أسندت زنديها إلى طاوِلَةٍ ما بيننا وتراجعَت شيئًا ، كأنما تستَجمِعُ آلات فتنتها ، ونَفَضَت رأسها ، فانتثرَ عن يَمينه وشماله نثارٌ من تَمَوُّجات تزري بالعِطر ، وبدا جبينُها الأغَرُّ أنصَعَ مِن تَبَلُّج الشَّمس بعدَ انحجابها في يومٍ كئيب ، فقُلتُ - وكنتُ أعلمُ انشغالها بغيري - "أتتَزَوجينَني؟" .فَزَوَتْ ما بينَ عَينَيها وقَطَّبَت ، فبَدَت في تَقطيبها أنضَرَ و أبهى ، فعاجَلتُها مُداعِبًا :" أوَ تَظُنِّينني أُفطِرُ على بَصَلَةٍ بعد صيامي ذاك الطويل ؟ " . قالت وهي تَمُطُّ في حروفها مَطًّا : " يا سلااااااااام ! " . قُلتُ - وكانَ الوقتُ ربيعًا - " أتسهَرين ؟ " قالَت مُحاوِلَةً أن تربِطَ بين تلكَ الطَّفرَة وبين ما خُضتُ فيه : " ماذا ؟! " . قُلتُ :" سوفَ أنفُذُ إليك وأهبِطُ مع صبيب القَمَر من نافِذَتِك بعد مُنتَصَفِ اللَّيل ، فأحولُ بينكِ وبينَ النَّوم " وتَرَكتُها وتلك الأبيات تُزَمزِمُ ما بينَ جوانحي ذات يومٍ من إبريل عام 1987 :
سأرتـــــادُ وَكنَــــــكِ يــــــا آسِرَه
وأنـــتِ عــلـــى غِـــرَّةٍ سَــــادِرَه
وأُزري بِــأسبــابِـــكِ الموصَـــداتِ
خَيَـــــالًا سِوَى سُتـــرَةٍ ساتِـــرَه
إذا فضَّ منــــــكِ انسِدالُ الدُّجَى
مَفاتِـــــنَ جُنَّـــــتْ عَـن السَّامِرَه
وألثُـــــمُ خَدَّيـكِ عِنــــدَ افتِرارِ الــ
لَمَى عَن مـَـبـَـاسِمِكِ البــــاهِرَه
وأشْتَفُّ مِن ناهِدَيكِ انفِغامَ الشـ
ــشَذا نَــــــدَّ عَــن زَفرَةٍ فائِـــــرَه
وتُورِدُنـــــي خَطَراتُ النسيـــــــمِ
مَــوارِدَ لِلـغَيــْــــــرَةِ النَّـــــــاغِـرَه
يُــداعِبُ جَفنَيــــكِ بَــــدرٌ سكوبٌ
وتَعتَـــــــــادُكِ النَّـــسمَةُ العابِـرَه
شَبوبٌ لَهَـــــــا في خَلايـــا دَمي
تَتــــابُعُ أنــْــفــاسِـكِ المائـــِـــره
لَهَــــــــا بَـينَ قَلبي أُوامٌ نَســوفٌ
وعِنْــــدَ اضْطِرامِ الحَنــايــــــا تِـرَه
تَعَالَي فماضي عُهــــــودي رُفاتٌ
وبِيـــــــــدٌ وآلٌ علَــى واغِـــــــرَه
تَعالِي نَلُـــذ في هَجيـــرِ المُلِمَّــا
تِ بالـــدَّوْحِ والـــــرَّوضَةِ العـاطِـرَه
يُدَغدِغُهـــا الطَّيـرُ عِنــدَ ارفِضاضِ
الضِّيـــــــاءِ وتَحضنُهـــــــا النَّاشِره
تَـــدانَي نَحُـل مَوجَـةً مِن شُعـاعٍ
يُرَقرِقُهَـــا الوَجـــدُ في السَّاهِــرَه
لَيَـــــالـيــكِ خَمرٌ وشَدوٌ وشَــوقٌ
وشَبَّـــــــابَةٌ بـــالأســـا زامِــــــرَه
وإطلالَـــــةٌ مِنْ ظِلالِ الغُيـــــــوبِ
على وَقـــدَةِ القَلـــبِ في النَّاقِرَه
(مُحمد رشاد محمود)