موقع الخبيرالدكتور / حمادة صلاح صالح صاحب بيت الخبرة الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييمالمعتمد للتقييم بالبنك المركزي

موقع متميز لفرادة التخصص فى التقييم وكافة الخدمات اﻻستشارية للبنوك والشركات والبيع بالمزاد العلنى

ENعربي اللغة: عدد الزوار:

البحث العلمي ليس ترفًا حضاريًا



بزغت خلال العقود الأخيرة أقطاب عالمية جديدة أعادت تعريف خارطة الاقتصاد العالمي من خلال معدلات النمو العالية التي حققتها و من أبرزها الاقتصادات الناشئة في الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا والمكسيك. ومنذ وقت باكر، استشعرت هذه الدول أهمية الاتجاه نحو الاستثمار في مجالات البحث العلمي والتطوير والابتكار كأداة استراتيجية من شأنها المساهمة في تحقيق استدامة النمو الاقتصادي والمحافظة على تنافسيتها أمام مراكز القوى العالمية الأخرى. ومع ثورة التكنولوجيا والمعلومات و وسائل الاتصال الحديثة التي ميزت العقود الأخيرة من تاريخ البشرية والتي أحدثت تحولات جذرية في أساليب معيشة الناس وأدائهم لأعمالهم، أصبح الاستثمار في المعرفة والبحث العلمي والتطوير حاجة ملحة، وليس ترفًا، لأولئك الذين يودون الالتحاق بركب التقدم الحضاري.

وفي حين نجد أن الاهتمام بالبحث العلمي والتطوير يتزايد في هذه الدول، فإنه في العالم العربي، و بالرغم من بعض المحاولات الطموحة هنا وهناك، ما يزال يعيش حالة من التخبط والعشوائية والافتقار لرؤية واضحة المعالم والأهداف تسهم بالإرتقاء به كمًا ونوعًا لمصاف الدول المتقدمة أو حتى بعض الدول النامية التي تبنت سياسة الاستثمار في مجالات البحث العلمي والتطوير كإحدى أولوياتها الاستراتيجية في الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة.

إن البحث العلمي في العالم العربي ما يزال ضحية لسوء أو غياب التخطيط و ضآلة الإمكانيات و الموارد. وهي جميعها أسباب ناجمة عن قصور في الوعي وأحيانًا جهل تام بأهمية الدور الذي يؤديه البحث العلمي في النهوض بالأمم. إن مستوى التقدم الثقافي والحضاري لأي أمة لا يمكن قياسه إلا من خلال حجم الاهتمام – وكذلك الاحترام- الذي توليه هذه الأمة بالبحث العلمي والمؤسسات والأفراد العاملين فيها. و في حين نجد المجتمعات المتقدمة لا تكتفي فقط بالإنفاق السخي على مؤسسات وبرامج البحث العلمي، ولكنها تعمل أيضًا على تقديم مختلف أشكال الدعم المعنوي الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حد تنظيم المسيرات المطالبة بزيادة مخصصات التعليم العالي والبحث العلمي. وليس أصدق دليلاً على ذلك من تلك الأصوات الشعبية المحتجة التي سارعت إلى معارضة مقترح بعض السياسيين "الجهلة" في أمريكا و بعض الدول الأوروبية بخفض المخصصات الحكومية الموجهة للبحث العلمي ضمن برامجها التقشفية التي تستهدف خفض الدين العام، وكأن لسان حالهم يقول: نفضل الموت جوعًا على الموت جهلاً !

أرقام وحقائق

إن الأرقام والحقائق التي يطالعنا بها تقرير اليونسكو للعلوم لعام 2010 ، وهو تقرير تصدره المنظمة كل خمس سنوات لرصد التطورات والاتجاهات العالمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، تكشف حجم الفجوة "العلمية" الشاسعة التي تفصل عالمنا العربي عن بقية العالم في مجالات البحث العلمي. فبحسب التقرير، ما يزال مستوى الإنفاق على البحث والتطوير في الدول العربية يراوح عند مستويات متدنية جدًا منذ أربعة عقود. حيث بلغ متوسط إنفاق هذه % الدول على مجالات البحث والتطوير في عام 2007 قرابة 0.2 فقط من إجمالي ناتجها المحلي. وتأتي هذه النسبة دون المتوسط العالمي البالغ حوالي %1.7 ، و هي منخفضة أيضًا عن نسب الإنفاق المسجلة في دول مثل فنلاند ( %3.8 ) واليابان ( %3.4 ) وكوريا .(% 3.2 ) والصين ( 1.4 %) وحتى إيران ( %0.7 )

أما فيما يتعلق باتجاهات رأس المال البشري وأعداد الباحثين في العالم العربي فالصورة لا تقل قتامة عن سابقتها. ففي حين يتركز أكثر من ثلاثة أرباع الباحثين في العالم في كل من الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان و روسيا )وهذه الدول بالمناسبة لا تشكل سوى 35 % من إجمالي عدد سكان العالم(، فإن حصة الدول العربية من إجمالي عدد الباحثين في العالم لم تتجاوز نسبة 1.7 %. وبحسب تقرير اليونسكو، فإن عدد الباحثين في الدول العربية في عام 2007 لم يتجاوز 373 باحث لكل مليون نسمة. بينما تبلغ هذه النسبة 3656 لدى البلدان المتقدمة مقابل 5573 في اليابان و 1070 في الصين و 706 في إيران. وتأتي الأردن على رأس قائمة الدول العربية من حيث عدد الباحثين بنسبة تصل إلى 1952 لكل مليون نسمة، تتبعها . تونس ( 1588 ) والمغرب ( 647 ) ومصر ( 617)

أما بالنسبة لمخرجات البحث والتطوير في عالمنا العربي فهي متواضعة جدًا على المستويين الكمي والنوعي معًا. فنتاج الدول العربية من الكتب والمقالات العلمية يكاد يكون شحيحًا إذا ما قورن ببقية دول العالم.و بحسب تقرير المعرفة العربي الذي تصدره مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن 20 دولة عربية تقوم بإنتاج حوالي 6000 كتاب سنويًا مقابل 102000 في أمريكا الشمالية وحدها. وبحسب تقرير اليونسكو أيضًا، فإن إجمالي المنشورات العلمية في الدول العربية مجتمعة بلغت حوالي 13574 في العام 2008 ، و هو رقم أقل بكثير عما تنشره دولة مثل البرازيل ) 26482 ( أو كوريا ) 32781 (. في حين يقارب عدد ما تنشره الدول العربية "مجتمعة" عدد المنشورات في "إسرائيل" و إيران كل على حده ) 10069 في الأولى و 10894 في الثانية(.

أما فيما يتعلق ببراءات الاختراع المسجلة في الدول العربية والتي تعكس مستوى توليد المعارف في القطاع الخاص، فقد شكلت واحدة من أقل المعدلات على المستوى العالمي. ففي حين احتلت أمريكا الصدارة في هذا المجال خصوصًا في قطاع الصناعات التكنولوجية بمجموع 81811 براءة اختراع مسجلة في عام 2007 ، متبوعة باليابان ( 33572 ) و ألمانيا ( 9713 ) و من ثم الصين ( 7362 ) و كوريا ( 6424 ). أما إجمالي عدد براءات الاختراع التي تم تسجيلها في جميع البلدان العربية فهي لم تتجاوز 84 براءة اختراع !!

يتبين لنا مما سبق أن الفجوة التي تفصل العالم العربي عن بقية الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء هي فجوة شاسعة بكل المقاييس. و بلغة هذا العصر الموسوم بالسرعة، فإن هذه الفجوة التي قد تقاس حاليًا ببعض السنوات الأرضية - إن لم يبدأ العمل بجدية على جسرها أو حتى تقليصها في أسرع وقت ممكن - قد تستحيل إلى سنوات ضوئية يصعب على عالمنا العربي تداركها فيما بعد.

جانب الطلاب العرب وغير العرب. هناك أيضًا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي جرى تأسيسها في عام 2009 والمتخصصة في الأبحاث والدراسات العليا والتي تهدف لتقديم مساهمات ملموسة في مجالات التقدم العلمي والتقني على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

إن مثل هذه المبادرات التي تخدم مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي في المنطقة تشكل خطوات مهمة في الطريق نحو الاستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها بعض الدول العربية و توجيهها في الاتجاه الصحيح الذي يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذي تطمح له دول وشعوب المنطقة.

حلول مقترحة

هناك حلول واقتراحات عدة قد تساعد ولو جزئيًا في مواصلة الارتقاء بمستويات البحث العلمي في عالمنا العربي ، وجميعها ممكنة التحقيق إن تكاتفت الجهود وصدقت النوايا. أكثرها أهمية و أعمقها أثرًا هو العمل على ترسيخ ثقافة البحث العلمي لدى أفراد المجتمع وخصوصًا فئة الناشئة. ذلك أن حب العلم وتقدير دور العلماء هو ثقافة مجتمعية بالدرجة الأولى. و أية استراتيجية علمية تغفل عن جوانب التثقيف والتوعية المجتمعية ستحكم على نفسها بالفشل مهما بلغ بها الطموح. ينبغي العمل كذلك على تطوير المناهج التعليمية بحيث تشجع الطالب على المحاولة والتجريب وتعلمه نقد الظواهر المحيطة والتفكير خارج الصندوق، لا أن يتم تثبيط موهبته وتقييد خياله بأساليب التعليم التقليدية التي لم تنتج سوى تفكيرًا نمطيًا غالبًا ما حارب أولئك الذين يشذّون عنه!

والجانب الآخر الذي لايقل أهمية عن سابقه هو العمل على تطوير سياسة وطنية شاملة تُعنى بالعلوم والتكنولوجيا وتشجع على الابتكار يتم رسمها بالتشاور بين الحكومات والأكاديميين وممثلي القطاع الخاص. و من المهم أن يجري تنسيق هذه السياسات بين الحكومات العربية خصوصًا في المواضيع والقضايا ذات الأهمية المشتركة، مثل قضايا المياه والطاقة والصحة والزراعة والبيئة. إن اعتماد مثل هذا السياسات على المستوى الوطني سيكون من شأنه المساعدة في إيجاد حلول عملية وفعالة لمشاكل مزمنة مثل بطالة الشباب العربي وهجرة العقول وإهدار الموارد والاعتماد الكلي على العلوم والتكنوولوجيا المستوردة من الخارج.

من جانب آخر، فإنه يتعين على القطاع الخاص في العالم العربي أن يضطلع بدور أكبر و أكثر تأثيرًا في دعم البحث العلمي والمؤسسات البحثية وألا يترك الحمل ثقيلاً على القطاع الحكومي الذي يعتبر الممول الأكبر لمعظم مشاريع البحث العلمي في العالم العربي، على عكس ما هو سائد في المجتمعات المتقدمة. كما يجب العمل على توعية القطاع الخاص حول فوائد البحث العلمي و مردوده الاستثماري العالي. وهناك أمثلة كثيرة على مؤسسات عالمية ساعدها استثمارها السخي في مجالات البحث والتطوير في ابتكار منتجات فريدة من نوعها حققت لها نفاذًا في الأسواق العالمية وأداء ماليًا متميزًا، مثل شركات مايكروسوفت و آبل.

أخيرًا، فإن الاهتمام بالبحث العلمي أصبح ضرورة ملحة لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمع وهو ليس من قبيل الترف الحضاري بأي حال من الأحوال. فالسعي وراء فهم الظواهر المحيطة وإيجاد الحلول الناجعة للقضايا والتحديات المتزايدة التي تمس مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لن يتأتى من دون تسخير الجهود والموارد الكافية للنهوض بمستوى البحث العلمي خصوصًا عبر زيادة الاستثمارات المخصصة له و نشر الوعي بأهمية الدور الذي تقوم به الجامعات والمؤسسات البحثية في استدامة التنمية. هذا الدرس الذي وعته أمم من قبلنا، فهل يعيه العالم العربي قبل فوات الأوان؟

خطوات في الاتجاه الصحيح

وقد استشعرت بعض الدول العربية ولو متأخرًا خطورة التخلف عن ركب التقدم العلمي والمعرفي، فشرعت بوضع سياسات وخطط استراتيجية للنهوض بمستويات العلوم والتكنولوجيا والابتكار لديها مثل السياسة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار التي أقرّت سنة 1995 في الأردن، والخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار التي جرى إقرارها في المملكة العربية السعودية عام 2003 وبدأ العمل على تنفيذها عام 2008 ، فيما لاتزال معظم الدول العربية تفتقر لمثل هذه السياسات الوطنية.

كذلك تم إنشاء حدائق للعلوم ”Science Park“ في كل من الإمارات والبحرين والمغرب وقطر والسعودية وتونس تهدف للدفع باتجاه تطوير الشراكة بين القطاع العام والخاص في مختلف جوانب البحث والتطوير والابتكار. وفي السنوات الأخيرة أيضًا، جرى تنفيذ عدد من المبادرات والمشاريع التي تهدف للنهوض بمستوى البحث العلمي في الوطن العربي، منها على سبيل المثال، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم التي جرى إنشاؤها عام 2007 للمساعدة في بناء مجتمع قائم على المعرفة في المنطقة العربية. كما تم تدشين معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في أبوظبي عام 2006 ليوفر منصة علمية لطرح ومعالجة قضايا ملحة تمس أمن الطاقة والمياه والتغير المناخي والتنمية المستدامة.

يوجد أيضًا مشروع المدينة التعليمية في قطر والتي جرى إنشاؤها عام 2001 لتحتضن عددًا من الجامعات العالمية المرموقة مثل جامعات كارنيجي ميلون وجورج تاون وفرجينيا كومونولث وغيرها من الجامعات العريقة التي بدأ الطلاب القطريين بالالتحاق بها إلى جانب الطلاب العرب وغير العرب. هناك أيضًا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي جرى تأسيسها في عام 2009 والمتخصصة في الأبحاث والدراسات العليا والتي تهدف لتقديم مساهمات ملموسة في مجالات التقدم العلمي والتقني على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

إن مثل هذه المبادرات التي تخدم مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي في المنطقة تشكل خطوات مهمة في الطريق نحو الاستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها بعض الدول العربية و توجيهها في الاتجاه الصحيح الذي يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذي تطمح له دول وشعوب المنطقة.

< المادة السابقة المادة التالي > العودة إلى الأعلى تحميل من أجل الطباعة

الرعاة / الداعمين

انضم إلينا
كسفير للبيئة
التواصل الاجتماعي
مواضيع ذات صلة
للاتصال بنا
مبنى الحضيبة للجوائز – مبنى ج
صندوق البريد: 67 دبي - الامارات العربية المتحدة
هاتف: 3889999 4 971+
فاكس: : 3370989 4 971+
البريد الالكتروني: [email protected] حقوق الملكية محفوظة © 2014 - مركز البيئة للمدن العربية تصميم الموقع من قبل WeWantTraffic
consulthamadass

الامناء الاستشاريون للخبرة والتقييم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 239 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2014 بواسطة consulthamadass

ساحة النقاش

الخبيرالدكتورحمادة صلاح صالح www.iraegypt.com

consulthamadass
خبير التقييم المعنمد للتقييم لدي البنك المركزى المصرى خبير الملكية الفكرية بوزارة العدل للمحاكم الاقتصادية المتخصصة خبير تقييم الأثر البيئى للمشروعات وتقييم دراسات الجدوى خبيرتقييم معتمد لدى وزارة اﻻستثمار رئيس الهيئة الادارية والاقتصادية بالمجلس العربي الافريقي للتكامل والتنمية ونائب الرئيس للشئون الاقتصادية بالمجلس خبير تقييم دراسات الجدوى خبير وعضو المجلس »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

674,837