صابر..
و أنا في طريقي للعمل في الحصص الصباحية ..أمر عليه ،يتوقف للحظات يحرك رأسه بأناة محييا و كأنه يعرفني ،أرد التحية بغمغمة حتى لا أكسر هدوءه اللا متناهي مع مكنسة بين يديه و كأنها تداعبه و كأنه يلاطفها ..أحسها طيعة بين يديه و كأنها ريشة في يد فنان ..و هو بقامته الطويلة المتزنة المستقيمة في انحناءة تلزمها هذه المكنسة ...في بعض الأحيان ينحني ليلتقط ما يعلق بالأرض و يستعصى على المكنسة سحبه,
و أتابع طريقي ليكمل كل منا حواراته الداخلية مع نفسه ..
في اليوم التالي ..و أنا أمر على الصفوف أراقب إنجاز الواجب، توقفت عند أحد التلاميذ.
_لمَ التهاون ؟هل ليدك شغل غير دراستك ..يمنعك من إنجاز واجباتك ؟؟
-لا ..فقط ظروف عائلية طارئة ، و غدا سأنجز كل التمارين .
.وقعت على رأسه ضربات هي للدعابة أقرب منها للتوبيخ ..
توقفت عند آخر ..فتح الدفتر و قال : كل الدروس مكتوبة ..تماريني منجزة و عندي شغل غير الدراسة ..ربت على كتفه استحسانا ..و قلت : أراك بعد الحصة ..
بقي مكانه حتى بعد أن غادر آخر تلميذ الفصل ..
_ صابر ..تفضل .
فجاء إلي بخطوات متزنة و رأسه إلى أسفل ..
_ ارفع رأسك يا بني فأنت مثال للتلميذ المهذب الملتزم ..انتباه أثناء الحصص، اهتمام بدروسك، و سلوك تشكر عليه ..رغم بعض الغيابات ..لكن لا أراها تؤثر على سيرك الدراسي ...قل لي ..ماذا قصدت بالشغل ؟
_أنا أكبر إخوتي الأربعة ،أبي متوفى ..أمي تشكو من الفشل الكلوي ..معاش أبي لا يكاد يغطي تكاليف العلاج .
..فكان علي أن أساعد ..بل أجدني ملزما بذلك ..
توقف قليلا ثم تابع ..
سمحت لي الإدارة بالتغيب ساعات العمل ..و وعدت أن أستدرك كل ما يفوتني ..
_ و أين تعمل ؟؟و أي عمل ؟؟
_ أنا عامل النظافة في منطقة (...)
.......
. بقلمي : خديجة قرشي