يستهل الباحث الموسيقي محمود عجان، موضوع نقاشه ودراسته في كتابه «الموسيقى العربية.. دراسة»، والصادر عن وزارة الثقافة-الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق-2009، في التعرض لتاريخ وطبيعة تطور الموسيقى العربية، وفي شرح وتعريف طريقة نظم «الدور» وكلماته على أنها نوع من الزجل، وأن الدور عموما هو كالموشَّحة من حيث الوزن الشعري، حيث كان يُطلق في الأصل على جزء من الموشَّح.

ويتابع عجان في هذا الصدد لافتا إلى انه قد يكون أحياناً بنظم متحرِّر من فصاحة اللغة والأوزان العروضية المعروفة، أي تغلب عليه لغة العوام، كما ينظم غالباً في معانٍ تتطرق إلى الغزل والتشبيب، ويسمى الجزء الأول منه (المذهب)، والثاني هو (الغصن).

ويدعى هذان الجزآن معا (أدواراً) ومفردها دور، وهي منظومة بالتوالي، وتتألَّف من غصن أو غصنين أو أكثر من ذلك. كما أنه في الوقت الحاضر تدل كلمة دور على كامل المنظومة الشعرية التي تضم المذهب والغصن.

ويبين المؤلف انه في خصوص الجانب الغنائي ضمن هذا المجال، نشأ الدور من حيث اللحن بصورة بسيطة جداً، وكان لحنه يشبه الأغاني الشعبية من حيث السهولة، إذ لا يستغرق أداؤه عادة أكثر من ثلاث دقائق أو أربع، ولا يتخلَّل الغناء فيه أي فواصل موسيقية آلية، وشابهت صيغته الغنائية «الطقطوقة» أو الأهزوجة، تمام الشبه، لأنَّ هذه تتكوَّن من أقسام أو أجزاء.

ويطلق على القسم الأول اسم (اللازمة) أو المذهب، والأقسام التالية هي الأدوار أو الأغصان، ومن الذين اشتهروا في تلحين الأدوار: محمد المقدم، الشيخ خليل محرم، كامل المصري، حسين الساعاتي، محمد سالم، محمد الشنتوري، عبد الرحيم المسلوب، محمد عثمان.

ويتابع الباحث شرحه وتفصيله الوافي في هذا الشأن، منتقلا إلى الدور وما قام به في مرحلة ثانية، إذ انضم عدد قليل من المنشدين إلى جانب المغني الرئيسي، وأصبح المنشدون أو المردِّدون، يغنون القسم الأول (المذهب) مع المغني الرئيسي، وهذا يغني بمفرده القسم الثاني(الغصن)، وفي كل مرة تردد الجماعة (المذهب) بعد الفراغ من كل قسم من أقسام هذا الزجل. ويلفت عجان إلى أن الملحن المشهور محمد عثمان 1855- 1900 وضع في أواخر حياته، صيغة جديدة ناضجة للدور.

ويتطرق عجان، بعدها إلى بحث ودراسة (التقاسيم)، والتي تعد ألحانا حرَّة مرتجلة، تعزف على أي آلة موسيقية منفردة، ومن أي مقام مختار وعلى آلات موسيقية، يعطي تكوينها في الأساس أصواتاً مستساغة تساعد في إظهار الجمال اللحني وتأثيره، ومن هذه الآلات: الناي، العود، القانون، الكمان، البزق. ويمكن إجراء التقاسيم أيضاً على بعض الآلات الموسيقية الغربية مثل: البيانو، الفيو لون سيل، الكلارينيت، الفلوت، الأرغن.

ولكن تبقى الآلات العربية هي الأفضل. وكذلك فإن التقسيمة الواحدة عموماً، هي لحن لجملة موسيقية على نحو ما من نواحي التفكير وترجمة الإحساس، يُراعى فيها شخصية المقام الموسيقي المختار وأبعاده، وأن تكون لها بداية واضحة ومجال ونهاية ملحوظة، وهذه التقاسيم على نوعين، الأوَّل منها هو الأكثر انتشاراً، يؤدَّى دون إيقاع أو ميزان، ويطلقون عليه إسم (التقاسيم السائبة).

والنوع الثاني هو(التقاسيم الموزونة) أي التي تتقيد بالإيقاع الموسيقي، وقد توزن على إيقاعات صغيرة كوزن الوحدة السائرة بنوعيها الصغير والكبير، أي من ما تكون أرقام الدليل الإيقاعي فيها (2/4) (4/4) أو (8/8)، والأخيران يُقال لهما في الاصطلاح الموسيقي إيقاع(البمب) ضمن عزف التقاسيم الموزونة، ويرجح أنَّ أساس هذه الطريقة مأخوذ قديماً عن مدينة حلب في سوريا.

ويرى الباحث عجان أنَّ للتقاسيم عمقاً تاريخياً، فقد كانت معروفة في العهود القديمة، فسميت (النوبة)، وهي عبارة عن مجموعة ألحان ووحدات من الغناء، والموسيقى الآلية، تؤدى من قبل أعضاء الجوقة إفرادياً وجماعياً، وقد حملت اسم (النوبة) بسبب التناوب الغنائي والعزف الموسيقي الذي يجري بين أفراد الجوقة في أوقات مختلفة، وفق تنظيم محدد ومعروف.

ومن مقام معيَّن أيضاً، مع تنوع في الإيقاعات الموسيقية، وكذلك الأمر أيضا في قوافي الأشعار، والنوبة أصلها أندلسي، وجاء هذا في رواية الدكتور محمود أحمد حنفي 1896-1973، أما حسب ذكر بعض المؤرخين فإن (النوبة) من أصل عربي مشرقي قديم.

ويجوز القول إنَّ كلمة(تقاسيم) بمدلولها الحالي قد عرفت وانتشرت في العهود الأخيرة من عصر المماليك وعصر بداية الغناء، بلفظتي (يا ليل يا عين).

ولا يغفل المؤلف الإضاءة على مختلف الأنواع والصيغ في هذا الصدد، فنجده يتطرق إلى (البشرف)، الذي هو صيغة أو نوع من التأليف الموسيقي غير الغنائي، يُعزف دون أن يصاحبه الغناء، وهو مستعمل عند شعوب بعض الأقطار العربية وعند الأتراك والفرس، ويُلحن من مقام وإيقاع معين، ويمكن عزفه على آلة موسيقية واحدة، أو على عدة آلات موسيقية عربية متنوعة، أو معربة-أي من فرقة موسيقية كاملة، والتي تدعى أحياناً (التخت).

الكتاب: تراثنا الموسيقي

تأليف : محمود عجان

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق 2009

الصفحات: 337 صفحة

القطع: الكبير

المصدر: جريدة البيان/ أنور محمد
  • Currently 136/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 1289 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

71,990