خطبة النبي صلي الله عليه وسلم يوم عرفة
إرســاء لدعــائـم الإســلام وختــام للرســالـة
حج النبي صلي الله عليه وسلم حجة واحدة كانت أعظم وأفضل حجة في التاريخ أقام فيها شعائر الله تعالي وعظم حرماته وصدع بدينه وبين للناس مناسكهم وخطب ينذرهم ويعلمهم ويبشرهم..
ولما عزم عليه الصلاة والسلام الحج أذن في الناس فتجهزوا للخروج معه وسمع ذلك من حول المدينة فقدموا يريدون الحج مع رسول الله ولقيه في الطريق إلي مكة خلائق لا يحصون في كل اتجاه علي امتداد البصر وقد شرفوا جميعهم بأداء مناسك الحج بصحبة رسول الله
ويقول الشيخ محمد مشالي وكيل الوزارة للوعظ والارشاد بالأزهر الشريف سابقا: لقد أقام النبي عليه السلام بمكة حتي الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية
فلما مالت الشمس الي ناحية الغرب في ذلك اليوم ركب الي مني وبات بها حتي صلي الفجر وسار الي عرفة حيث رأي طلوع الشمس وفي بطن عرفة وقف علي راحلته
فخطب في الناس فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.. أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم قالوا نعم في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام قال رسول الله فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم الي أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وانكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلي من ائتمنه عليها ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع وإن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضي الله أن لا ربا وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس ابن عبدالمطلب وإن دماء الجاهلية موضوعة ـ وهي تعني أنها باطلة ولا قيمة لها ومتروكة ـ وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته ـ أيها الناس إنما النسيء ـ وهو المبادلة بين الأشهر الحرم فكان العرب يحلون بعضها عاما ويحرمونها عاما تبعا لأهوائهم ـ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد أيها الناس ان لنسائكم عليكم حقا وإن لكم عليهن حقا فعليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وأن تضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وانما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد.أيها الناس إنما المؤمنون اخوة ولا يحل لامريء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه أيها الناس إن ربكم واحد وإن اباكم واحد فكلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله اتقاكم ليس لعربي فضل علي عجمي إلا بالتقوي ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد ايها الناس ان الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه رضي ان يطاع فيما سوي ذلك مما تحقرونه من اعمالكم فاحذروه علي دينكم وقد تركت فيكم ماإن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنة نبيه
وانكم ستسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل النبي عليه السلام يشير بأصبعه السبابة الي السماء ثم الي الناس ثم يقول اللهم اشهد.. اللهم اشهد ثم قال فليبلغ الشاهد منكم الغائب فلعل من يبلغه يكون أوعي له من بعض من سمعه
وكان ربيعة بن أمية بن خلف يقف تحت صدر الناقة يردد قول رسول الله صلي الله عليه وسلم بصوت جهور ولما انتهي من خطبته أمر عليه السلام بلالا فأذن للصلاة وجمع رسول الله بين الظهر والعصر واستكمل ومعه الناس مناسك الحج حتي نهاية أيام التشريق الثلاثة ثم نزل الي مكة فودع البيت الحرام وعاد راجعا الي المدينة
حجة كمال الدين الاسلامي
ويضيف الشيخ مشالي: قد كانت هذه الحجة الأخيرة التي ودع فيها رسول الله الناس وسميت من أجل ذلك حجة البلاغ وحجةالوداع وحجة الاسلام وحجة التمام لأن النبي عليه السلام لم يحج من المدينة غير هذه الحجة وأنه ذكر للناس فيها مايحل ومايحرم وبلغهم شرع الله في الحج قولا وعملا وبذلك كمل دين الله وختمت رسالته وأنزل علي رسوله وهو واقف بعرفات قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وبهذا تمت كلمة الله عزوجل وانتهت مهمة رسوله عليه السلام واصبحت الدعوة أمانة في أعناق المسلمين
الدروس المستفادة من خطبة يوم عرفة
يقول الدكتور أحمد شحاتة أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر: لقد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبته الجامعة يوم عرفة في حجة الوداع أصول الاسلام وقرر فيها قواعد الدين وقضي علي عادات الجاهلية ووضع قواعد الأخلاق وأرسي دعائم الاجتماع والأخوة بين الناس
ومن أهم مااشتملت عليه الخطبة
حرمة الدماء لأن الاسلام جعل حق الحياة مقدسا لكل انسان يتمتع به ولا يحل انتهاك حرمته ولا استباحته لقول الله تعالي ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وتأكيدا لحرص الاسلام علي حماية النفس فقد هدد من يستحلها بأشد عقوبة فقال عزوجل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
احترام المال وملكية الأفراد له باعتباره مال الله والانسان فيه خليفة الله ولذلك حدد الاسلام في عقوبة السرقة فقال سبحانه والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله.. إبطال الربا وتحريمه لانه يقطع المعروف ويزيل الموساة ويمحو الاحسان وهو من الكبائر وإحدي السبع الموبقات لذلك أعلن الله الحرب علي المرابين فقال تعالي ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله
ولأن شره مستطير وينتزع الرحمة من القلوب ويهدم القيم ويحطم الأخلاق ويشيع العداوة والبغضاء بين الناس فقد ذكر القرآن الصورة التي يكون عليها المرابين فقال سبحانه الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
الحفاظ علي الأسرة فقد رسم الرسول صلي الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع يوم عرفة الأداب المشتركة لقوله عز وجل وعاشروهن بالمعروف وسمي الله العقد بين الزوجين ميثاقا غليظا وصور الصلة بينهما بقوله هن لباس لكم وأنتم لباس لهن
تبني الاسلام لمبدأ المساواة بين الناس والقضاء علي الفوارق الجنسية والعنصرية وجعل البشر سواسية كأسنان المشط فقال تعالي ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقد بلغت المساواة ذروتها وأن التفاضل يتم علي أساس مايقدمه لربه ولنفسه ووطنه ومجتمعه الانساني مثلما حدث في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله سلمان منا أهل البيت
الاعتصام والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام فقد نهي عن التفرق والتنازع والاختلاف وحذر من الفتن والانقسام لقوله سبحانه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال ولا تنازعوا فتفشلوا وهي دعوة للوحدة
ويضيف الدكتور أحمد شحاتة
ان الاستفادة من دروس خطبة الرسول عليه السلام في حجة الوداع يوم عرفة تقتضي الاستجابة العملية والفعلية تطبيقا
لقوله تعالي ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
ولقوله عليه السلام كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي فقيل ومن يأبي يارسول الله
قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي