في تقوى الله |
التقوى هي الجامع لجميع المنجيات وهي عبارة عن فعل المأمورات، وترك المنهيات فهي التحلي بالمنجيات . والتخلي عن المهلكات وصاحبهما يسمى المتقي، وهو الفائز بخير الدنيا والآخرة . قال الله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا” . (الطلاق: 2-3) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم” رواه الحاكم .
يذكر محمد خليل الخطيب في كتابه “خطب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عن أنس بن مالك قال: “خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وأيقنوا من الدنيا بالفناء، ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لما بعد الموت، فكأنكم بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل، يا أيها الناس إن من في الدنيا ضيف، وما في يده عارية، والضيف مرتحل، والعارية مردودة، ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، فرحم الله امرءا نظر لنفسه، ومهّد لرمسه، ما دام رسنه مرخياً، وحبله على غاربه ملقى قبل أن ينفد أجله، فينقطع عمله” .
ويقول محمد عبدالله الهدار باعلوي الحضرمي في كتابه “عجلة السباق إلى مكارم الأخلاق”: “إن التقوى هي شركة التأمين لأن صاحبها أمن نفسه في الدنيا . وأمن نفس من أهوال الأخرى . وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في أكثر من سبعين موضعاً في كتابه” .
جماع أعمال البر
ويشير طه عبدالله العفيفي في كتابه “من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم” إلى أن التقوى هي جماع أعمال البر الذى هو من أهم نتائج الصدق، قال تعالى: “ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون” (البقرة: 257) .
واعلم أن التقوى في القرآن تطلق على ثلاثة أشياء: أحدها: بمعنى الخشية والهيبة، قال تعالى: “وإياى فاتقون” (البقرة: 41)، وقال تعالى: “واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله” (البقرة: 281) . والثانى: بمعنى الطاعة والعبادة، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته” (آل عمران: 102) ويقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في تفسيرها: “أطيعوه حق طاعته”، ويقول مجاهد: “أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر” . والثالث: بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب، وهذه هي حقيقة التقوى .
وحتى تدرك أهمية التقوى يجب أن تعلم أنها السلاح الوحيد الذى يستطيع المؤمن به أن يواجه جميع العقبات، وينتصر على جميع الأزمات بدليل قوله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب . . .” (الطلاق: 2-3) . وأنها السبيل إلى الفلاح بل وهي السبيل إلى الجنة والأجر العظيم، وفي ذلك يقول تعالى: “للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار” (آل عمران: 15) .
ولهذا أوصانا الله سبحانه وتعالى بها كما أوصى الذين أوتوا الكتاب من قبلنا . . كما جاء في قوله تعالى: “ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله” (النساء: 131) .
والتقوى في الطاعة يراد بها الإخلاص، وفي المعصية يراد بها الترك والحذر . وقيل: المحافظة على آداب الشريعة . وقيل: مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى . وقيل: ألا ترى في نفسك شيئاً سوى الله عز وجل . وقيل: ألا ترى نفسك خيراً من أحد . وقيل: ترك ما دون الله . وقيل: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، قولاً وفعلاً . وقيل: الاحتراز بطاعة الله من عقوبته، ومن أجمل ما قرأت في وصفها قول عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: “ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك . . ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير” .
تمام التقوى
وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: تمام التقوى أن يتقي العبد مولاه وخالقه حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً، ليكون حجاباً بينه وبين الحرام، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرةٍ شَرّاً يَرَهُ”، (الزلزلة: 7-8) . فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله ولا شيئاً من الشر أن تتقيه” .
وكما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصى بالتقوى التى أوصى الله سبحانه وتعالى بها، كذلك كان أصحابه عليهم جميعاً رضوان الله تعالى يوصى بعضهم بعضاً بالتقوى، فقد روي أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كان يقول في خطبته: “أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة في الرهبة، وتجمعوا الإلحاف في المسألة . . إن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: “إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين” (الأنبياء: 90) .
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى دعاه، فوصاه بوصية قال في أولها: اتق الله يا عمر .
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى ابنه عبدالله عليه رضوان الله تعالى: أما بعد . . فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيك، وجلاء قلبك
واستعمل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه رجلاً على سرية فقال له: “أوصيك بتقوى الله عز وجل لابد لك من لقاه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة”