لغة العقل
عنف أسري، وعنف بين الأزواج، وعنف بين الأطفال، وعنف بين الجيران، وبين الشعوب، والقبائل، والدول، عنف بكل الأشكال والألوان والصور. ماذا جرى للإنسان؟ هل هي سمة الصراع من أجل البقاء؟ أم أن العنف أصبح ضرورة، ووسيلة وحيلة دفاعية نفسية «ميكانيزم» يدفعنا إلى الاستقواء والرفض وعدم الانصياع لصوت العقل؟ على فرض أن الإنسان فُطر على العنف، فإنه في الوقت نفسه مهيأ لمواجهة العنف ذ والسؤال يكمن في معرفة الوسيلة التي يعتمدها الإنسان في تثقيف نفسه، وفي مواجهة العنف. إن الخيار الذي يفرض نفسه هنا هو خيار فلسفي تربوي بالضرورة
الإنسان كائن عاقل، وهذا يعني أنه يحتاج إلى التفكير في مواقفه وسلوكه وأفعاله من أجل تبريرها في مواجهة نفسه والآخرين أيضاً، ولأن الإنسان فُطر على العنف فإنه يعمل على أن يبرر هذا العنف لنفسه كحق من حقوق الإنسان نفسه، فالحيوانات ليست عنيفة إلا من وجهة نظر الإنسان، وذلك لأنها غير قادرة على التفكير في العنف الذي فطرت عليه، ومما لا شك فيه أنه في عالم الحيوانات فإن السمكة الكبيرة تأكل الصغيرة وأن الذئب يفترس الخرفان. ولكن الحيوانات غير مسؤولة عن هذا العنف. بينما الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً يقع في دائرة المسؤولية عن أفعاله وعن العنف الذي يمارسه، ولأن العقل هو خاصة إنسانية فإن العنف هو بالضرورة خاصة إنسانية. وقد يمكن للإنسان أن يضع عقله دون أدنى شك في خدمة العنف، ولذلك فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يبرهن على وحشيته إزاء أشباهه. وغالباً عندما تجري المقارنة بين وحشية الإنسان ووحشية الضواري فتصب اللعنة على الضواري، وذلك لأن الضواري لم تصل إلى ما يتميز به الإنسان من التهذيب والأناقة، ولكن ألا يجب علينا أن نقول هنا إن العنف لا يصدر عن الحيوان لأنه بالضرورة خاصة إنسانية وهنا يكمن البؤس الإنساني
الإنسان عامة لا يسلك سلوكاً عفوياً وفقاً لمتطلبات العقل بل يحاول أن يفعل ذلك من أجل أن يكون إنساناً، وهذا الجهد نجده في التفكير الفلسفي ذاته، فعندما يكون الإنسان فيلسوفاً فإنه يقرر أن ينتصر للعقل. لكن الإنسان لا يكتشف العنف في ذاته لأنه كائن عاقل، فالعنف لا يفهم إلا من خلال التفكير أي بعد أن يتأمل الإنسان نفسه ليدرك عنفه الخاص. وهو في سياق هذا التأمل والتفكير لن يكتشف العنف في نفسه، بل في داخل المجتمع الذي ينتسب إليه، فالعقل الإنساني هو سبيل الإنسان، ولكنه ليس إلا فرصة وإمكانية تجعل الإنسان قادراً على امتلاك ذاته والسيطرة على قدر العنف في داخله، لأنه قادر على توجيه سلوكه وفقاً للعنف أو للعقل ويجب عليه الاختيار بينهما الفلسفة تريد للعنف أن يختفي من الوجود مع أنها تعترف بحضور الحاجة والرغبة، ومن الضرورة بمكان أن يكون الإنسان حيواناً عاقلاً، والمهم جداً في هذا كله أن يعمل على إقصاء العنف واستبعاده وتقليص حدود وجوده في النفس الإنسانية.. فهل نعود إلى لغة العقل؟
المحرر
khourshied.harfoush