قِـصَّـةٌ حُـبٍّ وَاهِـنٍ ... كُـلُّ الصَّـيْـدِ فِـي جَـوْفِ الـفِـرَا ـ 1 ـ
وَمَا بَيْنَ لَيْـلَةِ الذئابِ وَلَيْلَةِ اقْـتِحَامِ المَجْهُولِ وَامْتِطَاءِ خَيْلِ الفُـضُولِ كَانَت
قِصَّةٌ لاَ يَقُومُ بِاحْتِوَائِهَا سِفْرٌ ضَخْمُ الصَّحَائِفِ عَظِيمَةٌ أَحْجَامُ طُرُوسِهِ وَلَوْ كُتِبَ بِالخَّطِّ
الدَّقِيقِ وَاخْتُصِرَت مَضامِينُ أَيَّامِهِ وَأَحْدَاثُ لَيَالِيهِ؛وَهِىَ قِصَّةٌ لَوْ فُرِّقَت بَدَائِعُ مَشَاهِـدِهَا
وَقُسِّمَت أَعْـدَادُ خُطُـوبِهَا لأَسْعَـدَت نِصْـفَ أَبْنَاءِ مَنْ عَلَى هَذِهِ البَسِيطَةِ إِذ بَاتَ المَشْهَدُ
الوَاحِدُ يَكْفِي الفَـذَّ لِنَسْجِ رِوَايَةٍ مُتَشَعِّبَةِ الأَطْرَافِ مُمْتَدَّةِ الجَوَانِبِ؛وَلأَحْزَنَت النِّصْفَ
الآخَرَ؛إِذ لَوْ سَقَطَت القَارِعَةُ الوَاحِدَةُ عَلَى رَأْسِ الصَّبُورِ المُتَجَلَّدِ لَغَدَت ذِكْرَاهَا تَفِي
لِنَسْجِ عَمَلٍ مَأْسَاوِيٍّ يَقُومُ بِمُحَاذاةِ (( آلاَم فَارْتَر )) لِجُوتَه شَاعِر الأَلْمَانِ
وَ (( البُؤسَاءِ )) لِشَاعِرِ الأُمَّةِ الفَرَنْسَاوِيَّةِ فِيكْتُور هُوجُو؛وَلَكِنِّي سَأَخْتَصِرُ آلاَفَ الصَّفَحَاتِ
فِي سُطُورٍ قَلاَئِلٍ؛إِذ كَانَت الغَايَةُ مِنْ وَرَاءِ ذِكْرِنَا لِمَا وَقَعَ بَعْدَ لَيْلَةِ الذئابِ هُوَ الوُقُوفُ
عَلَى ذلِكَ القَدَرِ الَّذِي صَنَعَ وَهَيَّأَ هَذا الَّذِي جَلَسَ فِي لَيْلَةِ الفُضُولِ وَقَـد قَعَدَ الشَّيْطَانُ
فَوْقَ كَتِفِهِ حَتَّى إِذا مَا اقْتَحَمَ عَالَمَهَا كَانَ الغَيْبُ قَـد دَبَّجَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ سَقَطَ فِي حُبَالَةِ
مَاكِرَةٍ جَمِيلَةِ المَظْهَرِ دَمِيمَةِ الجَوْهَرِ مَا تَرَكَتْهُ إِلاَّ وَلِسَانُ الحَالِ يُرَدِّدُ فِي جَنَبَاتِ أَيَّامِهِ
الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا مِنْ بَعْدِ أَن مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِزَوَالِ عَهْدِهَا؛يُرَدِّدُ فِي أَرْجَاءِ رُوحِهِ:(( مَلاَهِي
الحُبِّ أَوْتَارُ بُؤْسٍ آلَت فِي المَسَاءِ إِلَى رُفَاتٍ !؛وَمَا زِلْتَ تَبْدُو غَامِضَاً كَجَهْمِ الضَّبَابِ
بَيْنَ يَقِينِ وَأَوْهَامِ السَّرَابِ ! ))
وَلَـوْلاَ مَـا كَانَ مِـنْ قَـضِيَّةِ شَاكِـر؛وَكَـيْفَ أَنَّ النَّاسَ قَـد أَحَاطَت خُبْرَاً بِأَمْرِ
الغَـدْرَةِ الَّتِي جَعَلَت مِنَ الجَبَلِ الأَشَمِّ رَمَادَاً تَذرُوهُ الرِّيحُ فَلاَ تَرْقُبُ أَثرَهُ؛لَوْلاَ أَنَّهُ شَاكِر؛
لَمَا طَاوَعَتْنِي نَفْسِي أَنْ أَبْدَأَ فِي ذِكْرِ مَلْحَمَةٍ جَدِيدَةٍ كَانَ لَهَا مِنَ الثمَارِ المُـرَّةِ مِثلَ مَا قَد
كَانَ لِصَاحِبِنَا رَحِمَهُ اللهُ؛بَلْ إِنِّي لأُقْسِمُ صَادِقَاً مُتَيَقِّنَاً أَنَّ مَا وَقَعَ وَمَا جَرَى لِشَيْخِنَا
سَنَةَ 1937م ـ يَوْمَ أَنْ كَانَ شَابَّاً لَمْ يَزَل ـ مِنَ المُحَالِ أَنْ يُقَارَنَ بِمَا حَدَثَ مَعَ صَاحِبِ
هَذِهِ الأَسْطُرِ فِي سَنَةِ 2014 م؛فَلاَ تَقُولَنَّ إِنَّ التَّارِيخَ يُعِيدُ نَفْسَهُ؛فَوَاللهِ إِنَّ البَوْنَ لَشَاسِعٌ؛
وَإِنَّ الفَارِقَ لَجِدُّ رَهِيبٍ لاَ يَتَّجِهُ الخَيَالُ إِلَى مُحَاوَلَةِ إِدْرَاكِ ذلِكَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ مَدَاهُ
وَمَدَى صَاحِبِ هَذِهِ القِصَّةِ الَّتِي تَأَخَّرَ زَمَنُهَا إِلَى هَـذا العَهْدِ البَائِسِ الطَّعِينِ المَخْذولِ؛
وَلَوْ جُسِّدَ الفَارِقُ بِالأَمْيَالِ لَرَأَيْتَهُ كَالمَدَى المُتَطَاوِلِ؛هَذا فِي جِهَةٍ وَذاكَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى
قَصِيَّةٍ؛عَلَى أَنَّ الحَسْرَةَ كَانَت عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَت طَرَائِقُ الصَّبْرِ وَالتَضَعْضُعِ؛
وَمَا كُـنْتُ وَاللهِ أَظُـنُّ أَنَّ ذلِـكَ يَقُعُ لِي أَبـَدَاً مَعَ شِدَّةِ حَيْطَتِي وَعَـظِيمِ حَذرِي وَحِكْمَةٍ يَنْطِقُ
بِهَا لِسَانِي وَيَكْتُبُهَا قَلَمِي؛وَرَحِمَ اللهُ شَيْخَ المَعَرَّةِ:
كَـمْ يـُسِّـرَ الأَمْـرُ لَـمْ تـَأْمَـلْ تَـيَسُّـرَهُ
وَكَـم حَـذرْتَ؛فَـمَـا وُقِّـيـتَ مَـحْـذورَا
وَتِلْكَ آيَةٌ جَعَـلَهَا اللهُ فِي لَـوْحِ قَـدَرِي المَسْطُورِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِي لِيَعْلَمَ الإِنْسَانُ
أَنَّهُ مَا رَكَنَ إِلَى عَقْلِهِ إِلاَّ وَحَصَدَ الخَيْبَةَ وَالخَسَارَ؛وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ جَاءَهُ مَا قَـد
كَانَ يَخْشَى مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ عَبْقَرِيَّةَ فِكْرِهِ لاَ تَكْمُنُ إِلاَّ فِي هَذا الأَمْرِ الَّذِي لاَ
يَدُلُّ إِلاَّ عَلَى جهْلِ المَرْءِ وَضَعْفِ تَدْبِيرِهِ !
اللهُ يَعْـلَـمُ نَفْـسِي وَمَـا عَلَـيْهِ أَجَـنَّت
فَحِكْـمَةُ اللهِ لَمَّـا طَلَبْتُهَا مَا تَجَنَّت
فَكَم تَمَنَّت نُفُوسٌ إِدْرَاكَهَا وَاطْمَأَنَّت
وَلَوْ دَرَت أَنَّ هَذا يَضُرُّهَا مَا اسْتَـكَنَّت
لِذاكَ خَابَت فَذابَت وَلَمْ تَنَل مَا تَمَنَّت
وَرَحِمَ اللهُ الشَّيْخَ مُحْي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيّ
وَمَهْمَا كَانَ مِـنْ أَمْـرِ القَـدَرِ فَـإِنَّ اليَقِينَ فِي أَنَّ اللهَ حِينَ يَبْتَلِي عَـبْدَهُ بِنَكْبَةٍ
قَارِعَةٍ أَوْ مُلِمَّةٍ صَادِعَةٍ فَإِنَّمَا يُعِدُّ لَهُ ـ إِنْ صَبَرَ وَنَاضَلَ ـ خَيْرَاً لَـمْ يَكُن بِالبَالِ وَلاَ
طَوَّفَ فِي دَائِرَةِ الأُمْنِيَاتِ العِذابِ؛وَكَذلِكَ قَـد كَانَ؛فَمِنْ قَلْبِ الفِتْنَةِ السَّاحِرَةِ إِلَى نُقْطَةِ
دَائِرَةِ البَلاَءِ الصَّعْبِ المُمِيتِ القَاهِرِ ثـُمَّ إِلَى أَرْضِ الصَّبْرِ الطَّوِيلِ عَلَى مَرَارَتِهِ المَقْرُونِ
بِدَوَامِ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ثـُمَّ كَانَت عَاقِبَةُ الَّذِينَ صَبَرُوا وَجَاهَدُوا أَنْفُسَهُم حَقَّ
جِهَادِهَا وَنَزَفُوا الدَّمَ فِي صُورَةِ دَمْعٍ وَكَتَمُوا بَيْنَ جُدْرَانِ أَرْوَاحِهِم مَا صَدَّعَ خَوَاطِرَهُم
كَمَا يَتَصَدَّعُ البَيْتُ القَوِيُّ تَصَدُّعَاً لاَ تَصْلُحُ مَعَهُ المُدَاوَاةُ مِنْ أَثرِ زَلْزَلَةٍ عَنِيفَةٍ هَادِمَةٍ
حَطَّمَت كُلَّ بُنْيَانٍ لَـم يَقُم أَصْلُهُ عَلَى شُمُوخٍ يَمْتَزِجُ بِصَبْرِ الأَشَدِّاءِ الَّذِينَ يُهْلِكُونَ أَجْسَادَهُم
مِنْ أَجْلِ صِحَّةِ كَرَامَتِهِم؛وَكَذلِكَ جَاءَ فَضْلُ اللهِ عَلَى وَجْهٍ حَيَّرَ الدُّنْيَا وَاسْتَخْرَجَ العَجَبَ
مِنْ نُفُوسِ أَرْبَابِ دَوْلَةِ اليَرَاعَةِ؛حَتَّى صَارَ الأَمْرُ هُوَ أُعْجُوبَةُ الوَقْتِ وَحِكَايَةُ العَهْدِ؛حَتَّى
شَبَّهَ النَّاسُ ظُهُورَهُ وَقِيَامَ أَمْرِهِ وَحِيَازَتَهُ لِلصَّوْلَةِ وَالدَّوْلَةِ بِأَبِي مُسْلِمِ الخُرَاسَانِيِّ فِي ظُهُورِهِ
وَقِيَامِهِ وَتَمَكُّنِهِ؛غَيْرَ أَنَّ الحَوَادِثَ وَغَيْرَ أَنَّ خُطُوبَ الدَّهْرِ مَا لَـمْ تَعْمَل عَمَلَهَا فِي صَقْلِ رُوحِ
الإِنْسَانِ وَعَقْلِهِ فَالرُّوحُ تُصْقَلُ وَصَقْلُهَا شَفَافِيَةُ أَصْلِهَا وَآيَةُ شَفَافِيَةِ الرُّوحِ أَنَّـكَ تُوقِنُ أَنَّ
هَذا قَاتِلٌ وَذاكَ عَاطِلٌ وَأَنَّ هَذا لاَ يَكُونُ وَلَوْ بَذلْتَ دَمَكَ وَذاكَ يَأْتِي بِحَرْفٍ أَوْ هَمْسَةٍ عَلَى
ضَآلَةِ قَدْرِ الأَوَّلِ وَعِظَمِ الأَخِيرِ وَأَنَّـكَ تَرَى الشَّرَّ فِيمَا ظَاهِرُهُ بِضِدِّهِ وَكَذاكَ الأَمْرُ حِينَ قَلْبِهِ
وَعَكْسِهِ؛وَفِي كُلِّ حَالاَتِ الوُجُودِ وَمَعَ كَآفَّةِ أُمُورِ الحَيَاةِ الَّتِي هِىَ حَيَاةٌ بِمَا تُوجِبُهُ مِنْ رُؤْيَةٍ
وَمُشَاهَدَةٍ وَسَمْعٍ وَخَيَالٍ؛فَإِنَّـكَ لاَ تُعْطِي الأَمَانَ لأَحَدٍ كَانَ مَنْ كَانَ وَلَوْ أَبْصَرْتَهُ بِأُمِّ عَيْنَيْكَ
يَمُرُّ عَلَى المَاءِ أَوْ يَطِيرُ فِي الهَوَاءِ؛هَذا مَعَ دَوَامِ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللهِ وَصِدْقِ النُّصْحِ لَهُم
وَمُؤازَرَتِهِم مَا اسْتَطَعْتَ؛وَلاَ تَجِدُ رُوحَاً صَقَلَتْهَا التَّجَارِبُ إِلاَّ وَأَثرُ ذلِكَ عَلَى العَقْلِ جَلِيٌّ
كَبَيَاضِ النَّهَارِ فِي سَاعَةِ قَيْظٍ وَسَوَادِ اللَّيْلِ فِي أَيَّامِ مَطَرِ الشِّتَاءِ المُنْهَمِرِ الدَّائِمِ الهُطُولِ؛
وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذِهِ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ قَـد أَوْرَثنِيهَا مَا قَـد رَأَيْتُ مِمَّا قَـد كَانَ فِي قِصَّةِ عِشْقٍ
كَادَت أَنْ تُذبِلَ غُصْنِي لَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَدَارَكَنِي بِرَحْمَتِهِ؛عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ مَا تَزَالُ
مَشُوبَةً مُعَكَّرَةً بِمَا حَمَلْتُهُ مَعِي بَيْنَ جَنَبَاتِ ذاتِي مِنْ آثارِ عُقْدَةٍ قَـد عُقِدَت عَلَى قَلْبِي
عُقَيْبَ هَذِهِ المِحْنَةِ؛فَأَنَا أُلَوِّثُ هَذِهِ الرَّحْمَةَ حِينَمَا يَهِيجُ الخَاطِرُ فَأَرَى ذلِكَ الشِّهَابَ
الشَّيْطَانِيَّ وَهُوَ يَخْتَرِقُ غُلاَفَةَ فُؤادِي فَيَضَعُ النُّـكْتَةَ السَّوْدَاءَ بِصَمِيمِهِ وَكُلَّمَا أَرَدتُ
دَفْعَاً لِذلِكَ هَجَمَت ذِكْرَى الغَدْرَةِ الكَرِيهَةِ المَاجِنَةِ المُتَفَحِّشَةِ فَأَظْلَمَت نَفْسِي فَأَحْجَمْتُ
عَنْ دَفْعِ ذلِكَ العَارِضِ وَمَا يَكُونُ إِحْجَامِي سِوَى اسْتِجَابَةٍ لِنِدَاءِ بَقِيَّةٍ مِنْ مَرَارِ التَّجْرِبَةِ
لَـم تَزَل تَسْكُنُنِي وَلاَ أَحْسَبُهَا تَزُولُ بِمُرُورِ الأَيَّامِ وَلاَ إِخَالُ أَنَّهَا تَطْلُبُ التِّرْيَاقَ لِعِلَّةِ الإِلْفِ
وَالعَادَةِ؛وَلَرُبَّمَا أَصَخْتُ السَّمْعَ فِي إِبَّانِ ذلِكَ فَرَأَيْتُ الصَّوْتُ يَنْدَفِعُ مِنْ قَعْرِ العَقْلِ الغَشُومِ
المُتَهَجِّمِ المُتَسَلِّطِ وَهُوَ يُخَاطِبُنِي بِقَوْلِهِ:لاَ بـُدَّ مِنْ هَذِهِ النُّـكْتَةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّهَا وِقَاءٌ مِنْ ضَعْفٍ
قَـد يَطْرَأُ عَلَيْكَ وَيَعْتَرِيكَ عَلَى فُجَاءَةٍ؛فَهَذا مِنْ أَسْلِحَةِ الدَّفْعِ وَالصَّدِّ لِهَجَمَاتِ الأَغْيَارِ مِنْ
بَنَاتِ الأُنْثى الأُولَى الَّتِي كَانَت أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لإِغْرَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أَمْرِ الشَّجَرَةِ
المُحَرَّمَةِ
لاَ يُوقِـدُ النَّارَ ذاكَ الحَيُّ فِي أَثرِي
فَلَسْتُ أُوقِـدُ فِي آثارِهِم نَارَا
حِلْفُ السِّفَاهِ يَرَى أَقْمَارَ حِنْدَسِهِ
دَرَاهِمَاً؛وَيَظُنُّ الشَّمْسَ دِينَارَا
وَرَحِـمَ اللهُ شَيْخَ المَعَرَّةِ