جمال في جمال هي لحظات التأمل في جمال الخلق مع أذكار الصباح
ابتسامة الشروق التي تطل بها الشمس على الكون تجدني في انتظارها رابضا في الشرفة القريبة من نهر النيل
ونهر النيل لايحجزني عنه الا هذه الأشجار المعمرة من المانجو التي زرعها انسان ما في الفيلا المقابلة
أغصان المانجو العالية تتعانق في الفضاء تاركة فراغات جمالية بينها يمر خلفها السحاب الأبيض أو المستجيب لآشعة الشروق وأصباغها الباهرة الملونة بكل الوان الطيف
البلبل النشيط وفرقته المتألقة ينتظر هذا الموعد فنحن على اتفاق للاستمتاع بسحر هذاالوقت الذي يتجلى فيه جمال الخالق للقلوب فيخضعها لتنطق سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم في توافق تلقائي بين القلب والعقل والروح والوجدان وكل أعضاء الانسان وبين لسانه المعبر عنها
نسمات الصباح تنساب الى الرئتين بعد ان تداعب الأنف كما تداعب أغصان المانجو فتستمتع الأذن بحفيف الأغصان
فجر اليوم لم أصله في المسجد فالحظر مازال ساريا
لم يمهلني صديقي البلبل الوثاب وأصدقاؤه حتى أفرغ من صلاتي بل كان بتغريده مستعجلا في الحاحٍ عجيب كأنه يخشى أن يفوتني نصف عمري كما يقولون ان فاتني ما يستمتع به هو في هذه اللحظة الحالية
فما ان فرغت من صلاتي حتى خرجت الى هذا الزاد والاستمتاع اليومي لأسْبح في هذا الفضاء مع تسبيح الله وأنفح عقلي بتكبيره سبحانه ليتسع صدري فينشرح ويغسل ماتراكم من الهموم الثقيلة ويجدد ثياب العافية ويتعطر بعطر الشعور بالنعمة والشكر عليها
نعم
يجبرني البلبل وتغريده مع السحاب وتسابقه ليمر خلف أغصان الأشجار الى ان أغير ترتيب الأذكار التي تعودت على ترتيبها حتى لآأنسى منها شيئا
القلب ينطق بالتسبيح غير مكترث بالترتيب "سبحان الله وبحمده " أو بالتوحيد "لا اله ألا الله وحده لاشريك له ... " أو هو يرغب ان يقول انا عبدك فيمر على سيد الاستغفار ثم لماذا أعطل اللسان عن الحمد والاعتراف بـ (إني اصبحت منك في نعمة وعافية وستر ) مادام القلب قد سبقه به وطالبه بالافصاح عنه
بينما أنا سابح في هذه الجهة مشدود البصر مشدوها مرهف السمع منمدج كلي مع هذا الجمال اذا بسيارة فارهة فخمة تنساب وحدها في الطريق ثم تهديء سرعتها ثم هاهي تقف بجوار سور الفيلا المقابلة ثم ينزل منها شاب ..لا بل هي شابة لكن بالملابس الشبابية التي تلبسها كثير من الفتيات المراهقات هداهن الله فلا يستر بعضها الا بُعد المسافة
هاهي تتوجه الى شنطة السيارة تفتحها تخرج كيساً بلاستكيا أسود
تأخذ شيئا من الأرض تفرشه ثم تفرغ من الكيس شيئا ما.
وسرعان ما توجه كلب من كلاب الشارع نحو ها ثم تشمم ما أفرغته لكنه عاد خائباً ينتظر بينما تواثبت القطط من هنا وهناك سعيدة تلتهم هذا الطعام وصاحبتنا واقفة تتأمل يبدو أنها تستمتع بإطعامها لهذه القطط وتحب ان تراها وهي ناهمة لتشبع بعد جوع
هي تتامل هذا الجزء بينما أنا هنا أتأمل هذه الاضافة التي أضافتها الى محرابي المتجدد اليومي
هي تمتع نظرها ووجدانها وتسد حاجة روحها الى الاحساس برحمتها بذي كبد رطبة وربما تطمئن بذلك صوتا ما في أعماقها يئن مطالبا لها بما فعلت
بينما لاتدري أن جمال الرحمة قد تناسق وتداخل مع تغريد البلابل وشقشقة العصافير وأغصان المانجو ولون السحاب ونسمة الصباح وتسبيح الرحمن الرحيم الذي أنزل جزءا من مائة جزء من رحمته الى الأرض به يتراحم الخلق حتى ان الدابة لترفع حافرها عن وليدها أو كما قال الموصوف بـأنه (رؤف رحيم) صلى الله عليه وسلم
أروع ما على الأرض الإنسان حين يسكب جمالا في داخله الى الأرض عملا وثمرة جميلة تتناغم وتنسجم مع بقية الجمال الذي أودعه الله هذا الكون ووجهنا للاستمتاع به ففيه يتجلى جمال الخالق فانه سبحانه "جميل يحب الجمال"
يا مالكَ المُلك ..
أنت المُستجار بهِ
من ذا لهُ لائذٌ
بالباب نادَاك
مسبحٌ بك ..
مملوءٌ بحُبّك ..
مشغُوفٌ بقُربِك ..
مشغُولٌ بنجوَاكَ
راضٍ بما أنت ترضَي ...
ومتخذٌ إليكَ منكَ طريقاً من عطَاياك
ساحة النقاش