السكن والعيش الجماعي للتوحدي اليافع   

 

لطيف الحبيب / برلين 23.12.2011

يربك الطفل المعوق نسق حياة عائلته ويغير وقع انسجامها مع المجتمع, فتبذل العائلة الجهد الكبير للعناية بطفلها المعاق ومرافقته إلى الأطباء ومتابعة معالجته, فيحظى باهتمام اكبر من الآخرين, لضعف قدراته واعتماده على الأخر , ويعيقها بعض الأحيان عن القيام بمهامها التربوية  لبقية الأطفال , مما يوحي لهم بأنه المفضل بينهم . لحماية هذه العوائل وتقديم المساعدة لها, تعرض الدولة ومؤسسات المجتمع المدني خدماتها بتوفير مراكز تعليم مدرسي ومهني وسكن, إضافة إلى مجموعات سكنية توفرها دوائر الشؤون الاجتماعية لحماية الأطفال والقصر المعوقين من سوء معاملة بعض أولياء الأمور, ضمن قانون " حماية الطفولة "  وتطالبهم بالتنازل عن حق رعاية أطفالهم إلى الدولة لفترة غير محدودة, لحين إثبات قدرتهم على رعاية أطفالهم مرة أخرى .   

يعتبر السكن<!-- من العناصر المهمة في عملية التعليم والتأهيل المهني للمعوقين عامة, وللتوحدي اليافع خاصة, ليس فقط لكونه سقف الدفء , يوفر الاطمئنان والسكينة فحسب , بل انه  قضية تربوية تمنحهم فرصة الولوج إلى عالم جديد من العلاقات الاجتماعية والممارسات الحياتية اليومية, فتوفير الشروط والاحتياجات الأساسية للتوحدي اليافع من العوامل المهمة, لتحقيق النقلة النوعية في حياته إلى عالم التدريب المهني والعمل,  من هذه الشروط توفير السكن وإعادة هيكلته وتكيفه بشكل واضح, يتلاءم مع متطلبات تفاصيل مسيرة يومه و نشاطاته المتعدد الوجوه.  

إن ارتباك التوحدي اليافع واضطراب فهمه للعلاقات الاجتماعية اليومية السائدة , تدعو إلى تقديم إيضاحات وإرشادات تدعمه في انجاز واجباته اليومية, ضمن مجموعة السكن, وتتطلب توفر قدرات وإمكانيات واسعة لدى الكادر التربوي, لتدارك وحل كل ما يطرأ من إشكاليات وصعوبات, ويقع على كاهل الكادر التاهيلي أيضا, تهيئة مستلزمات بيئة ومحيط التوحدي اليافع , والعمل على توفير أسباب الهدوء والراحة ,عبر التأهيل والعلاج الطبيعي والنفسي والموسيقى, لتمكينه من استيعاب أسلوب حياته الجديد , وتحفيزه على التآلف مع ظروف الحياة الجديدة, ولا تنفصل هذه الإجراءات التاهيلية والعلاجية عن وقائع ومعطيات تفاصيل حياته اليومية, فتزامنها مع الفعل اليومي, يؤدي إلى تنمية قدراته وإمكانياته الاجتماعية, وتحث فعله وأنشطته الكامنة وتحولها إلى مصدر قوة, تضاف إلى ما يملكه من كفاءات وطاقات بسيطة, تدفع به إلى قدر من الاستقلالية. 

إن توفير ارشادات بصرية واضحة تشير إلى مختلف الأقسام والقاعات والأماكن في المجمع السكني, تخلق أجواء هادئة, وتتيح لتوحدي اليافع في حالة اضطرابه الانسحاب والركون إلى مكان هادئ, يمارس فيه طقوسه واهتماماته التكرارية . توفر المجمعات السكنية فرصة تنفيذ التطبيقات العملية, لما يتدرب عليه التوحدي اليافع في ورشات العمل, فالمتدرب في ورشة العمل في قسم رعاية الحدائق والبستنة يوجه إلى العمل ورعاية حديقة المجمع السكني, أما الذي يتدرب في قسم النجارة يطلب منه أصلاح أجزاء بسيطة من الأثاث, و المتدرب على إعمال التنظيف يقوم بواجبات التنظيف في المجمع السكني, وبذلك يتحقق استمرار الترابط بين حياة التوحدي في ورشة العمل والمجمع السكني, خاصة في أوقات الفراغ, وهي الزمن الأمثل لتطوير العلاقات الاجتماعية, التي تفضي إلى تحقيق جزء من الاندماج الاجتماعي .

العمل في المجمعات السكنية مع التوحدي اليافع, لا يتطلب خبرات مهنية عالية وتجارب واسعة في ميادين التربية الخاصة واضطرابات التوحد والعلوم العامة فحسب, بل يتطلب أيضا الجلد والصبر والقدرة على إبراز مشاعر الحنين والعطف, وفهم ما متوفر من أنواع التواصل اللغوي اللفظي وغير اللفظي لدى القاطنين في المجمع السكني من اجل خلق تعايش متوازن .

المجموعة السكنية والمكان

اختيار المكان الملائم لحركة التوحدي التكرارية المضطربة مهم جدا, تراعى فيه حالات الهدوء والصخب وما يرافقها من هياج و صراخ, فتنظم غرفة الاستراحة على نحو يستوعب هذه الحالات, بإضافة فسحة في الفضاء الخارجي لها, يفرز فيها من يطلق أصوات عالية أو صراخ دائم مع مرافقة شخصية, و توفر غرف خاصة لكل ساكن, يرتب محتوياتها كما يشاء وحسب رغبته, لتكون له ملاذا أمنا حين اشتداد هياج موجات عنفه واضطرابه, فوحدته كافية لإخماد اضطرابه واسترخاء توتره , وتوفر له أيضا الابتعاد عن مؤثرات واضطرابات محيطه .  من المهام الضرورية للكادر العامل في المؤسسات السكنية الرقابة الشديدة على الأبواب والشبابيك وتزويد الأبواب الخارجية بأجراس إنذار ليلي, كما يجب توفير مكان خاص للعاملين في المجمع السكني, يحتوي على الوثائق و الأدوية والإسعافات الطبية, ومواد عمل تستخدم من قبل الساكنين في أوقات الفراغ, إضافة إلى مكتب مدير المجمع الذي يضم تلفون, فاكس, كمبيوتر, أجهزة توثيقية , كاميرات , فيديو , و مكتبة تضم  الكتب الملونة و الصحف , و أفلام فيديو, ويحتوي السكن أيضا على أجهزة رياضية وأجهزة موسيقية, كما يتوفر للمجمع السكني وسائط نقل وسواق .

إجراءات القبول في السكن الجماعي

تبدأ خدمات الرعاية في التحضير لإجراءات القبول في مؤسسات السكن الجماعي, مع أول لقاء بالساكن الجديد, وتهيئته للحياة في عالمه الجديد, خلاله يتم تبادل المعلومات بين أولياء الأمور وكادر خدمات الرعاية والتوحدي اليافع وتوضح أهداف المجمع السكني وأنظمته وطرق العمل إضافة إلى الإجراءات التالية :-

<!--إبراز وثائق تشخيص الاضطرابات التوحدية من الشروط الأساسية في القبول في المجمع السكني .

<!-- يفحص مكان السكن والإقامة وهيكلته للتأكد من ملائم لاضطرابات التوحد في حالات معينة, وبناءا على طلب من أولياء أمر التوحدي .

<!--إجراء المشاورات المكثفة مع أولياء أمر التوحدي, والقيام بالزيارة الميدانية لسكن عائلة التوحدي والاطلاع على غرفة إقامته.

<!--يخضع التوحدي اليافع إلى فترة سكن تجريبية لمدة أسبوعين, تمكنه من التعرف على المكان ومحيطه والعاملين فيه, مما يتيح أيضا فرصة مراقبة التوحدي والتعرف على إمكانياته وقدراته في التالف مع المكان .

<!--يتخذ القرار النهائي في قبول التوحدي اليافع في السكن أو رفضه, بناءا على الفترة التجريبية ونتائجها, تبلغ العائلة بالقرار سلبا أو إيجابا, في حالة القبول, يوقع عقد بين الطرفين, يقر بالإقامة الدائمة في المجمع السكني, والخضوع لقواعد أنظمته ويحق للطرفين فسخ العقد في أي وقت وبالطرق القانونية .

يهدف السكن الجماعي للتوحديين اليافعين إلى دعم وتطوير قدرات وكفاءات التوحدي للاندماج في المجتمع,  وتوسيع استعداده لتقبل اشتراطات الحياة في كنف الجماعة  والعمل على تخفيف توجهاته الانعزالية, ويهدف أيضا إلى تأهيل نشاطاته العملية وكفاءته, وتمكينه من العيش بقدر من الاستقلالية, كما تبذل الجهود لتحجيم أفعاله الإجبارية التكرارية, ومنع حالات الغضب والهياج والتصرفات العنيفة والعدائية ضد الأخر وضد نفسه .  

أنواع سكن المعوقين

<!--نظام التأهيل والسكن

يعمل ويسكن المتدرب المعوق أما داخل محيط مؤسسات التأهيل المهني أو في مكان بعيد عنها, حيث يشكل مركز التأهيل مع المجمع السكني للمتدربين وحدة تربوية واحدة,  ويضم المعوقين الذين يحتاجون إلى تأهيل مكثف ودائم من خلال تنفيذ خطط تاهلية حرفية وتربوية فردية, يقبل في هذه المراكز مختلف الإعاقات, تحظى هذه المؤسسات بدعم وزارة التربية ومؤسسة الضمان الاجتماعي .

أقسام المركز التاهيلية والسكنية

يشتمل المركز على الأقسام التالية :-

● مدرسة تأهيل وتعليم مهني, يتدرب فيها التلاميذ على حرف ومهن متعددة, مثل الحدادة والنجارة وتقنية الكهرباء إضافة إلى التدبير المنزلي, لفترة زمنية تتراوح بين 3-2 سنوات.

● قسم الإعداد الحرفي لفترة سنة واحدة, يتم خلالها الإعداد الحرفي الأولي للتلميذ, ثم ينتقل إلى مدرسة التأهيل والتعليم الحرفي .

● ورشة عمل لذوي الإعاقات المضاعفة .

● قسم سكن ونوم التلاميذ  .

●الإدارة وقسم الخدمات.

يضع وينفذ مركز التأهيل والسكن الخطط لانجاز العمل التربوي والعلاجي والحرفي مع المعوقين عقليا وجسديا, ومن بينهم التوحديين اليافعين, يستمر العمل التربوي متواصلا من المدرسة إلى موقع سكن التلميذ, حيث يطبق الكادر التربوي والعلاجي المشرف على السكن نفس الخطط التربوية الموضعة من قبل المركز 

نظام المركز في التأهيل والسكن

● يطبق المركز نظام عمل  (8) ساعات في اليوم .

● التشديد على مراقبة الحضور, واستمرار الدروس دون انقطاع .

● التعليم والعمل في صفوف صغيرة .

● تنفيذ الخطط التربوية الفردية, إضافة إلى الرعاية والعلاجات الأخرى مثل التدريب على النطق والسمع .

أما النظام السكني فيعتمد على

● الإقامة الدائمة طوال الأسبوع أو الإقامة الجزئية.

● مجموعات سكنية صغيرة العدد, الوحدة السكنية تتكون من 6 أشخاص.

● قضاء أوقات الفراغ بشكل فردي أو جماعي .

● تقديم الخدمات الاجتماعية والعلاجات النفسية والطبية, إضافة إلى الإرشادات في اختيار الحرفة .

يشمل قسم السكن أربع مجاميع سكنية , تضم كل واحدة منها (6-4) من المتدربين, وكل غرفة تضم متدربين وتحتوي على حمام وتوالي , ويتوفر لكل مجموعة سكنية مطبخ جماعي وغرفة سكن وأخرى للطعام, إضافة إلى قاعات العاب كرة الطاولة والعاب البليارد, وقاعات الرياضة والمسرح .

يتكون الكادر التعليمي التاهيلي من كادر تدريس مختص في التربية الخاصة, مدرس رياضة, مدرس التعليم التقني تربوي اجتماعي وعلاجي إضافة إلى مربي وكادر القطاع الخدمي .

نظام البيوت المحمية

تتناسب الإجراءات والبرامج المعمول بها في مثل هذه السكنات مع رغبات واهتمامات الساكن, فتتضمن الترويح والترفيه عبر العاب جماعية, وممارسة الهواية إضافة إلى إجراءات تربوية تعليمية, مثل انجاز الواجبات المدرسية, توفر هذه السكنات للتوحدي اليافع فرصة لتطوير كفاءته الاجتماعية, من خلال الاستفادة من أوقات الفراغ, والاشتراك في الفعاليات اليومية لمجموع الساكنين, كما أنها تمنحه قدر من الاسترخاء والركون إلى نفسه بعد الجهد المبذول, خلال مسار يوم العمل في المدرسة أو مركز التأهيل, يمكنه من جمع قواه مرة أخرى والاستعداد للعمل . 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

<!--  تؤكد الفقرات  (40,39) (54,53) من قوانين رعاية المعوقين و الرعاية الاجتماعية في المانيا ,على( إنشاء وبناء مؤسسات سكنية خاصة بالتوحديين اليافعين).  

المصدر: فانون الرعاية الاجتماعية في المانيا
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 448 مشاهدة
نشرت فى 23 ديسمبر 2011 بواسطة berlin

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

7,896