علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

 

فى السبعينات كانت الجماعة الإسلامية تدعو الى مؤتمراتها كثيرًا من الدعاة والعلماء مع اختلاف توجهاتهم . وكان هذا التنوع مفيدا للغاية 
لكن بعد سنوات بدأ يشيع بين شباب الصحوة الإسلامية انتقادات للعلماء فهذا العالم يُؤل صفات الله! وهذا يبيح التصوير! والعالم الذى يعجب هؤلاء لايعجب آخرين والذى ينتقده هؤلاء يلقبه آخرون بألقاب ورتب علمية عالية! وكانت النتيجة أن انتابتنا نحن الشباب حالة إحباط شديدة فلا نجد حولنا فى العالم الاسلامى عالماً واحدا نثق فيه!
حتى أن بعض الشباب كانوا يتهجمون ويتهكمون على الإمام أبى حنيفة رحمه الله وكانوا يفهمون أن وصف الإمام بأنه من أهل الرأى على أنه يترك الحديث النبوى ويفتى برأيه مخالفا للحديث !! وكنت أقول فى نفسى :لو كان كذلك فكيف قبلته الأمة ورفعته هذه الرفعة رحمه الله؟
إلى أن حضرتُ حوارًا فى مستشفى سجن ليمان طرة انتقد فيه بعض الشباب الشيخ محمد الغزالى رحمه الله وانتقصوا منه فقال الدكتور عمر عبد الرحمن ـ وكان يسمع الحوارـ قولته المشهورة التى قدمها بحديث (إذا بلغ الماءُ قُلَّتين لم يحملِ الخبث ) والشيخ الغزالى عالِم غزيرُ العلم وله مواقفه فى كلمة الحق فإذا أخطأ لا نتبعه فى خطئه ولكن لا نتهمه فى دينه ولانحط من قدره . وكان دفاع العالم الجليل الدكتور عمر عبد الرحمن يثير استغراب كثير من الشباب فالدكتور يختلف مع الشيخ الغزالى فى بعض أقواله لكنه يحترمه هذا الاحترام!
إلا أننا فهمنا بعد أن درسنا أبوابًا من الفقه بطريقة "الفقه المقارن" بين المذاهب ومعرفة أدلة كل مذهب؛ وكان الشيوخ حفظهم الله قد درَّسوا لنا بهذه الطريقة خصيصًا من أجل التربية على مبدأ "توقير الأئمة واحترام الآراء العلمية" وبالفعل كنا ندرس أدلة مذهب فنقول : هى الصواب . ثم ننتقل إلى أدلة غيره فنقول: لا بل هذه الأدلة أقوى وهكذا وقد أعجبتنا كثيرا استدلالات الإمام العظيم أبى حنيفة رحمه الله رغم أننا أكملنا الدراسة على مذهب الإمام أحمد وقد خرجنا من دراسة هذه الأبواب بتقدير كل الأئمة ونفى اتباع الهوى أو العبث عنهم رحمة الله عليهم جميعًا
ثم ازداد تقديرنا لخلاف الأئمة بدراسة كتاب ابن تيمية (رفعُ المَلاَم عن الأئمة الأعلام ) الذى وضح أسباب الخلاف بين الأئمة وأنها أسباب معتبرة ثم بدراسة كتاب "العواصم من القواصم" الذى خرجنا منه بخلاصة مهمة وهى أن محدثى فتنة سيدنا عثمان رضى الله عنه أخذوا يجمعون بعض الأمور ويخطئونه فيها ويضخمونها بين الناس حتى وقعوا فى أعظم فتنة وقتلوا خليفة راشدًا شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَشَّره بالجنة! ولو أنهم وزنوا مااعتبروه أخطاء وسيئات بحسناته وهو خليفةٌ للمسلمين ومجهِزٌ للجيوش ومنفقٌ ماله فى سبيل الله لوجدواسيئاته قطرة فى بحر حسناته . وهو المبدأ الذى درسناه فى مبحثٍ مستقلٍ من أبحاث الدعوة يسمى (الانسان يقاس بميزان حسناته إلى سيئاته ) والأدلة عليه مشهورة فى القرآن والسنة وكثير من أقوال العلماء ومنها :
قول الإمام سعيد بن المسيب 
" ليس من عالمٍ ولا شريفٍ ولا ذي فضلٍ إلا وفيه عيبٌ، ولكن
" من كان فضلُه أكثرَ من نقصِه ذهب نقصُه لفضلِه، كما أنه من غلب عليه نُقصانُه ذهب فضلُه".
وقال الإمام الذهبي 
" ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابُه، وعلم تحرِّيه للحق، واتسع علمه،وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحُه، وورعه واتباعه، يُغفر له زلله، ولا نُضلِله ونطرحه،وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ". سير أعلام النبلاء (5/271). 
" ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه وبدَّعناه، لقلَّ من يَسْلَم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنِّه وكرمه " . السير (14/376)
وقال ابن القيم :
" معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسله لا يوجب قبول كل ما قالوه.
وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها؛لا يوجب اطراح أقوالهم جملة، وتنقُّصهم والوقيعة فيهم،
فهذان طرفان جائران عن القصد،
وقصد السبيل بينهما، فلا نؤَثِّم ولا نَعْصِم "
إلى أن قال: " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين " . إعلام الموقعين (3/295(.
إلا أن هذا الإنصاف والجمع بين الأمرين (عدم الاتباع مع عدم التبديع والتشنيع ) صعبٌ عزيزٌ جدًا وذلك لكثرة الصوارف النفسية المصاحبة لتحقيقه لكنه هو الصواب وهو الفهم المريح الذى تستقر به الضمائر
إن القائل (وعينُ الرِضا عن كل عيبٍ كليلةٌ كما أنَّ عينَ السُخطِ تُبدى المَساويا )
يصف واقعًا وطبيعةً موجودةً فى النفوس لكننا مأمورون بمخالفة هذا الميل الذى قد يصير هوىً مذمومًا
وبعض الشباب وكذلك بعض الجماعات تهوى تنقيص المخالف والتشنيع عليه خوفا من انصراف الأتباع إليه !!
كما يهوى تفخيم وتعظيم من يوافقه وإعطائه فوق حقه لجمع الناس حوله ولأن الشباب يبحث دائما عن بطلٍ ومثلٍ أعلى فما إن يجده حتى يذهب يفترض فيه مايهوى أن يجده فى قدوته لا ماهو موجود بالفعل.
ولكن سنة الله تعالى غير ذلك فمهما رفعنا شيئا فوق قدره ووصفناه بما ليس فيه فلابد أن تنكشف الحقيقة 
روى البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا سُبِقَتْ الْعَضْبَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ.
وفي سنن الدارقطني فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الناس لم يرفعوا شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه الله عز وجل"..
ولايخفى أن حديثنا إنما هو عن الخطأ الصادر عن مجتهد يريد الحق لكن قد يخطئه لاعن مبطل يريد الباطل وقد يدركه فليسا سواء ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فاصابه والله أعلم .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 20 يناير 2016 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

347,224