هو أسد الله حمزة بن عبد المطلب " أبو عمارة"، "أبو يعلي" عم الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، وأخوه في الرضاعة، تميز بشجاعته وغيرته على الإسلام ودفاعه عنه فكان صاحب هيبة ونفوذ بين زعماء مكة وسادات قريش، عندما توفي حمزة شهيداً في معركة "أحد" مثلت قريش بجثته وحزن لذلك الرسول " صلى الله عليه وسلم" والمسلمين كثيراً، لقب حمزة بلقب "سيد الشهداء"، و"أسد الله وأسد رسوله".
إسلامه
أعلن حمزة رضي الله عنه إسلامه بقوة في وسط قريش وكان ذلك في أحد المواقف القوية له والتي جاء فيها: قال ابن إسحاق : مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا: فآذاه ونال منه ورسول الله "صلى الله عليه وسلم" ساكت، فقام "رسول الله صلى الله عليه وسلم" ودخل المسجد، وكانت مولاة لعبد الله بن جعدان في مسكن لها على الصفا تسمع ما يقول أبو جهل.
يذكر أن حمزة رضي الله عنه كان عائداً من القنص متوحشاً قوسه وكان صاحب قنص يرميه ويخرج إليه وكان إذا عاد لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معه، فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام، وجده ههنا جالسا فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد "صلى الله عليه وسلم".
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما وصل إلى الكعبة وجده جالسا بين القوم، فأقبل نحوه وضربه بالقوس فشج رأسه ثم قال له: "أتشتم محمدا وأنا على دينه أقول ما يقول؟... فرد ذلك علي إن استطعت".
توجه حمزة بعد هذا الموقف إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ولقي فيها محمد "صلى الله عليه وسلم" وأعلن إسلامه أمامه، وكان ذلك في العام السادس من البعثة وفرح به المسلمون واستبشروا به خيراً، و عرفت قريش أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قد عز وامتنع، وان حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
مواقفه بعد الإسلام
كانت أول سرية خرج فيها المسلمون للقاء العدو كان أميرها حمزة رضي الله عنه، كما كانت أول راية عقدها الرسول "صلى الله عليه وسلم" لأحد من المسلمين كانت لحمزة ويوم بدر كان أسد الله يستبسل في القتال ويقاتل بسيفين، وبعدها أصبح هدفاً للمشركين في غزوة "أحد" والتي كتب له الاستشهاد فيها.
سأل حمزة الرسول "صلى الله عليه وسلم" أن يريه جبريل في صورته ، فقال: "إنك لا تستطيع أن تراه"... قال: "بلى"... قال: "فاقعد مكانك"... فنزل جبريل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا بالبيت، فقال: "أرْفعْ طَرْفَكَ فانظُرْ"... فنظر فإذا قدماه مثل الزبرجد الأخضر، فخرّ مغشياً عليه.
وقد استبسل حمزة منذ إسلامه في الدفاع عن الإسلام والرسول فكان شجاعاً لا يخشى شيء حتى أطلق عليه الرسول "عليه الصلاة والسلام" لقب "أسد الله وأسد رسوله".
استشهاد الأسد
بعد معركة بدر والتي أظهر فيها حمزة رضي الله عنه الكثير من الشجاعة والإقدام، وحصد فيها الكثير من رؤوس الكافرين من قريش، توعدت له قريش للانتقام منه فأرسلت عبدها الحبشي " وحشي" ووعدته بالعتق إذا قتل حمزة بالإضافة للمال والذهب الأمر الذي كان حافز له لكي يظفر بحياة حمزة، جاءت معركة "أحد" والتي أظهر بها حمزة الكثير من الشجاعة والإقدام كالعادة فاخذ يضرب يميناً ويساراً بسيفه، وترصده العبد الحبشي حتى تمكن من النيل منه وقتله.
ولم تكتفي قريش بمقتل حمزة بل عمدت إلى التمثيل بجثته فجاءت هند بنت عتبة وبعض النسوة وأخذن يمثلن بجثته وجثث غيره من شهداء المسلمين، يقطعن الأذان والأنوف، وانهالت هند بالهدايا على عبدها "وحشي" وعادت إلى جثة حمزة وبقرت كبده واكلته لكنها لم تستسغه فلفظته، وقد كانت هند زوجة أبي سفيان قد فقدت في معركة "بدر" كل من أبيها وعمها وأخوها، فخرجت في " أحد" تحث القرشيين على القتال.
حزن الرسول عليه
خرج رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يبحث عن جثة حمزة بين غيرها من جثث الشهداء، فوجدها ببطن الوادي وقد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه فقال الرسول "صلى الله عليه وسلم" حين رأى ما رأى: " لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم !".
قال ابن هشام : ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال: لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا، ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد، إخوة من الرضاعة أرضعتهم مولاة لأبي لهب .
عندما رأى المسلمون حزن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وغضبه مما فعل بعمه قالوا: "والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب".
ثم نزل قول الله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}.
فعفا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ونهى عن المثلة، وأمر بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالشهداء فوضعوا إلى حمزة، وصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة، وكان ذلك في شهر شوال في السنة الثالثة من الهجرة.
قال عنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (سيد الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب)، كما قال لعلي بن أبي طالب: يا عليّ أمَا علمتَ أنّ حمزة أخي من الرضاعة، وأنّ الله حرّم من الرضاع ما حرّم من النّسب.
عبد الله بن رواحة يرثي حمزة
بَكَت عَيني وَحُقَّ لَها iiبُكاها
وَما يُغني البُكاءُ وَلا iiالعَويلُ
عَلى أَسَدِ الإِلَهِ غَداةَ قالوا
أَحَمزَةُ ذاكُمُ الرَجُلُ iiالقَتيلُ
أُصيبَ المُسلِمون بِهِ iiجَميعاً
هُناكَ وَقَد أُصيبَ بِهِ iiالرَسولُ
أَبا يَعلى لَكَ الأَركانُ iiهُدَّت
وَأَنتَ الماجِدُ البَرُّ iiالوَصولُ
عَلَيكَ سَلامُ رَبِّكَ في iiجِنانٍ
مُخالِطُها نَعيمٌ لا يَزولُ
أَلا يا هاشِمَ الأَخيارِ iiصَبراً
فَكُلُّ فِعالِكُم حَسَنٌ iiجَميلُ
أَلا مَن مُبلِغٌ عَنّي iiلُؤَيّاً
فَبَعدَ اليَومِ دائِلَةٌ iiتَدولُ
وَقَبلَ اليَومِ ما عَرَفوا وَذاقوا
وَقائِعَنا بِها يُشفى iiالغَليلُ
نَسيتُم ضَربَنا بِقَليبِ iiبَدرٍ
غَداةَ أَتاكُمُ المَوتُ iiالعَجيلُ
غَداةَ ثَوى أَبو جَهلٍ iiصَريعاً
عَلَيهِ الطَيرُ حائِمَةً تَجولُ
ساحة النقاش