مقدمة
وبعد
هانحن قد أصبحنا على أبواب رمضان بعد أن كنا ندعو الله أن يبلغنا رمضان
وهذه نعمة أن يمد الله في عمر المؤمن حتى يبلغ هذه المواسم العظيمة التي يتكرم بها الله على عباده ويتفضل عليهم بفضله
فالمؤمن كلما طال عمره راجع نفسه وقلب صفحات عمره وغالبا مايجد تقصيرا وقع منه هنا أو تفريطا هنا أو ظلما لأحد هناك أو تضييع فرصة كانت سانحة للقرب من الله أكثر كان ابن تيمية يقول والله انا أجدد كل يوما اسلاما جديدا يقصد أنه يحاسب نفسه فيجد مافات كان تقصيرا منه وغفلة بالنسبة لما يمكنه أن يفعل
الدنيا مزرعة الآخرة والرجل الفلاح لايمل أبدا بل لايشبع كلما دخل مزرعته أن يتفقدها فيجد هذه شجرة مائلة تحتاج أن يعدلها وهذه شجرة ضعيفة وهذه تحتاج الى كذا وهكذا المؤمن عمره هو مزرعته وعمله الصالح هو زرعه غرسه وهو رصيده الذي يلقى الله تعالى به
وهذا الزرع لابد وأن يظر فيه وهذا الرصيد لابد وأن ينقد وهذا الملف كله لابد وأن يفتح كله سيفتح في القبر ويفتح بين يدي الله تعالى فليفتحه اذا اليوم وينظر مافيه قبل أن يكون من الذين قال الله فيهم (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
ان الانسان قد تتغير رؤيته عندما يطول به العمر ويزداد نضجا بعد أن تتداول عليه التجارب وتتغير به الأحوال وتتبدل الأيام والقرآن أعطانا مثلا لذلك
في سورة يوسف عليه السلام كيف كانت امرأة العزيز مندفعة في امر تريده وتصر عليه بكل قوة( وراودته التي هوفي بيتها عن نفسه )
(وغلقت الابواب)
(وقالت هيت لك)
فلما أبى يوسف عليه السلام لم تستسلم بل استبقا الباب
(وقدت قميصه من دبر) أي جذبته من الخلف من قميصه فقطعته
فلما رأت سيدها لم تستسلم بل (قالت ماجزاء من اراد بأهلك سوءا ....
ولما انتشر الامر بين النساء لم تستسلم بل زادت اندفاعا (فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن ... ) الآية
ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين
ولكن دخل يوسف عليه السلام السجن ففارقها ومرت السنون وتغيرت الاحوال ولم يعد يوسف معها في القصر وطالت الايام ونُسي هذا الامر ولكن لما ارسل الملك ليوسف بعد سنين من أجل تفسير ارؤيا التي تنذرهم بالمجاعة ( قال ارجع الى ربك فاسأله.....) فتح الموضوع من جديد وعلم الملك فلما سال (ماخطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه)
ماذا نتوقع منها بعد كل ماسبق نتوقع اصرارها ولكن
اذا بها قت تخلت عن اصرارها فقد تغيرت الرؤية ونضجت الشخصية ورات الامور بمنظار آخر قالت (الآن ) ماذا؟ الآن) (الآن حصحص الحق)
الآن بعد تغير الأحوال الآن بعد نضج الشخصية الآن بعد خبرة الحياة واقرت بكل صراحة وصدق بكلام مباشر لالبس فيه ولا مداورة انا راودته عن نفسه تغيرت الرؤية وأبصرت الحقيقة بعد طول العمر وزيادة العقل والتعقل ومفارقة المحبوب
لذا ايها الاخوة ان يمد الله في عمرك فهذه نعمة لعلك تدرك شيئا قصرت فيه أو تراجع معصية كنت مندفعا فيها فتحمد الله ان منحك الفرصة للتوب منها فلا تلقى الله بها كما أعطاك فرصة للعمل الصالح في مزرعتك وفي الحديث أن رجلين استشهدا ثم مات صاحب لهم بعد عام فرآهم صاحب لهم كلهم في الجنة ولكن رأى هذا الأخير اذي مات على فراشه قد سبق هذين الشهيدين فتعجب الصحابي وسال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فعلاأمر يدعو للسؤال هذا شهيد في سبيل الله بينما هذا مات على فراشه كيف يسبقه قال النبي صلى الله عليه وسلم: اليس قد صلى بعدهما كذا صلاة اليس قد صام رمضان) ؟
ان الحساب بالذرة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره )
قال ابن القيم: (ان أهل الذنوب ) مثل حالاتنا
جعل الله لهم ثلاثة أنهار يتطهرون فيها )شبه هذه الثلاثة التي سيقولها لنا بالانهار (فمن لم تكفه للتطهر طهرته النار)
نهر التوبة النصوح
ونهر الحسنات الغامرة
ونهر المصائب المكفرة
وهذه الثلاثة موجودة في رمضان فرمضان يعيننا على التوبة
اللهم تب علينا واغفر لنا واعف عنا
الهي انت ذو عفو ومَن ....وإني ذو خطايا فاعف عني
وظني فيك باربي جميل....فحقق ياالهي حسن ظني
على باب الكريم وقفت ارجو....عطايا من كريم من غير منِّ
ـــــــــــــــــــــــــــ
الخطبة الثانية
وبعد
رمضان شهر التوبة والمغرة والعفو والرحمة والبركة ولكن هناك اشكالان قد يعكر الواحد منها على الانسان رمضان
الأول ان يكون عمله مجهدا له فهو يتعب في الصيام وهذا له وصيتان من الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى ما وصى بها معاذا رضي الله عنه (لاتدعن دبر كل صلاة أن تقول :الهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) وكلنا جرب ان يدخل في عبادة ثم يجدها ثقيلة عندئذ يتذكر هذا الدعاء أ ي يستعين بالله والله تعالى يعينه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استصعب شيئا قال :اللهم لاسهل الا ماجعلته سهلا وانت تجعل الحزن ان شئت سهلا )
الاشكال الثاني قد يدخل رمضان قلا تجد معك مصروفاتك المعتادة وانت تريد أن تصل أهلك وتوسع على عيالك فتحمل هما لذلك
فالوصية هنا لاتحمل هما فتقلب الأحوال على العبد المؤمن أفضل من دوامها لذلك لما خير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحول له بطحاء مكة ذهبا اختار ان يجوع يوما فيصبر ويشبع يوما فيشكر .
نحن لاندعو الى تمني الفقر وانما الى تحمل تغير الأحوال
تغير الأحوال على المؤمن تجعله يتعامل مع صفات الله تعالى فهو سبحانه القابض الباسط يقبض ويبسط وليس يبسط فقط ويعطي ويمنع ويرفع ويخفض وله على عبده عبودية في كل حال عبودية في عطائه وهي الشكر وعبودية في منعه فلاتحزن وتوجه الى الله بالدعاء والتضرع أن يرزقك وسيرزقك فان لم يرزقك اذا هو أراد لك نوعا آخر من العبودية التي تقربك اليه كنت تصل وتهادي لماذا؟
وهنا يصبح المنع منحة لأنه سيفتح لك الموضوع ويريك نيتك: لماذا انت حزين لعدم وجود ماتهادي به؟
لأن نوعا من الفخر قد امتنع عنك ؟ لأن نوعا من الشعور باستعلاء العطاء قد انقطع عنك؟
لأنك تحب ان تعامل اقاربك من فوق ويدك عليهم ؟ أم أنها عبادة لله؟ خلاص الرب الذي تتعبد له بهذه العبادة لا يريدها منك هذه المرة لأن هذا رزق يسوقه الله على يديك وهو لايريد ذلك منك هذه المرة ويريد منك عبادة غيرها قد تكون دعاءك وسيستجيب . وقد تفتح لك ابوابا من العبودية التي لم تتعبد بها بعد فلاتحزن لأن رمضان جاء للقلوب والأرواح والعبادة والتقرب الى الله
رمضان بشرى رمضان فرج رمضان فرحة روح رمضان سعادة قلب فهنيئا لنا رمضان
دعاء
ساحة النقاش