مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

أول خطبة جمعة في المدينة

كانت المدينة المنورة تسمى قبل هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إليها يثرب، وكان أهلها أسبق أهل الحجاز إلى الإسلام، وقد بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعتين قبل أن يهاجر إليهم، فلما أذن له صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وكان من أمر أخبارها ما هو معروف، كان أول منزله في “قباء” وهي ضاحية المدينة جنوباً، وقد تريث رسول الله فيها بعض الوقت عند بني عمرو بن عوف وابتني مسجدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد البناء ويستمع إلى عبدالله بن رواحة وهو ينشد مرتجزاً: أفلح من يعمر المساجد .

يقول الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه “البيان المحمدي”: “إنه مثلما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خطب يوم أوحي إليه بأن “أنذر عشيرتك الأقربين” فقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم ثلاث خطب يوم الجمعة الذي وصل فيه إلى المدينة المنورة” .

تقوى الله

لقد روى ابن جرير الطبري في كتابه “تاريخ الطبري” والقرطبي في “تفسيره” عن سعد بن عبدالرحمن الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في أول جمعة صلوها بالمدينة في بني سالم بن عوف فقال: “الحمد لله أحمده واستعينه، واستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيداً، أوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله عز وجل، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك ذكراً، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله تعالى من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكراً في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم . وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد هو الذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول عز وجل: “ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد” فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه “من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً” ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب، وترفع الدرجة، فخذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين . فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله تعالى واعملوا لما بعد الموت، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه . الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” .

ويقول ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” إن ما يؤكد أن هذه الخطبة هي أول خطبة صلى بها النبي الجمعة، ما ذكره ابن عباس في شأنها فقد كان مجتمع المؤمنين في المدينة مشوقاً إلى سماع كلام رسول الله قبل إن يؤمهم في صلاة أول جمعة يوم حل بديارهم، ومن ثم فقد خطب أكثر من مرة في اليوم نفسه، وكانت خطبته الثالثة هي خطبة الجمعة، وأما سابقتاها فقد قيلتا في مقام التوجيه والتعليم قبل الاتجاه لأداء فريضة الجمعة التي يصليها الرسول لأول مرة في المدينة، فلم يرد ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قد صلاها قبل الهجرة .

لون خاص

ليس من شك في أن هذه الخطبة ذات لون خاص، وهي في محتواها ومضامينها وعناصرها تتفق مع جلال مناسبتها، لأنها أول خطبة جمعة ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن مكان إلقائها دار الهجرة يوم وصوله صلى الله عليه وسلم إليها، ولأن مستمعيها هم تلاميذ المدرسة المحمدية الذين قام بإعدادهم خير إعداد مصعب بن عمير مبعوث رسول الله إلى المدينة لتعليم من آمنوا القرآن الكريم بعد بيعة العقبة الثانية، ثم بقية من أسلموا من أهل المدينة، وكانوا يمثلون بيوتا بأكملها .

لقد اشتملت الخطبة على ما عرف بأركان خطبة الجمعة، من حمد الله والثناء عليه، وشهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، مع إبانة لفضل الرسالة وزمانها

ولقد توالت وصايا الرسول في هذه الخطبة بتقوى الله وطاعته في صيغ شتى تزفها البلاغة المحمدية: “من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما يوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله” وينال حديث التقوى عناية كبيرة، لأن تقوى الله فيها عماد الأمر كله .

ومثلما طال الحديث عن التقوى فكذلك نال الإحسان، والجهاد في سبيل الله، والإكثار من ذكره تعالى، والعمل لما بعد الموت قدراً كبيراً من عناية الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة .

ولقد تفردت هذه الخطبة أيضاً بالإكثار من الاستشهاد بآيات كتاب الله حتى بلغ عدد الاستشهاد فيها بالقرآن الكريم خمس مرات .

إن كثيراً من خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه فيها استشهاد بالقرآن الكريم، ولكن هذه الخطبة تميزت بسبب مناسبتها بكثرة المواضع التي جرى فيها الاستشهاد بكتاب الله .

ومجمل القول في هذه الخطبة إنها كانت نبراساً للمهاجرين وللأنصار على حد سواء اهتدوا فيها بنوره، واستضاؤوا بضيائه، مثلما اهتدت به أجيال المسلمين بعد ذلك وإلى أبد الآبدين بمشيئة الله .

 

المصدر: الدين للحياة
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

636,215

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه