عسير على المرء أن يجد نفسه محاصرا بين وحشة المكان وغربة الذات وتعطّل الفكر لهول ماهو فيه،يبحث عن قيمة حقيقية يتشبّث بها ،معانيها لاتبرح معاني وجوده وقيمته المتمحور أساسا حول دوره ومدى فعاليته ضمن المجتمع الذي هو جزء لايتجزّء منه،وهذا ما أرى عليه أمتنا اليوم تبحث عن دور لها تتشبّث به وسط عديد الأدوار وعديد الممثلين في الساحة العالمية بإختلاف مذاهبهم وأطيافهم ومللهم،تودّ بذلك الإتباع بغية الإتباع فقط،او الإقتداء بمن أصبحنا نراهم على هدى ورشاد وأنهم حققوا من مبادئ إستمرارية الحياة جميعها،وبلغوا من الغايات والأهداف ماجعلهم أعظم شأنا وأعلى مكانة.
مالفوضى التي تعيشها مجتمعاتنا في الوقت الراهن،والتي تشهدها كل البلاد العربية منذ سنوات عديدة إلا نتيجة لجملة من الأسباب والمعطيات السياسية والإقتصادية والثقافية،تجمّعت فيما بينها في خضمّ بحثنا عن ذواتنا وموقعنا في الكرة الأرضية من حيث أننا موجودون،ومن حيث اننا مؤثرون،فالوجود لوحده غير كاف لإثبات الذات أمام قوى وتيارات عنيفة تضرب بكل قوة غير آبهة للصواب أو الخطأ،فالمهم في المسألة هو أنها موجودة ومؤثّرة،وهذا هو التعليل الصّواب الذي أثمر مفهوم الرّشد بالنسبة للغرب،أما أن أكون موجودا كمادة أو حيّز أملأ الفراغ غير مؤثر لا إقتصاديا ولا سياسيا ولا ثقافيا،وإن أثّرت فلا يعدّ تأثيرا مادمت لا أحقق التغيير اللاّزم للمشكل الراّهن فهذا هو التعليل الصّواب لمعنى التيه العربي،أين بتنا نَسْبَح في كلّ وجهة نرى بصيص النور يشعّ منها،وناحية كلّ مالا يفضي إلى تحقيق فرضيّة وجودنا وتأثيرنا،والواقع يثبت ذلك،ألم نراهن على ثروة البترول وأنها صمّام الأمان ؟ هاقد آلت مدفعا موجّها ضدّنا ،في الوقت الذي لم نحقق فيه نموّا لا في الإقتصاد ولا في السياحة ولا في البحث العلمي ألا يعدّ هذا تيها؟ألا يعدّ إفلاسا وواقعا مرّا غامضا؟.
المحاولات المتكرّرة منّا والهادفة إلى إخراج أنفسنا من مأزق حضاري وواقع أردناه مشيّدا، زاهٍ ومزدهرا ،هي محاولات ستظلّ تراوح مكانها إن لم تثبت جدارتها على أرض الواقع إن أردنا فرض وجودنا من حيث التأثير لا من حيث الوجود فقط .
ساحة النقاش