الرحالة ابن بطوطة ووصفه مصر
كتب:د. محمد رضا عوض
أستاذ الروماتيزم والعلاج الطبيعي بطب الأزهر
هو شمس الدين أبوعبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الشهير بـ ابن بطوطة. ولد عام1304 م في طنجة بالمغرب, رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه عربي مغربي. لقب بأمير الرحالين المسلمين
فقد قام بزيارة العديد من البلدان. حيث تعرف علي ثقافات متنوعة وعادات وتقاليد مختلفة وقام بتسجيل ما رآه فيها بدقة في كتاب شهير هو رحلات ابن بطوطة وأصبح هذا الكتاب بعد ذلك مرجعا ودليلا لكثير من المهتمين بالاطلاع علي كل ما يتعلق بثقافات هذه البلاد. كان أبوه فقيها بالقضاء وكان يعد ولده ليكون خلفا له, لذلك درس ابن بطوطة العلوم الدينية والأدب والشعر لكنه لم يتم دراسة الفقه بسبب رغبته في السفر والترحال
عشق ابن بطوطة السفر منذ الصغر وما حببه به أكثر الكتب التي تداولها العرب التي يوجد بها العديد من أخبار البلدان ومعالمها مثل كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة, و مسالك الممالك للاصطخري التي تتناول البلدان من الناحية التاريخية والجغرافية وعلي الرغم من الأخطار والأهوال التي عرف ابن بطوطة أنه سوف يتعرض لها أثناء رحلته خاصة انه سوف يتوجه إلي بلاد غريبة وسوف يدخلها لأول مرة فإن هذا لم يثن من عزيمته فقرر عام1325 م وهو ابن21 عاما أن يخرج لأداء فريضة الحج وأن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب
لم يخرج ابن بطوطة مع قافلة الحج بل خرج مع قوم لا يعرفهم ولم يستقر مع جماعة منهم, فأخذ ينتقل من مركب إلي آخر ومن قافلة إلي أخري وكان اهتمامه برؤية أصناف الناس والغرائب التي يصنعونها هو شغله الشاغل, وكان مما لاحظه ابن بطوطة أن أصحاب كل حرفة ينزلون ضيوفا علي أصحاب نفس الحرفة في البلاد الأخري, القاضي ينزل علي القاضي, والفقيه ينزل علي الفقيه, لذلك فقد فرح ابن بطوطة عندما قدمه الناس علي أنه من القضاة, ومنذ ذلك الحين أصبح ينزل علي القضاة والفقهاء في كل بلد يذهب إليه
قام ابن بطوطة بثلاث رحلات خلال حياته تعرض فيها للعديد من الأحداث الشيقة والخطيرة. وتولي القضاء في دلهي علي المذهب المالكي, ولما أراد السلطان محمد شاه أن يرسل وفدا إلي ملك الصين خرج ابن بطوطة فيه وفي عودته مر بجزيرة سرنديب والهند والصين, ثم عاد إلي بلاد العرب عن طريق سومطرة عام1347 م فزار بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين ومنها إلي مكة فحج حجته الرابعة إلي بيت الله ثم رأي أن يعود إلي وطنه فمر بمصر وتونس والجزائر ومراكش فوصل فاس عام1349 م. بعد أن أقام في فاس فترة قصيرة قرر السفر إلي بلاد الأندلس في رحلته الثانية فمر في طريقه بـ طنجة وجبل طارق وغرناطة ثم عاد إلي فاس, وفي عام1352 م كانت رحلته الثالثة إلي بلاد السودان, ثم مالي وكثير من بلاد إفريقيا ثم رجع إلي فاس عام1354 م
وعندما زار ابن بطوطة عاصمة مصر كتب في مذكراته عن العاصمة المصرية أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد, ذات الأقاليم العريضة, والبلد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة, المتناهية بالحسن والنضارة.. تموج موج البحر بسكانها.. شبابها يجد علي طول العهد,وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد. قهرت قاهرتها الأمم وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم. لها خصوصية النيل الذي أجل خطرها وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها. وأرضها مسيرة شهر لمجد السير, كريمة التربة مؤنسة لذي الغربة
ولاحظ ابن بطوطة أن القاهرة فيها أعداد كبيرة من المدارس فقال عنها لايحيط أحد بحصرها لكثرتها, ووصف ابن بطوطة أن مصر العاصمة كان فيها اثنا عشر ألف سقا علي الجمال, وثلاثون ألف سقا علي الأرض, وفي نيلها ستة وثلاثون ألف مركب ما بين الصعيد والإسكندرية ودمياط محملة بأنواع الخيرات. ثم وصف المستشفي الناصري الضخم الذي بناه السلطان المنصور قلاوون عام1283 م فيقول: كان مزودا بقاعات محاضرات لتعليم الطب ومعامل للأدوية وعيادات لعلاج الأمراض المختلفة وأماكن للإقامة علي أرقي نظم, وكل ذلك كان مجانا وعلي حساب الدولة
بعد عودته إلي الوطن نهائيا اتصل ابن بطوطة بالسلطان أبي عنان المريني, وأقام في حاشيته يحدث الناس بما رآه من عجائب الأسفار, ولما علم السلطان بأمره وما ينقله من طرائف الأخبار عن البلاد التي زارها, أمر كاتبه الوزير محمد بن جزي الكلبي أن يكتب ما يمليه عليه الشيخ ابن بطوطة فانتهي من كتابتها عام1356 م وسماها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وقد ظلت رحلات ابن بطوطة موضع تقدير كثير من العلماء والباحثين فترة طويلة ويعد أول من كتب شيئا عن استعمال ورق النقد في الصين وعن استخدام الفحم الحجري, وترجمت مذكراته إلي اللغة الانجليزية والفرنسية والألمانية والتركية
وأخيرا ومن خلال رحلات ابن بطوطة ووصفه للعالم العربي يظهر مدي ترابط الأمة العربية وقوة وحدتها وروح المحبة بين أهلها, حيث انه خرج لرحلته الطويلة بمال قليل لكن ترابط الأمة العربية وتآخيها عمل علي معاونته في رحلته وإمداده بما يريد, ومن يزر المغرب اليوم سيجد بمدينة طنجة دربا اسمه درب ابن بطوطة. حيث كان يعيش وسيجد بالقرب من سوق طنجة ضريحه الذي دفن فيه عام1378 م