قد يمن الله تعالى على الانسان بفترة صفاء في حياته يستمتع فيها أيما استمتاع بالصفاء مع ربه الى درجة يصدق فيها قول من قال: "انه لتمر على القلب أوقات يكاد يرقص طربا"  وقول الآخر: "إنه لتمر على القلب أوقات أقول فيها لو كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب"

غير أن سنة الحياة أن مثل هذه الأوقات والفترات لاتدوم لأن أسبابها التي تهيأت لوصول العبد الى هذا الحال لاتدوم فالدنيا لا تدوم على حال

 فإذا فارق الإنسان هذه الأحوال الجميلة وهذا النعيم القلبي العظيم والسعادة العامرة وعاش فترات مختلفة من تشتت القلب والبعد عن ذكر الله وبالتالي الحرمان من لذته ولذة ثمراته المعروفة راح الإنسان يأسى ويتحسر على ما فات

ولا يخلو مؤمن غالبا من هذه الفترات المتراوحة عليه حتى أن ابن القيم كتب في هذه الظاهرة كلاما مطولا

أهمه أن من ذاق مثل هذا النعيم ثم باعه   بثمن قليل من الدنيا وتعوض عنه بلذات البدن فسيعذب عذابا شديدا بلذاته الدنيوية فقد قضى الله عز وجل أن كل من تعلق قلبه بشيء غير الله عُذِب به ولابد

فأصبح كالبازى المنتّف ريشه ... يرى حسرات كلما طار طائر

وقد كان دهراً فى الرياض منعماً ... على كل ما يهوى من الصيد قادر

إلى أَن أَصابته من الدهر نكبة ... إذا هو مقصوص الجناحين حاسر

 

 ولذا فيها وقفات:

ـ بالتأكيد لن يستطيع الإنسان أن يعيش كل عمره في ظروف واحدة دائمة من خلوة وقدرة على التفرغ لذكر الله والعبادة التي تجلب الصفاء

ـ  ان الانسان مهما فعل لن يصل الى نفس الدرجة التي كانت في ظروف أخرى غير الظروف

ـ أن الطبيعي أن يكون الإنسان على درجة ما من الصفاء لايشترط لها الخلوة وبالتالي عليه أن يبحث كيف يصل إلى درجة من الصفاء في ظل الانشغال والعمل أي يجمع بين انشغال جوارحه وصفاء قلبه

واذكر أننا بعد الخروج من المعتقل سمة 1984 انشغلنا بالدعوة الى درجة كبيرة جدا وبعد فترة شكونا جميعا من الشعور بالفراغ القلبي وقسوة القلب فلما التقينا بمشايخنا أوصونا بضرورة تفريغ يوم أو بعضه للخلوة بالنفس

وإعطاء القلب حظه من العبادة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ولا بد للعبد من أوقات ينفرد فيها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه ومايختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره..

فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه إما فى بيته..

كما قال طاوس..نِعم صومعةُ الرجل بيته يكف فيها بصره ولسانه..

مج

ـ أن من الصعب أن يطالب الإنسان نفسه وهو في قمة الانشغال بأن تكون على نفس الدرجة  التي كانت من قبل من اجتماع القلب وصفاء النفس لكن يمكن تحقيق نسبة ما خصوصا القدر الذي يعتبر واجبا أو هو الحد الأدنى الذي لايصح أن ينزل القلب عنه وإلا سينتقل الى ارتكاب المعاصي وعدم الإحساس بآلامها فما لجرح بميت إيلام

ـ أن القوة الإيمانية ليست التي تحقق الإيمان وأعمال القلب في ظل ظروف استثنائية فقط وإنما القوة الايمانية هي التي تحتفظ بقدر ما من الأعمال القلبية في ظل كل الظروف والأحوال بحيث يظل القلب متعلقا بالله متوجها اليه موصولا به في كل الأحوال 

وبالتالي على المؤمن أن يحاول ويجاهد نفسه للعودة الى هذا القدر رغم الانشغال بأعمال الجوارح وإذا فكر فسيجد بعض الأمور مثل:

ـ أنه يحتاج فقط إلى إعادة ترتيب وقته

ـ أنه يحتاج الى محاسبة نفسه بحيث يحدد ما يصلح للاستمرار عليه من عاداته وتقاليده وما لامفر من التخلي عنه حتى يحافظ على أوراده وعبادته

ـ انها نفس الدرجة من قوة المحاسبة التي بدأ بها الطريق وحقق بها النقلة الهائلة مما كان عليه الى ما صار اليه من أعمال الإيمان

لكن الفرق انه في بداية الطريق كان مدركا لوجوب التخلي عن بعض العادات وخطورة استمراره عليها بينما الآن لايرى داعيا لمفارقة هذه اللذات

ـ ان الاستعانة بأفكار الآخرين وبالطرق الحديثة في كيفية تنظيم الوقت قد توفر له وقتا يمكنه من القيام بأوراده وعباداته اللازمة ليصل الى الصفاء المنشود

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 24 يونيو 2023 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

294,302