الثقافة وتنوير المستقبل
بقلم: د.محمد أبو الخير
الثقافة واحدة من العناصر الجوهرية للتنوير الاجتماعي, ومن ثم تأتي أهمية المرحلة الراهنة والمقبلة في الانفتاح علي المجتمع باعتباره شريكا أساسيا في عملية الإصلاح والتنمية.
وليس الشأن مقصورا علي النخبة, فنجاح أي تجربة يستلزم القدرة علي ايجاد آليات تنفيذ لترجمة وتحويل السياسات إلي واقع ملموس مع المنظومة الاجتماعية. إن الثقافة قادرة علي تغيير المفاهيم, وتكوين نسق منسجم لأفراد المجتمع, وهي التي تصون خصوصية وهوية المجتمع لتحديات المستقبل.لهذا من الضروري فتح فضاءات ثقافية فاعلة تتطلبها مرحلة جديدة لمصرنا, وذلك لكي نتواصل مع العالم, فمصر هي فجر الضمير الإنساني والحضارة, لذلك تأتي أهمية غرس ثقافة التنمية من خلال نشر القيم التي تساعد علي إطلاق القدرات الكامنة لدي المواطن المصري, وعلي حفز الإبداع بكل صوره, وترسيخ قيم المعرفة والمبادأة والإنجاز والعمل الجماعي, واحترام التفكير العلمي بما يسهم في غني العقل والوجدان البشري نحو التقدم. هذه النظرة المستنيرة للبعد الثقافي كمنظومة للقيم الجادة الرفيعة يمكن أن نترجمها لمجموعة من المحاور
المحور الأول: المشروعات الثقافية ورموز الوطن, إنه الربط للعمل الاجتماعي والاقتصادي بالبعد الثقافي, بمعني أن نصنع قنوات اتصال, وننسج خيوط ترابط بين هذه المكونات مع بعضها بعضا حتي يصبح العمل كيانا واحدا, فعلي سبيل المثال بناء مكتبة أو إرسال قافلة ثقافية إلي واحة بعيدة, أو تطوير مجموعة قري فقيرة, وغيرها من المشروعات التنموية, ما أجمل أن تتسمي هذه المشروعات بأسماء ورموز مصرية استطاعت أن تحقق انجازات متميزة نفخر بها في مسيرة العمل الوطني في مختلف المجالات مثل مصطفي كامل, العقاد, مكرم عبيد, مصطفي مشرفة, محمد عبده, محمود مختار, أم كلثوم,.. وغيرهم الكثير, إن ذلك يحيي الذاكرة الوطنية للرموز المصرية المستنيرة, وسوف يحرك تساؤلات عن نجاحات هذه الشخصيات؟
المحور الثاني: جيل مبدع, إن إزكاء روح التيار الثقافي في ربوع ونجوع مصر- وليس المدينة وحدها- يمكن أن يشجع علي ظهور المواهب في مختلف المجالات الثقافية والفنية وكذلك عمل الدورات التدريبية لجيل النشء والشباب, وأيضا عمل المسابقات القومية لاكتشاف الموهوبين إنما هو مساهمة في الإرتقاء بالطاقات البشرية للشخصية المصرية, التي يجب أن تتسم بالشمولية في التعامل مع قضايا المجتمع, إنه بناء العقل المبدع, إنه الإنجاز بالبشر. كل ذلك يحث علي الوعي بالذات الوطنية في عمقها التاريخي وتراثها الشعبي, لتأسيس قيم ثقافية وفنية وطنية رشيدة غير متعصبة, ثقافة وطنية تحمل في نسيجها أصالة ومعاصرة, قادرة علي حوار الحضارات. إن ذلك إضافة للقيمة المعرفية للمجتمع
المحور الثالث: التواصل مع الآخر ثقافيا, إن دعوة المبدعين ورجال الفكر والثقافة والفن أصحاب التجارب الناجحة من البلدان العربية والافريقية والمجتمع الدولي إنما هي سياسة تتوافق مع عصر المعرفة والتعددية الثقافية, فمثلا دعوة كاتب افريقي حاصل علي جائزة نوبل في الأدب, رجل اقتصاد دولي, أو عازف موسيقي, أو فنان تشكيلي أو مفكر...بناء مراكز ثقافية في بلدان العالم المختلفة وبخاصة في حوض وادي النيل كل ذلك يصنع تفاعلا مع ثقافات متنوعة ويمد جسور التواصل مع الآخر, ويمكن أن ينتج علي أثرها فكرا جديدا يسهم في نهضة المجتمع
المحور الرابع: المجتمع المدني, إن المجتمع المدني بمؤسساته الثقافية يمكنه أن يلعب دورا وطنيا مع قطاعات الدولة في تطوير العمل الثقافي عن طريق الجمعيات الثقافية وانتشارها في ربوع مصر, وتلاحمها مع القاعدة الشعبية من خلال الندوات والمهرجانات والمؤتمرات, وبرامج ومشروعات التنمية الثقافية, المجتمع المدني هو شبكة التواصل للعدالة الثقافية لأفراد المجتمع
المحور الخامس: التكنولوجيا الحديثة, إن استخدام التكنولوجيا الحديثة في منظومة العمل الثقافي من خلال انتشار وتطوير الأجهزة التكنولوجية في المواقع الثقافية, وتدريب البشر, واستخدام نظم المعلومات والتواصل عبر الشبكات, سيؤدي إلي سرعة الإنجاز, وترشيد الإنفاق, والدقة والكفاءة في العمل
إن الحراك الثقافي يؤدي دورا رئيسيا في تشكيل البناء الاجتماعي, والجمالي للفرد والمجتمع في جميع جوانب النشاط الانساني( اجتماعية, فكرية, اقتصادية, أخلاقية,علمية...) وتنبع أهمية القيم من كونها أهم العوامل المحددة لسلوك الأفراد في المجتمع. وبقدر وحدة القيم في المجتمع يكون تماسكه, والثقافة قادرة علي ايجاد نسيج القيم في منظومة المجتمع بشكل غير مباشر, لهذا فالثقافة واحدة من العناصر المهمة في تشكيل السلوك الإنساني
إيمانا من أن البعد الثقافي بعد رصين في مسيرة التنمية, ومن الضروري أن يسير بشكل متواز مع العناصر الأخري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وعلي هذا تتوج المواد الدستورية في الدستور الجديد بنصوص لحق المواطن في الثقافة الجادة والرفيعة, لكي نحقق التنمية المستديمة والنهضة الشاملة لمصرنا الحبيبة