مطلوب مجسَّم لمدينة «الكويت القديمة»  محمد عبدالهادي جمال

|

احتضنت مدينة الكويت القديمة المواطنين الكويتيين لفترة زمنية تزيد على مئتين وخمسين عاماً قبل أن تنال الكويت استقلالها. وقد بُنيت حول هذه المدينة ثلاثة أسوار خلال تاريخها المعروف، بني آخرها عام 1920، لحمايتها من الغزو الخارجي. وضمت المدينة كثيراً من المعالم والأماكن التي شكلت أهمية تاريخية وتراثية يعتز بها الكويتيون وينظرون إليها كرموز تاريخية تحكي قصة استقلال هذا البلد منذ نشأته الأولى. ومن هذا المنطلق برزت فكرة إقامة مجسم لمدينة الكويت القديمة لإبراز وتخليد هذه الرموز التاريخية ليشاهدها شباب هذا الجيل والأجيال المقبلة ليتعرفوا على ما قام به الآباء والأجداد من أعمال تعكس حبهم وتمسكهم بهذا البلد المعطاء والمستوى العالي من الإنجاز ودقة العمل، الذي تحلّوا به في جميع المجالات. تتلخّص الفكرة في إقامة مجسّم لمدينة الكويت القديمة داخل السور في موقع مناسب يخصص للمشروع على ساحل البحر مثلاً أو الحزام الأخضر أو في أحد الأماكن العامة المميزة لتيسير ارتياده لكل من يرغب في ذلك من المواطنين والوافدين والزوار، على أن تكون معالم المدينة في هذا المجسم واضحة وسهلة للراغب في التعرّف على تفاصيلها. ومن المقترح أن تتراوح المساحة التي سيقام عليها المجسّم ما بين 8000 متر مربع إلى 10000 متر مربع مع تجهيز مواقف ومرافق واستراحات للزوار. وسيمكّن هذا المجسم الزائر أو الباحث من التعرّف على معالم مدينة الكويت القديمة بفرجانها المختلفة وبيوتها ومدارسها وقصورها ومعالمها المهمة ومساجدها ومزارعها وأسواقها وأماكن رسو السفن فيها، كالفرضة والنقع، بالإضافة إلى السور وبواباته ومواقع الأسوار القديمة والمراكز المهمة الأخرى؛ كالصفاة مثلاً، بحيث يتم تجسيد كل أثر بما يتوافق ما أمكن مع معالمه الأصلية. ونعتقد أن ذلك ما زال ممكناً خاصة مع وجود العديد من أفراد الرعيل الأول الذين عايشوا تلك المعالم لسنوات طوال وانطبعت في ذاكرتهم، وكذلك توفّر كمّاً كبيراً من الصور لمعظم تلك المعالم والأماكن. ونظراً إلى أن مشروعاً كهذا سيتطلب جهوداً كبيرة ومكثفة وعملاً جاداً متواصلاً، فلا بد أن تتكون عدة مجموعات لمتابعة دراسته وتنفيذه والإشراف عليه. فمثلاً يمكن تشكيل مجموعة أو لجنة للدراسة والتخطيط والإشراف تناط بها مهمة دراسة الفكرة وبلورتها وتحديد إمكانية تطبيقها والإشراف على تنفيذها. كذلك يمكن تشكيل مجموعة أو لجنة هندسية تقوم بمهام تخطيط ودراسة تنفيذ التفاصيل الهندسية والمعمارية، وكل ما يتعلق بها من أمور. كما يمكن تشكيل لجنة تضم عددا من الأشخاص ذوي الخبرة والدراية في المواقع الأصلية للآثار والمعالم القديمة المهمة.

الصور القديمة

   من ناحية أخرى، يمكن الاستعانة بالصور القديمة التي تبين العديد من المعالم القديمة لمدينة الكويت، بالإضافة إلى التصوير الجوي لمدينة الكويت عام 1951، والمتوافر لدى بلدية الكويت. كما أن من الضروري الاستعانة بخبرات من سبقنا من الدول التي قامت بتنفيذ فكرة مشابهة للوقوف على أساليب العمل التي اتبعتها والمشاكل التي واجهتها وسبل معالجتها. كذلك يمكن تزويد موقع المجسم بأجهزة كمبيوتر ولوحات الكترونية تسجل عليها أسماء المواقع التاريخية المهمة مع نبذة مختصرة عن كل موقع ليتعرف الزائر على الموقع الذي يرغب في الاستزادة من المعلومات بشأنه أو الحصول على أي معلومات إضافية فيما يخص المدينة. وما عليه إلاّ أن يضغط على أزرار معينة ليضاء الموقع ويستمع إلى شرح وافٍ عنه، سواء كان كتابياً أو صوتياً مع تكبير صورة الموقع المطلوب وتفاصيله على اللوحة الإلكترونية. غني عن الذكر أن وجود مجسم كالذي نقترحه سيعتبر معلماً عاماً نحفظ من خلاله تراثنا للأجيال المقبلة ونجعله مزاراً يرتاده ضيوف الكويت من رؤساء دول وشخصيات بارزة، إضافة إلى المواطنين والوافدين والزوار وطلبة المدارس الذين يحتاجون إلى معرفة تاريخ وطنهم وكيف عاش آباؤهم وأجدادهم لغرس روح الولاء والمحبة في قلوبهم. ويمكن بناء المشروع على مرحلتين أو ثلاث مراحل أو أكثر حسب توافر المعلومات الأساسية كالتصوير الجوي والمخططات التي أنجزتها بلدية الكويت بناءً عليه. ويمكن أن يغطي المشروع مناطق الكويت المختلفة إذا أريد له ذلك حتى إن استغرق تنفيذه عدة مراحل. فإضافة إلى المدينة القديمة داخل السور يمكن أن يشمل المشروع في المستقبل قرى الجهراء والشعيبة والفحيحيل والفنطاس مثلاً. لذلك يمكن أن تبدأ المرحلة الأولى ببناء مجسم للسور وبواباته وساحل البحر ومكوناته كالنقع والعماير، إضافة إلى المعالم الرئيسية والمباني التاريخية داخل المدينة. كما يمكن بناء أحياء نموذجية في كل منطقة في مرحلة ثانية ليتمدد البناء مرحلة بعد أخرى إلى أن يكتمل.

خمس مناطق

ووفق المعلومات التي توافرت لدينا، بعد الجهود التي بذلناها والاتصالات التي أجريناها خلال 7 سنوات مضت، فإن المعلومات الخاصة بمدينة الكويت داخل السور تعتبر شبه كاملة، مما يسهل عملية البدء بها كمرحلة أولى. أما المناطق الأخرى (القرى الرئيسية) فإن هناك كمية من المعلومات غير المكتملة التي لا يمكن اعتبارها أساساً كافياً لهكذا عمل، ويجب تكثيف الاتصالات مع الجهات المعنية في سبيل الحصول عليها تمهيداً للبدء بالمراحل التالية. ويمكن تلخيص المراحل المقترحة للتنفيذ كالتالي:

 المرحلة الأولى

  تشييد سور الكويت وبواباته وساحل البحر ومكوناته، كالنقع والعماير إضافة إلى المعالم والمباني التاريخية داخل المدينة وأحيائها المختلفة (الشرق، الوسط، القبلة، المرقاب، الصوابر)، حيث تشمل هذه الأحياء البيوت والشوارع والمساجد والمدارس والبرايح والشاوي والمسقفات وغير ذلك حسب ما هو موجود في كل حي.

        المرحلة الثانية

جمع المعلومات الكافية عن قرى الكويت الرئيسية، كالجهراء والشعيبة والفنطاس.. وغيرها، للبدء بتشييد هذه المناطق. تجدر الإشارة إلى أن هناك تصويرا جويا قديما لقرى الكويت أيضاً يمكن الاستناد إليه لعمل مجسمات لهذه القرى. يذكر أننا قمنا عام 2012 بعمل مخطط لمنطقة الوسط يبين البيوت في هذه المنطقة، بناء على التصوير الجوي وتخطيط بلدية الكويت المبني على هذا التصوير الذي تم عام 1951. وقد حددنا في هذا المخطط مواقع المعالم المختلفة لهذه المنطقة من مساجد ونقع وعمارات ودواوين ومدارس ومسقفات وغيرها من معالم.

المساحة المطلوبة

يمكن بناءً على نظرة أولية على شكل مدينة الكويت القديمة، التي تشبه نصف دائرة تقريباً، أن نقدر مساحتها. إذ إن الطول التقريبي لساحل المدينة يقدر بحوالي 6 كيلومترات بينما تقدر أطول المسافة من ساحل البحر الى السور (من قصر السيف إلى بوابة الشعب) بحوالي 3 كيلومترات، وبذلك فعند اعتبار سور الكويت كنصف دائرة وساحل البحر كقطر للدائرة الافتراضية، فإن مساحة المدينة ستكون بحدود 14 كيلومتراً مربعاً تقريباً أو أقل نظراً لعدم اكتمال الدائرة الافتراضية التي يمثلها مسار السور. وعليه فإن المساحة المطلوبة ستعتمد على حجم المجسم الذي يجب أن يكون مناسباً، وتأخذ المباني فيه وضعها الطبيعي كحجم مقبول يجسم بوضوح معالم ومساحات كل مبنى ومعلم. لذلك نعتقد أن مساحة تتراوح ما بين 8000 متر مربع الى 10000 متر مربع يمكن أن تكون مناسبة لإظهار المعالم بشكلها الطبيعي المقبول وتفاصيلها المهمة. كما أن مشروعاً كهذا يحتاج إلى مواقف سيارات واستراحات وتسهيلات ومرافق للزوار مما يتطلب مساحة أخرى لا تقل عن 2000 متر مربع، وبذلك تصبح مجموع مساحة المشروع ما بين 10000 متر مربع إلى 12000 متر مربع.

خطة العمل

بعد الموافقة المبدئية على المشروع يمكن تشكيل لجنة لدراسته دراسة أولية وزيارة عدد من المشاريع المماثلة؛ كمشروع Mini Aturk في اسطنبول ومشروع Madurodam - Miniature في هولندا ومشروع Legoland الذي يحتوي على مجسمات كثير من المعالم التاريخية والسياحية في لندن، وفي مقدمتها قصر بكنغهام ومبنى البرلمان البريطاني وساعة Big Ben وغيرها من المعالم. فهذه الزيارة ستعطي تصوراً واضحاً لحجم المشروع وما يحتويه من معالم شُيّدت في منتهى الدقة والجمال بألوانها الطبيعية الأصلية. اختيار موقع مناسب في مساحة كافية لتوطين المشروع والمرافق المناسبة للزوار كمواقف السيارات والاستراحات والمقاهي والمطاعم والمرافق العامة وأماكن بيع التحف التذكارية المتعلقة بالمشروع التي تجسّد محتوياته ليحتفظ بها الزائر كذكرى للزيارة.

عوامل جوية

من المهم تشييد بناء مناسب يضم المشروع ويحفظه من العوامل الجوية كالحر والبرد والغبار والأمطار والعواصف الجوية، وما شابه ذلك؛ حتى يكون جاهزاً لاستقبال الزوار في جميع المواسم والأوقات من دون عوائق أو مضايقات. تتصل اللجنة بالجهات الحكومية المختصة ـــ كــ «البلدية» وأملاك الدولة وغيرها ـــ للحصول منها على المخططات والصور والمعلومات الضرورية بناء على قرار واضح وصريح من الجهة الحكومية المسؤولة عن المشروع؛ لتجنّب أي تأخير أو عرقلة في تزويد المعلومات المطلوبة للمشروع بسبب الروتين والبيروقراطية اللذين يؤديان إلى عدم اكتمال المعلومات أو الامتناع عن تقديمها، كما هو حاصل في بعض الأحيان؛ إذ إنه من دون اكتمال المخططات والصور والمعلومات الأساسية لن يصل المشروع إلى المستوى الفني والجمالي المطلوب وبالصورة المكتملة التي يجب أن يظهر بها للزائرين.

عروض واقتراحات

بعد اكتمال الدراسة الأولية للمشروع تتصل اللجنة بالجهات والشركات المتخصصة في هذا النوع من المشاريع والاطلاع على أعمالها التي تنفّذ وبحث كل ما يتعلق بها من مزايا ومشاكل للاستفادة من خبرة من سبقنا من الدول في هذا المضمار. ويمكن للجنة بعد ذلك أن تطلب من عدة شركات تقديم عروضها واقتراحاتها تمهيداً لمقارنة ما تقدمه كل شركة من ناحية التفاصيل الفنية والتكلفة، وتمهيداً لدراستها ومقارنتها بالشركات المنافسة ثم مناقشة عروض كل جهة لتتمكن اللجنة من اتخاذ قرار مناسب باختيار العرض الأفضل بعد دراسة الإنجازات المماثلة للشركة. وبناء على هذه الاتصالات والدراسات الأولية يمكن تقييم تكلفة المشروع.

الخبرات الكويتية

من المهم أن تستفيد اللجنة من أصحاب الخبرة الكويتيين في المجالات المختلفة الخاصة بالتفاصيل الدقيقة للبناء والمواصفات المحلية لكل نوع من الوحدات المعمارية والألوان الطبيعية لكل نوع من هذه الوحدات؛ ليكون المنظر العام لكل مجسم متطابقاً مع المبنى الأصلي بالشكل واللون والتفاصيل الدقيقة الأخرى؛ فمثلاً تجب استشارة من عمل في البناء قديماً لمعرفة التفاصيل الدقيقة لكل نوع من المباني (كالمنازل أو المساجد أو المدارس أو المباني العامة وغيرها)، كما تجب الاستفادة من خبرة ومعرفة من عملوا في النقع (أحواض السفن) لمعرفة تفاصيل أجزائها؛ كالمواد المستخدمة في بناء الجدران ومواقع مداخل النقع ومخارجها، وما شابه. ومن المهم أن تحرص اللجنة على عدم ترك المجسم يعاني من الجمود وانعدام الحيوية، وأقصد من ذلك ألا تكون المواقع المختلفة في المجسم صمّاء، بل يجب وضع بعض مكوّنات البيئة السائدة آنذاك لإبراز نمط المعيشة في ذلك الوقت. فقد كانت المواقع المختلفة في المدينة القديمة دائمة الحركة في جميع مراكزها وأحيائها وأسواقها وسواحلها. فالفرضة والنقع ـــ مثلاً ـــ كانت تعج بالسفن الآتية والمغادرة، بما فيها من بضائع مختلفة، كما أن العمال كانوا يملؤون تلك الساحات، ومنهم الباعة والحمالون وصناع شباك الصيد والشراحون (قاطعو الأخشاب الكبيرة) وصناع السفن. كما أن العماير المقابلة للساحل كانت ممتلئة بأنواع الأخشاب وأدوات البحر، وكانت كثير من «العماير» تضم دواوين صباحية، فكان صاحب العمارة يضع الكراسي الخشبية أمام عمارته لاستقبال أصدقائه لشرب الشاي وتبادل الأحاديث.

حركة المدينة

كما كانت أزقة المدينة تعج بالحركة، حيث تجوبها عربات النقل التي تجرها البغال، إضافة إلى الحمير التي كانت تنقل مياه الشرب المعبأة بــ «القِرَب» من برك الماء على ساحل البحر لإيصالها إلى البيوت، بينما تزخر «البرايح» والساحات بألعاب الأطفال؛ كـــ «الدوارف» وأدوات التسلية الأخرى. ويمكن الإسهاب في هذه التفاصيل بلا توقف، لكن أهم ما يجب أن يميز المشروع هو الدقة في التفاصيل التي يجب أن يشرف عليها خبراء محليون عايشوا هذه الأجواء وعرفوا تفاصيلها للاستفادة القصوى من خبرتهم بالتفاصيل الدقيقة لكل شيء حتى يكون المشروع دقيقاً في التنفيذ وواقعياً في المنظر إلى أقصى حد، كما هو حاصل بالنسبة الى المشاريع المماثلة في البلدان المتقدمة. لذلك؛ يجب على من تناط إليهم مسؤولية الإشراف على تنفيذ المشروع ومتابعته أن يكونوا ذوي خبرة ودراية وأن يكونوا ملمين بالتفاصيل. وعليهم عدم التساهل والتهاون في متابعة إنجاز كل جزء من المشروع، مهما صغر بالدقة المطلوبة، ووفق ما كان عليه الواقع. وهذا يؤكد ضرورة اختيار شركة ذات سمعة مرموقة لتنفيذ المشروع.

الصفاة مركز تجاري

    الصفاة كانت المركز التجاري الرئيسي في المدينة؛ إذ يتجمع هناك أبناء البادية مع دوابهم التي كانت تحمل جميع أصناف البضائع ليستقبلهم سكان المدينة ويتبادلوا معهم السلع. كما كانت الصفاة ممتلئة بالمقاهي وباعة الأجهزة والأطعمة المختلفة وأماكن وقوف سيارات الأجرة المتوجهة إلى قرى الكويت المختلفة. 

للمزيد: https://alqabas.com/article/356638

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2019 بواسطة biariqk

بيارق كويتية المقداد الجهراء

biariqk
بيارق كويتية برنامج وطني وفريق عمل كويتي يعمل على تعزيز مفهوم الهوية الكويتية والأمن الفكري لحماية شبابنا من متغيرات العصر خاصة التطرف ونبذ العنف والسعي نحو التنمية المستدامة لكويت 2035 م »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

37,104