جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان "خطباء لا قراء.. يا «وزارة الأوقاف» "وتم نشره في جريدة الوطن الثلاثاء 2016/7/26.. وهذا نص المقال لمن أراد المتابعة :-
أدى قرار وزارة الأوقاف المصرية الأخير بإلزام خطباء الأوقاف بقراءة خطبة الجمعة من ورقة معدة مسبقاً إلى موجة سخرية عارمة من الشعب المصرى الذى كان قديماً يحترم أئمة الأوقاف ويجلهم ويقدرهم ويذهب خلفهم إلى كل مكان لسماع دروسهم.
- فقد أحصى أحد أئمة الأوقاف قرابة 500 نكتة على مواقع التواصل الاجتماعى سخرية من القرار ومن هيئة الإمام وهو يتلو الخطبة المكتوبة، أيسرها وأسهلها ما كتبه د. أيمن زهرى «أستاذ العلوم السياسية» عبر صفحته على «فيس بوك»: ماذا لو تسربت خطبة الجمعة يوم الخميس، هل ستعاد أم سيحدد لها موعد آخر؟
- وما كتبه البعض: ما الداعى لإنشاء كليات الدعوة وأصول الدين واللغة العربية إذا كانت الخطبة ستكتب للإمام ويتلوها، وما الداعى لسماع المصلين للخطبة إذا كان يمكنهم قراءتها على مواقع الوزارة قبلها بأيام؟
- وما الداعى لكل الاختبارات المتعددة لأئمة الأوقاف إذا كان عليه فقط أن يقرأ خطبة الجمعة، ولماذا لا يقرأها مقيم الشعائر أو أحد المصلين؟
- لقد أفقد هذا القرار البقية الباقية من هيبة الأئمة ومكانة المساجد وصلاة الجمعة التى هى أعظم منبر إعلامى إسلامى يجتمع فيه المسلمون.
- لقد أصبحت خطبة الجمعة فى مساجد الأوقاف باهتة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ولا تعالج أى قضية حيوية يعيشها المصلون، ويأتى هذا القرار ليجهز على البقية الباقية من هيبة الإمام والجمعة.
- ولنا أن نسأل وزير الأوقاف سؤالاً مهماً: هل كان أحد يستطيع أن يكتب ما كتب على خطب الشيخ الشعراوى، وهو الذى هز بخطبته أرجاء عرفات حينما خطب هناك فى السبعينات، هل كانت ستحدث ذلك الأثر لو قرأها الشعراوى من ورقة؟
- الخطبة حياة، الخطبة روح، الخطبة كيان حى نابض يسرى من وجدان وروح وكيان وقلب الداعية الصادق إلى أرواح المستمعين فتهزهم هزاً، وتؤزهم على الخير، وتردع الشر من نفوسهم.
- وقد كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إذا خطب علا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فكانت خطبته نفثة ونفحة إيمانية تسرى من قلبه النابض إلى قلوب الصحابة، فتهتز خشية وورعاً والتزاماً.
- ولكن وزارة الأوقاف أماتت الدعوة والمساجد والخطابة وقتلت كل روح وثابة فى أى إمام يحب دينه ومولاه الحق سبحانه.
- إنها تفترض فى كل الأئمة العجز والضعف والجهل أو تفترض فيهم الخيانة والتطرف، وهى فى المقابل لا تدربهم أو تعلمهم كما ينبغى، لقد نسيت أن من أئمة الأوقاف النابهين والعلماء والأفذاذ وأن الوزارة هى التى حرمت الدعوة والمساجد من علماء أفذاذ لم تمنحهم تصاريح خطابة رغم أنهم أساتذة كبار فى جامعة الأزهر، فـ«الضابط الأهم فى تصريح الخطابة هو الضابط الأمنى وليس الكفاءة».
- وقد كتب أحد أئمة الأوقاف الرائعين على صفحته كلمات مؤثرة قال فيها: «دعاة لا جباة، خطباء لا قراء، والمشتكى إلى الله»، إيه يا شيخ يحيى الكتانى، ما أجمل كلماتك التى لخصت القضية فى كلمات.
- إن أزمة الأوقاف الحقيقية أنها لا تفهم حتى اليوم أن نداء الجمعة ليس موجهاً منها إلى المصلين وإلا لما استجاب لها أحد، ولكنه نداء موجه من الله العلى القدير للمؤمنين للسعى إلى صلاة الجمعة وترك البيع والشراء وحظوظ الدنيا «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِى لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ».
- إنها العلاقة بين المؤمن وربه والإمام، ووزارة الأوقاف لا شأن لها بذلك إلا بإدارتها على وجه حسن يخدم الدعوة الإسلامية ويؤثر فى المصلين بصورة إيجابية تنفعهم فى دينهم ودنياهم وتخدم الإسلام والأوطان.
- والغريب أن وزارة الأوقاف لم تستشر المصلين يوماً فى مثل هذه القرارات، مع أنهم المعنيون أصلاً بها، ترى ما الذى يجبر طبيباً أو مهندساً أو أستاذاً جامعياً أن يحضر خطبة يمكنه قراءتها على النت، ويستطيع قراءة عشرات أمثالها؟ ما الذى كان يدفع الناس لسماع العلامة محمد عبدالواجد أحمد، أو محمد عبده، أو شلتوت، أو محمد الغزالى، وإسماعيل صادق العدوى.
- وهل هناك خطبة موحدة تصلح لمناطق مثل مدينة نصر ومصر الجديدة والتجمع الخامس، وتصلح فى الوقت نفسه لقرى الصعيد، وتصلح للنوبة وأسوان، وإسكندرية ومطروح؟ أى خبل هذا، ترى لو كانت الخطبة عن الادخار أو ترك المخدرات أو آداب الزواج، وهناك فى البلدة حالة ثأر مستعصية بين عائلتين، أو تصادم سيارتين وموت وجرح العشرات، كيف سيستقبل الناس كلمات هذا الخطيب المجنون وهو يحكى عن التبرع أو المخدرات أو الزواج؟
- إن هذا القرار يعنى فيما يعنيه تأميم الدعوة والمساجد وتنفير الناس من آخر شىء يربطهم بدينهم ومساجدهم، بعد أن انصرف الجميع عن دروس معظم أئمة الأوقاف لأنها فى الخلاصة لا تقول شيئاً باستثناء القليل ممن اعتبروا الدعوة رسالة وليست وظيفة.
- إن أزمة البعض فى الأوقاف أن عيونهم على السلطة أكثر مما هى على هداية الخلائق.
- لقد ألغيتم كل شىء فاحذروا أن تلغوا الإنسان فى شخص الإمام، ألغيتم اختياراته، قراراته، رؤيته، كاريزميته، طريقة أدائه، وسلبتموه كل شىء، وإذا أردتم أن يكون للإمام دور حقيقى فى معالجة كل أدواء الأمة، فانظروا إلى القسيس فى الكنيسة لتدركوا كيف يُعد، وكيف يعطى من الصلاحيات والإمكانيات.
- يا وزارة الأوقاف نحن فى القرن الحادى والعشرين وعليكم أن تعلموا أن نوعية المصلين فى معظم المساجد أسمى وأرقى وأعلى من أن تقبل أن يخطب لهم خطيب من ورقة، فأشرف لهم عدم الحضور، لا سيما إذا كانت ورقة وخطبة الأوقاف لا تقدم أى جديد لهم.
ساحة النقاش