مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

الإحساس بالزمن نعمة كبرى لا يدركها إلا العقلاء

احترام الوقت قيمة حضارية إسلامية    

 

علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الآداب الفاضلة والأخلاقيات الراقية والسلوك المتحضر، وأوصانا بكل ما يحقق لنا الطمأنينة والرضا ويجلب لنا رضا الخالق والمخلوق، ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم وصية كريمة يحتاجها كل مسلم لتنظم علاقته بقيمة من أهم القيم الحضارية وهي استثمار الوقت في ما يعود على الإنسان بالنفع في حياته الدينية والدنيوية 

فالمسلم مطالب شرعاً بالاستفادة بكل دقيقة من حياته، واستثمار الوقت في كل عمل مفيد له ولأسرته ولمجتمعه. ومن بين الأحاديث النبوية الكريمة التي تقدر قيمة الوقت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك

يحث الرسول صلوات الله وسلامه عليه المسلم من خلال هذين الحديثين الشريفين وغيرهما على ضرورة استغلال كل لحظة من حياته لعمل الخير، فلا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره في ما أفناه، وعن شبابه في ما أبلاه، وعن وقت فراغه في ما أهدره 

يقول الداعية الفقيه الراحل الشيخ عطية صقر رحمه الله: لقد نعى الإسلام على المسلم الكسل وأمر بالاستعاذة منه، وأمر بالبكور في الصباح لمزاولة النشاط، ودعا الرسول لأمته بالبركة في النجاح، وأمر بالمبادرة إلى عمل الخير، وذم التسويف فيه . . فقال: اغتنم خمساً قبل خمس 

على ضوء هذه الإرشادات النبوية الكريمة اغتنم المسلمون الأوائل كل فرصة لتسجيل عمل مفيد . . وقال في ذلك قائلهم: من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه

وإذا كان للوقت أهميته التي تنبع من اهتمام القرآن الكريم، ووصايا رسولنا الكريم بالاستفادة بكل ثانية من حياتنا في ما ينفع ويفيد، ومسؤولية الإنسان عن وقته في ما أهدره ومحاسبته على ذلك فإن على المسلم أن يحافظ على وقته، كما يحافظ على ماله بل وأكثر منه، وأن يحرص على الاستفادة من وقته كله في ما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود على أمته بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي

مناظر مؤذية

لكن، هذا التوازن والاعتدال غير موجود للأسف في حياة كثير من المسلمين الآن حيث يطغى اللهو والعبث على واجبات الإنسان الدينية والدنيوية، ويقضي معظم الناس وخاصة الشباب أوقاتهم في أعمال غير مفيدة، بل بعضها ضار بعقل الإنسان وصحته البدنية والنفسية 

ومن الظواهر السيئة في عالمنا العربي والإسلامي انتشار المقاهي والأوكار التي يقتل الشباب فيها الوقت ويرتكبون داخلها كثيراً من الذنوب والآثام والمعاصي 

يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمود حمدي زقزوق: من المناظر المألوفة أن يرى المرء الجموع الغفيرة من الناس القادرين على العمل تكتظ بهم المقاهي ليلاً ونهاراً، ويضيعون أوقاتهم في ما لا طائل من ورائه 

وهنا ينبه كثير من علماء الإسلام والتربية والاجتماع على ضرورة تربية الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين على احترام قيمة الوقت . . ومن أهم الوسائل لتحقيق ذلك التوجهات الدينية، فالوقت قيمة من القيم الحضارية الأساسية التي نبه إليها الدين وحض على الالتزام بها وحسن التصرف فيها 

ويضيف: لابد من أن نربي أبناءنا على احترام قيمة الوقت وتنظيم أوقاتهم وفق منهج الإسلام الذي يحقق التوازن والاعتدال في حياة الإنسان، فالوعي بالزمن من شأنه أن يؤدي إلى الاستغلال الأمثل للوقت في كل مجالات الحياة، إذ من دون ذلك لا تقوم حضارة، ولا يتصور أن يكون هناك أي شكل من أشكال التقدم في حياة الإنسان

إن واجب علماء الإسلام والمربين والموجهين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن يغرسوا قيمة الوقت في نفوس الكبار والصغار، وأن ينبهوا الجميع إلى أن كل لحظة تمر من حياة الإنسان من دون أن يستفيد منها في عبادة الله أو عمل منتج أو ترفيه مباح ومشروع عن النفس هو مسؤول عنها . . فالزمن الذي يمضي لن يعود ثانية، ولن ينفع ندم المرء على عدم استغلال أوقاته الاستغلال الأمثل

التعبد بالخمول

د .أحمد الطيب شيخ الأزهر ينعى على المسلمين إهدار وقتهم في ما لا يفيد ويضم صوته إلى صوت أحد المفكرين الذي أطلق العبارة البليغة “بعض المسلمين يتعبدون بالخمول والكسل”، ذلك أن كثيراً من العوام والخواص لهم في تضييع الوقت وقتله وملئه باللهو والضياع فنون وجنون . . فهناك أقوام يغطون في نوم عميق حتى الضحى وهناك من يتسكعون في الطرقات والشوارع من دون أن يدروا أنهم في الحقيقة يهدرون حياتهم سدى، وهناك من لا يعرف قيمة الزمن فيتأخر عن عمله ويعوق مصالح الآخرين حتى قيل إن العامل في بعض الدول العربية لا يؤدي من وقت عمله إلا الساعة أو الساعتين

ويؤكد د .الطيب أن إهدار الوقت جريمة وليس مجرد سلوك خاطئ، ويقول: إهدار الوقت في ما لا يفيد من المصائب الكبرى في بلادنا العربية والإسلامية، فلا دين ولا عقل يقر أن يهدر الإنسان وقته في ما يغضب الله عز وجل أو في ما لا يعود بالنفع على الإنسان أو أسرته أو مجتمعه . . وعلينا أن ندرك أن إهدار الوقت في ما لا يفيد ترك آثاره السلبية على مصالح البلاد والعباد، وأحدث التخلف المادي الموجود في واقع المسلمين، وخلق حالة من اللامبالاة، وعدم الإحساس بالناس عند القائمين على مصالح العباد، فضلاً عن الإساءة البالغة لأمة الإسلام كأننا جماعة من الكسالى والنائمين الذين لا يقيمون للحياة وزناً 

ويتعجب الدكتور الطيب من هذا السلوك فالإسلام يدفع الإنسان دفعاً إلى الإحساس بالوقت والانتفاع به لأنه سوف يحاسب عليه في الدنيا والآخرة

ويؤكد د .الطيب أن الإحساس بالزمن نعمة كبرى، لا يدركها إلا العقلاء، أما الخاملون فيتساوى عندهم الجد واللعب والموت والحياة . . ولهذا هناك ربط واضح بين النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة من ناحية وبين القدرة على الانتفاع بالوقت من ناحية أخرى . هذا المعنى نلحظه في كل تجارب النجاح العلمي أو المهني الذي يحققه الإنسان في دراسته أو تجاربه أو وظيفته، فنجد صاحب هذا النجاح هو من أحرص الناس على الاستفادة من كل دقيقة تمر عليه وأبعدهم عن تبديد الوقت في ما لا يفيد، وهذا المعنى ثابت في حساب الله لعباده في الآخرة

 

 

المصدر: الدين للحياة
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

636,261

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه