· علاج الهموم
القلوب تتفاوت في الهم والغم كثرة واستمرار بحسب مافيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان ، فهي على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ،ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير
وقلب هو عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم
والناس يتفاوتون في الهموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم ، وما يحمله كل واحد منهم من المسئوليات
فمن الهموم هموم سامية ، ذات دلالات طيبة ، كهموم العالم في حل المعضلات التي يحتاج المسلمون فيها إلى جواب ،خصوصا إذا استعصت المسالة واستغلقت وكذلك هم إمام المسلمين بمشكلات رعيته
ومن الهموم الشريفة هم الداعية في نشر الدين وحمل الرسالة والأخذ بيد المدعو إلى طريق الهداية
وهم العابد في تصحيح عبادته في القصد والأداء ، وهم المسلم بما يصيب إخوانه في اقطار الرض
ومن الهموم ما يكون ناشئا عن المعاصي كالهموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه
ومن الغموم مايكون بسبب ظلم الآخرين كالظلم الواقع من الأقرباء
وكذلك الغموم الحاصلة بسبب مصائب الدنيا ، كالأمراض المزمنة والخطيرة وعقوق الأبناء وتسلط الزوجة واعوجاج الزوج
ومن الهموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل وما يخبئه الزمان كهموم الأب بذريته من بعده وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم
من أنواع العلاجات التي جاءت في الشريعة
أولا : التسلح بالإيمان المقرون بالعمل الصالح
قال الله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
وسبب ذلك واضح ، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح ، المثمر للعمل الصالح ، المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة ، معهم اصول ,اسس يتعاملون بها مع كل مايرد عليهم من أنواع المسرات والأحزان ، فيتلقون النعم والمسار بقبول لها وشكر عليها ، ويستعملونها فيما ينفع ، فإذا فعلوا ذلك أحسوا ببهجتها ، وطمعوا في بقائها وبركتها ، ورجاء ثواب شكرها وغيرذلك من الأمور العظيمة التي تفوق بخيراتها وبركاتها تلك المسرات
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف مايمكنهم تخفيفه ، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، فيحصلون منافع كثيرة من جراء حصول المكاره
ومن ذلك : المقاومات النافعة والتجارب المفيدة وقوة النفس ، وايضا الصبر واحتساب الأجر والثواب ، وغير ذلك من الفوايد العظيمة التي تضحمل معها المكاره وتحل محلها المسار والآمال الطيبة ، والطمع في فضل الله وثوابه كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى في الحديث الصحيح بقوله : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له "
وهكذا يكون النظر الإيجابي إلى الابتلاء
* ثانيا : النظر فيما يحصل للمسلم من تكفير الذنوب وتحميص القلب ورفع الدرجة ، إذا أصابته غموم الدنيا وهمومها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مايُصيب المسلم من نصب ولاصب ولا همّ ولاحزن وأذى ولاغم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه
وفي رواية مسلم : مايصيب المؤمن من وصب ولانصب ولاسقم ولاحزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته
فليعلم المهموم أن مايصيبه من الأذى النفسي نتيجة للهم لا يذهب سدى ، بل هو مفيد في تكثير حسناته وتكفير سيئاته ، وأن يعلم المسلم أنه لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس كما ذكر بعض السلف ، ولذلك كان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح احدنا بالرخاء
وإذا علم العبد أن مايصيبه من المصائب يكفر عنه سيئاته فرح واستبشر ، وخصوصا إذا عُوجل بشيء بعد الذنب مباشرة ، كما وقع لبعض الصحابة رضى اله عنهم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أراد بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا ،وإذا أراد بعبد شرا أمسك عنه حتى يوافي يوم القيامة بذنبه
* ثالثا : معرفة حقيقة الدنيا
المؤمن يعلم أن الدنيا فانية ، ومتعها قليل ، ومافيها من لذة فهي مكدرة ولاتصفو لأحد ، إن أضحكت قليلا أبكت طويلا ، وأن أعطت بسيرا منعت كثيرا ، والمؤمن فيها محبوس ، كما قال رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
وهي كذلك نصب واذى وشقاء وعناء ، لذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن ابي قتادة بن ربعي النصاري :أنه كان يحدث أن رسول الله صلى اله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال : ( مستريح ومستراح منه ) قالوا : يارسول الله ، ماالمستريح وما المستراح منه ؟ قال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا واذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجروالدواب
وموت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا وهمومها وآلامها
إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهون عليه كثيرا من وقع المصاب والم الغم ونكد الهم ، لأنه يعلم أنه أمر لابد منه ، فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا
ابتغاء الأسوة بالرسل والصالحين واتخاذهم مثلا وقدوة : رابعا
وهم أشد الناس بلاء في الدنيا ، والمرء يبتلي على قدر دينه ،والله إذا أحب عبدا ابتلاه وقد سأل سعد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله أي الناس بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلي الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الرض ما عليه خطيئة
أن يجعل العبد الآخرة همه :خامسا
هموم الدنيا تشتت النفس / وتفرق شملها ، فإذا جعل العبد الآخرة همّه جمع الله له شمله ، وقويت عزيمته كما روى أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، واتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له
قال ابن القيم رحمه الله : إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلها ، وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأتكادها ، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم ، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره ، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته
قال تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين
: علاج مفيد ومدهش وهو ذكر الموت سادسا
لقوله صلى الله عليه وسلم : أكثروا ذكر هادم اللذات الموت ، فغنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولاذكره في سعة غلا ضيقها عليه
* : دعاء الله الله تعالى سابعا
وهذا نافع جدا ، ومنه ماهو وقاية ، ومنه ماهو علاج ، فأما الوقاية فإن على المسلم أن يلجأ الى الله تعالى ويدعوه متضرعا إليه بأن يعيذه من الهموم ويباعد بينه وبينها ، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخبرنا خادمه أنس بن مالك رضى الله عنه عن حاله معه بقوله : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل،فكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال
وهذا الدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه والدفع أسهل من الرفع
ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به ، فعن ابي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل لي الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة من كل شر
فإذا وقع الهم وألم بالمرء فباب الدعاء مفتوح غير مغلق
والكريم عز وجل إن طُ رق بابه وسئل أعطى وأجاب .. يقول جل وعلا : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون
ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهم والغم والإتيان بعده الفرج : الدعاء العظيم المشهور الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم كل من سمعه ان يتعلمه ويحفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماأصاب أحد قط هم ولاحزن فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك ،أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا
قال : فقيل يارسول الله ، ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها
هذا الحديث العظيم الذي يتضمن اعتارف العبد أنه مملوك لله وأنه لاغنى له عنه ، وليس له سيد سواه والتزام بعبوديته وإعلان الخضوع والانتثال لأمره ونهيه وان الله يصرفه ويتحكم فيه كيف يشاء وإذعان لحكم الله ورضا بقضائه وتوسل الى الله بجميع أسمائه قاطبة ثم سؤال المطلوب ونشدان المرغوب في السنة النبوية أدعية أخرى بشأن الغم والهم والكرب
( ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث )
*ثامنا: الصلاة على النبي صلى الله وسلم
وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم ، روى الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال : يأيها الناس ، اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه
قال أبي : قلت يارسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟
فقال : ماشئت قال : قلت الربع قال : ماشئت ، فإن زدت فهو خير لك.قلت : النصف قال ماشئت ،فإن زدت فهو خير لك .قال : فقلت فالثلثين قال : ماشئت فإن زدت فهو خير لك ، قلت أجعل لك صلاتي كلها . قال :إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك