رغم أني لم أسمع من الدكتور عصام دربالة درسًا في السيرة النبوية بالطريقة المعتادة إلا أنه حببني في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وشوقني إلى رؤيته عليه الصلاة والسلام اللهم تفضل علينا بها.
لقد كان رحمه الله مقتديًا بالرسول صلى الله عليه وسلم متأثرًا فعلا بشخصيته وخصوصا في أخلاقه ولعل هذا هو السبب الأكبر والسر الخفي فى تأثيره على كل من لقيه من أول مرة, وحبه له.
كان رحمه الله متواضعًا جدًا؛ يقبل النصيحة من الكبير والصغير، ويُصغى إليها، ويشكر عليها، ويعمل بها، ولايمنعه من التعلم صغر من يُعلم بل كان يجلس فى دروس تلاميذه ومواعظهم ويتأثر بها.
ولم نسمعه يتحدث عن نفسه ولا يحكي مواقف يظهر فيها فضله أبدًا.
كان مقتنعًا بقدر كل أحد وقدراته، وأن كل أحد لديه قدرات وكفاءات وكان يساعد على اكشافها وتنميتها وتوظيفهامهما قلت أو كان نوعها! ولذا كان المكان الذي يحل فيه دربالة يتحول إلى خلية نحل عاملة كلٌ في مجال سواء كان من معه أكبر منه أو أصغر فهو دائما محرك ومهندس العمل في أي مجلس يشارك فيه.
كان معنا حلاق لايجيد الكتابة جعله دربالة يعد بحثٌا فى "أحكام الحلاقة" وساعده واحتفى به.
وكنا ونحن في ليمان طرة نزور عنبر التأديب فنجد الجميع بلا استثناء مشغولا بعمل من تكليف الشيخ.
وماكان يمكن أن نراه فارغا من عمل ولا جالسا مجلس فراغ أو لهو او حتى مرح مباح إلا أن تكون أنشطة جماعية.
كان واسع الصدر جدًا يتحمل الإساءة ولايرد بمثلها وقد ساعده ذلك جدًا على إدارة المجالس فهو يتغاضى عن الإساءة ويلتفت إلى الموضوع والفكرة ولذا كان يوصي إخوانه بأن لايسيئوا إلى أشخاص أو جماعات ولاينشغلوا كثيرابالرد إلا على المناهج والأفكار وقد وفَّر هذا المبدأ على الجماعة كثيرا من الجهد وجنبها المهاترات خصوصا مع تأكيد قيادات الجماعة على أن الخلاف والدفاع عن الحق لايعني سوء الخلق
ـ كان يحتفي بكل من يلقاه, ويكرم ضيفه جدًا وكان دافعه للإكرام حبه للناس وخصوصا أهل الفضل، وكان يساعده على ذلك زهده في الدنيا واستعداده للإنفاق ـ كان يحسن استقباله وابتهاجه بلقاء ضيفه كما يحسن توديعه وكان يمشي مع ضيفه إلى خارج مكتبه يودعه ويعبر عن سعادته بلقائه وكان يفعل ذلك مع كل أحد بلا استثناء واستمر على ذلك حتى شق عليه مع كثرة المترددين على مكتبه وكثرت مشاغله ويبدو أنه ورث هذا الأدب عن والده رحمة الله عليه.
وكان يحب أن يخلو بزائره يسأله عن حاله وعما إذا كانت له حاجة يقضيها له أو مساعدة يقوم بها معه.
كان معروفًا بإنصاته وسماعه واهتمامه بمحدثه وكان آخذًا بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في توزيع اهتمامه على الجميع وإذا رأى في مجلسه أحدا منطويًا أوغير مشارك أفسح له وأشركه.
كان مجلسه دائما مجلس حب وتواضع ووقار وسكينة واستفادة لايجد فيه صاحب فُحش مكانا لفحشه لأن دربالة كانت له هيبة في مجلسه وكان إذا حدث خطأ من أحد ينقبض ويعبر عن رفضه ولو بتعبيرات وجهه رحمة الله عليه وكان يجيد إعادة المجلس إلى الانضباط بصمتٍ قليل ثم بعبارة يقولها مبتسماً"لو سمحتم امنحونى شرف إدارة المجلس" فيستحيون منه
كان حييا جدًا رحمة الله عليه وكان حياؤه يمنعه من كثير من التعبيرات الشائعة التي اعتاد الناس عليها, وكان لايمد يده إلى الطعام قبل جلسائه ولم أره يمد رجله فى مجلس أو يترفع على جلسائه وكان غالبا يجلس فى المجلس بين الأعضاء وهو رئيسهم إلا أن يضيق المجلس فيجلس على مقعد مكتبه
كما كان كل واحد من تلاميذه يظن أن له منزلة خاصة ولعل كثيرين لم يكتشفوا ذلك إلا في آخر حياته أو بعد وفاته وهذا الإحساس نابع من شدة حبه رحمه الله لإخوانه واهتمامه بخاصة أمورهم.
كان دربالة قريبًا من كل أحد أمينًا على أسراره لذا كان كل من يعرفه يشاوره في خاصة أموره
كان رحمه الله رقيق القلب يتأثر سريعا بالموعظة وكانت له في صلاته رعدة مفاجئة لم يعرف سببها رحمة الله عليه
كان رحمه الله مُهذب اللسان جدًا وكان لايواجه أحدًا بمايكرهه حتى لو رأى أن يصارحه بحقيقة أو نصيحة اجتهد في اختيار عباراته جدًا
كان رحمه الله لايذكر أحداً بما يكره في غيبته أبدًا ولا يسمح لأحد أن يغتاب أحدًا في مجلسه ولا في خلوته به فإذا حدث من أحد رد غيبة أخيه برفق
كان يتولى خدمة من معه بنفسه رغم مشاغله ولو كان أصغر منه سنا ومقامًا وكان يصر على ذلك أو على الأقل على المشاركة فى الخدمة وإعداد الطعام
كان دربالة زاهدًا في الدنيا جدًا رغم غناه وثراء عائلته وكان زهده يظهر في كرمه وإنفاقه بسخاء على إخوانه, وفي الدعوة إلى الله, وفي توسطه في معيشته وفي استعداده أن يعيش في أوضاع مختلفة وكان قليل الطعام
ورغم زهده كان يهتم بملبسه ومظهره وعطره ويحب أن يظهر بما يليق بشخصه وجماعته وكان يهتم بذلك
وفي الأيام التي كان ينام في مكتبه ـ وكان مكتبه هو مقر الحزب ـ كان يتهيأ لاستقبال ضيوفه قبل مجيئهم ويستعد ولايحب أن يراه ضيوفه بملابس نومه
عندما التقيت بالشيخ عصام أول مرة حدثنى كأحد أقرانه أو زملائه لافرق بيننا فلماعايشته تبين لي الفرق الشاسع بيننا في كل شىء
فلما اقتربت منه أكثر في السجن حاولت الاقتداء به لكن كلما اقتربت منه رأيته يحمل نفسه بما لاطاقة لي به .
لقد كانت ثمرة صحبتي لأخي وشيخي وأستاذي ومعلمي أبو عبد الله عصام دربالة هي حب الرسول صلى الله عليه وسلم وشوقي إلى لقائه صلى الله عليه وسلم فقد استمتعت كثيرا بأخلاق رجلٍ حاول الاقتداء به صلى الله عليه وسلم إلى حد أنه تركني أتساءل عجبًا : إذا كان هذا هو جمال شخصية من اقتدى برائحة من أخلاق الرسول فمبالنا لو جمعنا الله بصاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.
لقدكان أول كتيب أعده الشيخ عصام دربالة سنة 1981 هو رسالة مختصرة بعنوان (الهدى المُنْتَقَى من أحوال المصطفى صلى الله عليه وسلم)
وكان يجلس بمسجد الجهاد بأرض سلطان ومسجد الوعى بشارع التجارة بالمنيا لإلقاء مضمون هذه الرسالة الممتعة التي تلقي الضوء في نقاط موجزة ومركزة على جوانب شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فتحبب السامع في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم وهديه وسُنَّته وأخلاقه وعظمته عليه أزكى السلام
في نفس الوقت كانت القلوب والأبصار تلتفت إلى هذا الشاب الذي يلقي هذا الموضوع الرقيق المحبب بهذا الإسلوب العذب الجميل وسمته السُنِّي الذي يعكس علمه وخُلُقه ووقاره وكان أيامها طالبًا بكلية الهندسة بأسيوط وكان يرتدى ثوبا يشمر عن ذراعيه قليلا
إلا أن ماحببني في الرسول هو ماجَسَّده دربالة من أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ذلك تاثيره أقوى بكثير من درسه الجميل
اللهم اغفر لعبدك الذي حببنا فيك وفي كتابك ورسولك صلى الله عليه وسلم وأكرم مثواه ومتعنا وإياه بالنظر إلى وجهك الكريم
اللهم احشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين
ساحة النقاش