يلتهما وحده في يوم وحيد في السنة كلها !
لقد بحثت في تقاليد كل بلاد المشرق العربي فلم أجد فيها هذه التقاليد فلست أدري من أين أصلها ؟
لقد لعب الجهل بالدين دورا كبيرامع رغبة الحكومات المتعاقبة في تحويل الدين في مفهوم بعض المسلمين إلى مجرد بعض الطقوس المرتبطة بالأكل غالبا الخالية من أي معنى سوى خيط رفيع شفاف غامض يوحي للناس بتعلقه بالدين
والغريب أن خطباء الأوقاف لم تكن لهم أي جهود تذكر في تصحيح هذه المفاهيم فلم أذكر أحدا منهم علق على شيء من هذا بل الأدهى من ذلك موافقتهم ربما جهلا او اقتناعا بهذه البدع كما أنني لاأذكر أن أحدا أوصى بصيام عاشوراء كغيره من الأيام الفاضلة كيوم عرفة الذي كان كل الكبار يصومونه وربما يعتقدون حرمة فطره
ساحة النقاش