البعد الإسلامي للتسويق و التسوق
:إن كل من جانبي التسويق و التسوق يخدم طرف من أطراف التبادل في عملية البيع و الشراء، و هذا النشاط يتفق مسارا و عمقا، بل و يحقق كل من المعنى و المتطلب الفطري للمنفعة. كما يكفل درجة جودة عالية للعيش باستخدام الأدوات المسخرة للإنسان على الأرض، فالحرية مكفولة للفرد المسلم في اختيار نوع العمل مثلما هي مكفولة في اختيار مواد الاستهلاك، ما دام في إطار المباح.
و هذا المباح يتنوع و يتشكل لكي يلبي جميع الأذواق و الاحتياجات سواء المادية أو المعنوية. و يلاحظ أن المحرم سواء من السلع أو من المعاملات يكون لحكمة تعود بالنفع على صحة أداء الإنسان و حفظ وجوده على أرضه، و يمكنها أن توفر له العلاج أيضا إذا تعثرت أحواله. فالقاعدة الشرعية باستمرار تحافظ على كرامة الإنسان و جميع أوضاعه لكي تضمن له الأداء الجيد في عباداته و معاملاته، و في هذا فهي تخطط له و تضع الأسس و الوسائل لتحقيق ذلك الهدف.
و يعتبر النشاط الإنتاجي نشاط رئيسي أول لأي منشأة تقدم من خلاله النفع للمستهلك، سواء كانت المنشأة تصنع سلعة أو تستخرج من الأرض مادة خاماً أو معدناً معيناً، أو إذا كانت المنشأة تقدم خدمة أو تقوم بعمل تجاري بحت. و قد حدد الإسلام بعض السلع والخدمات التي لا يجوز إنتاجها أو التعامل بها تجارياً من قريب أو بعيد، منها المنتجات المسكرة ولحوم بعض الحيوانات وخدمات المقامرة و سائر أنواع المنكرات.
و هناك النشاط الرئيسي الثاني، وهو التسويق، الذي يتضمن معناه العلمي عناصر عدة، أبرزها التسعير والخزن والتوزيع وأبحاث السوق والعمل على تكييف السلع بموجب رغبات الزبائن والإعلان ووسائل الترويج الأخرى. وفي هذا الحقل أيضاً، هناك مبادئ إسلامية مهمة تؤثر أثرها الواسع والقوي في قولبة العناصر العديدة التي تُكوّن بمجملها جوهر النشاط التسويقي.
فالإعلان مثلاً يجب أن لا يتضمن رياءً أو تحريفاً أو مبالغة، مثلما يجب أن لا ينطوي على أساليب محرمة لحمل الجمهور على الشراء من قبيل استخدام المسكرات أو الخلاعة. كما أن التعامل مع الزبائن يجب أن يتسم بالصدق والإنصاف، كما يجب تسعير السلع والخدمات بموجب معايير موضوعية وموحدة دون التمييز بين زبون وآخر.
كما أن اندفاع الجهاز التسويقي في المنشأة لتلبية رغبات الزبائن فيما يتعلق بالمواصفات والنوعية وأوقات السلعة وأماكنها يصب في مجمل العمل الهادف لتطوير المنشأة ولخدمة المجتمع الواسع أيضاً. والمنشأة الإسلامية تحرص من خلال نشاطها التسويقي لبناء علاقات ثقة طويلة الأمد مع زبائنها، حيث تسعى بمنهجها لتقديم قيمة عالية لقاء السعر الذي يدفعه المشتري، الأمر الذي يوطد العلاقة ويخدم قضية التقدم الاقتصادي بشكل عام.
في هذا الحقل، فإن الضرورة تملي نفسها لأن يبقى الجهد التسويقي قوياً وفاعلاً في جميع فروعه، وذلك بسبب الدور المركزي الذي يلعبه التسويق الفعال في نجاح منشآت الأعمال وازدهارها. غير أن الضرورة تبرز أيضاً في حاجة منشأة الأعمال الإسلامية للابتعاد عن كل محرم ضمن سياق أعمالها التسويقية، مع التزام الصدق في التعامل وتوفير منفعة عالية لقاء السعر الذي يدفعه الزبون، واستخدام وسائل ترويج مباحة ومؤثرة في الأوان نفسه.
نجد من الحكم العقلانية التي نهى النبي صلى الله عليه و سلم عنها الحلف لترويج السلعة، حتى و إن كان الحالف صادقا تنزيها لجلال قدر اسم الله تعالى عن هذه الأغراض الدنيا، و وضح أن الحلف و إن ساعد على رواج السلعة بسبب تأثيره المعنوي على الناس في الإقبال على الشراء فإنه يمحق الكسب و يذهب ببركة الربح؛ لأن الله يبغض هذا العمل، و هو ما يعني وجود أبعاد أخرى غير المادة يجب الأخذ بها، كما يوجد اعتبارات لشخصية الفرد و كيانه و ذوقه و فكره، و هي أمور لا يمكن تجاهلها.


ساحة النقاش