كاتب وأديب وخطيب الثورة العرابية الذي ألهب حماسة الجماهير بكلماته، برز عبدالله نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث في صيف 1881 حتى هزيمة العرابيين في سبتمبر 1882.
وُلد عبدالله النديم في الإسكندرية في 10 ديسمبر 1845 في أسرة متوسطة الحال، وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بـمسجد إبراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية، لكن الفتى اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها فبرع في الكتابة والشعر والزجل وتميز في المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة.
لم يحترف عبدالله النديم الأدب في بداية حياته العملية، لكنه اتجه إلى تعلم صنعة يتعيش بها فدرس فن التلغراف وكان قد دخل مصر حديثاً، واشتغل في مكتب بنها للتلغراف ثم انتقل إلى مكتب القصر العالي حيث تسكن أم الخديوي إسماعيل. وكان انتقاله إلى القاهرة بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة في ذلك العصر فأخذت شهرته تذيع بينهم إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة.
رحل عبدالله نديم إلى الدقهلية وأقام بالمنصورة، حيث افتتح متجراً هناك وخلال إقامته التي لم تستمر طويلاً كان مجلسه مقصداً لرجال الأدب وطلاب العلم وبعد تجواله في عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الإسكندرية ليستقر بها وكان ذلك سنة 1876 في فترة صعود الحركة الوطنية، وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة التي كانت تطرح مشروعاً للإصلاح الوطني والدستوري وهى الجماعة التي ظهرت في سبعينات القرن التاسع عشر في عهد الخديوي إسماعيل.
بدأ النديم الكتابة بانتظام في عدد من الصحف التي أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش وفى سنة 1879. شارك في تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية وأصبح مديراً لمدرستها، كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها وأنشأ فريقاً للمسرح بالمدرسة وقام أعضاء هذا الفريق من تلاميذ المدرسة بالاشتراك مع النديم بتمثيل بعض أعماله الأدبية الأولى التي ألفها ومنها "الوطن" و "طالع التوفيق" و "العرب" ونظراً للنجاح الذي حققته مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية فقد وضعت تحت رعاية الأمير عباس حلمي.
لقد ظهر عبدالله النديم على الساحة الأدبية والفكرية في مصر في وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد، وكان الشعور الوطني في تصاعد مستمر حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التي كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر، وتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة وجماعة حلوان التي عرفت باسم الحزب الوطني.
وفى صيف سنة 1881 أصدر النديم صحيفة أسبوعية أسماها "التنكيت والتبكيت" انتهجت خطاً وطنياً واضحاً وأسلوباً أدبياً ساخراً، وكان مهموماً في صحفيته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبناءه للارتفاع بشأن البلاد وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية فكان من الطبيعي أن ينضم النديم إلى صفوف الثورة العرابية ويساند أهدافها الوطنية.
انتقل النديم إلى القاهرة ليكون في قلب الأحداث والتقى بأحمد عرابي زعيم الثورة حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقاراً يلاءم عقلية عرابي العسكرية المحافظة فأصدر عبدالله النديم صحيفة "الطائف" من القاهرة لتحل محل "التنكيت والتبكيت" ولتصبح لسان حال الثورة العرابية وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق.
توفى النديم في العاشر من أكتوبر 1869 في ظروف غامضة. .
ساحة النقاش