مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

الدين المعاملة

البيع بالتقسيط . . وضوابطه الشرعية




البيع بالتقسيط نوع من البيع إلى أجل، حيث يتم فيه تسلم المشتري للمبيع وقت العقد، ويتأخر تسلم البائع للثمن إلى آجال معلومة يتفق عليها الطرفان، مع زيادة الثمن في مقابل الأجل، إذ كل بيع جاز إلى أجل، جاز إلى أجلين أو آجال .

 

إن جواز بيع النسيئة، وهو بيع مؤجل الثمن، يعني جواز بيع التقسيط، لأن هذا البيع ليس إلا بيعاً مؤجل الثمن غاية ما فيه أن الثمن يدفع أقساطاً، لكل قسط أجل معلوم، ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجل لأجل واحد، وثمن مؤجل لآجال متعددة .

 

والفرق الجوهري بين البيع المنجز والبيع بالتقسيط أن جزءاً من الثمن من البيع بالتقسيط أو كل الثمن، يكون ديناً على المشتري يلتزم بالوفاء به عند حلول موعد الأقساط . وإذا كان هذا البيع يعقب مديونية، فينبغي أن ننظر إليه من زاوية موقف الإسلام من الدين . فالإسلام لا يحبذ الاستدانة، والمسلم لا يلجأ إلى الدين إلا مضطراً . ولسد حاجة ضرورية أو حاجية . وعليه أن يبيت النية على السداد بقدر ما يستطيع، “فمن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله”

 

ونحب أن نقف هنا عند نقطتين، ربما يتلازمان مع البيع بالتقسيط . فما هو الموقف من المبالغة في الشراء بالتقسيط، والذي يترتب عليه ديون كثيرة، وماذا عن مطل المدين، ومحاولة التهرب من أداء ما عليه، وبذل المحاولات في سبيل التخلص من الدين بغير الوفاء؟

 

إنهما نقطتان على جانب كبير من الأهمية في حياة الناس . فأما البيع بالتقسيط فهو من البيوع الجائزة، والتي ربما تيسر لكثير من الناس الحصول على بعض ما يريدون، ولا يستطيعون الحصول عليه بإمكاناتهم الآنية، فيستعينون بإمكانات مستقبلية . ولكن السؤال عن المبالغة في الشراء بهذا الأسلوب، الأمر الذي يجعل الشخص المبالغ فيه واقعاً تحت طائلة المديونية معظم فترات حياته، ما يكاد ينتهي من الوفاء بما عليه من ثمن ما اشترى بالتقسيط، حتى يعاود شراء شيء آخر بهذا الأسلوب . والشركات الكبرى تشجع على هذا وتروج له بمختلف الأساليب التي تغري المحتاجين إلى هذه السلع، والتي يتطلعون إلى اقتنائها لكنهم لا يملكون القدرة على دفع ثمنها حالاً، فتأتى أساليب الإغراء التي تقدمها هذه الشركات، فتخلق لدى هذا الشخص حاجة إلى هذه السلع، لم يكن يفكر فيها، لو لم تكن معروضة بهذا الأسلوب، الذي لا يكلفه الآن إلا الحصول على هذه السلع من دون مقدمات وبآجال طويلة تبلغ السنين عدداً . وشبيه بهذا الأسلوب أيضاً الإغراءات التي تقدمها البنوك للحصول على قروض منها بضمان المرتب، فيقدم الناس على الحصول على هذه القروض وإنفاقها في شراء سلع وخدمات ربما لم يكونوا يفكرون فيها لو لم تتيسر أمامهم سبل القرض . ففي الحالتين تم خلق حاجة لدى المستهلكين، وعملوا على سدها بالاقتراض من البنك أو الاستدانة من الشركة التي باعت لهم بالتقسيط .

 

آداب التداين

 

وهذا النوع من البيع، الذي يعقب المديونية، ينبغي أن نطبق عليه آداب التداين في الإسلام، وأهمها في هذا الخصوص أن تكون الاستدانة لسد حاجة ضرورية أو حاجية، أما إن كانت لسد حاجة كمالية، يمكن الاستغناء عنها دون أن تشق الحياة وتصعب على المرء، فلا ينبغي له أن يمارس أسلوب الشراء بالتقسيط من الشركات التي تبيع بهذا الأسلوب، وعليه أن يتعالى عن تملك السلعة الترفية طالما أنه لا يملك القدرة على شرائها اليوم، فإن كان له قدرة على دفع القسط فليدخر هذا القسط فترة من الزمن يتجمع لديه خلالها ثمن شراء السلعة بالنقد . وعندها سيشتريها ربما بنصف السعر الذي كان سيحصل عليها به بنظام التقسيط، وربما بأقل من نصف السعر، وفى هذه الحالة تزداد رفاهيته بقدر ما وفر من الفرق بين الثمن الحال والثمن المقسط .

 

ولدينا أسلوب يلجأ إليه بعض الناس، هو أسلوب الجمعيات الذي يمثل بديلاً للشراء بالتقسيط، وإن كان لا يختلف كثيرا عن الشراء بالتقسيط بخصوص تحمل الدين، لأن الذي يقبض الجمعية يكون مديناً للآخرين بهذا المبلغ، إلا إذا حصل عليها في آخر المدة، وفي هذه الحالة تمثل ادخاراً حقيقياً . وربما كانت الفائدة من هذا الأسلوب هي في الحصول على السلعة بسعرها الحالي المخفض وليس بالسعر المقسط الذي يكون مرتفعاً كثيراً . وعلى أية حال فهي أسلوب أفضل من الشراء بالتقسيط، إذ الغالب أن الذي يملك الثمن في يده، يحاول أن يشتري به سلعة مطلوبة له، تسد حاجة ضرورية أو حاجية كما قلنا . كما يكون لديه قدرة أكبر على الاختيار بين السلع المعروضة من مختلف الشركات المتنافسة .

 

أما الحاجة الترفية أو التحسينية أو الكمالية كما نطلق عليها، فلا ينبغي أن يلجأ الإنسان من أجلها إلى الاستدانة وتحمل مخاطر الدين الذي هو همّ بالليل ومذلة بالنهار . وأخطر من ذلك وأهم منه احتمال الوفاة قبل الوفاء به، فيكون في قبره مرهوناً به حتى يؤدى عنه، أو يتنازل عنه الدائن . فهل الحصول على حاجة كمالية أو ترفية يستحق كل هذه المخاطر؟ بالقطع هو لا يستحق، والإسلام عندما جعل الدين غير مرغوب فيه إلا لسد حاجة ضرورية أو حاجية كما قلنا إنما يرشد سلوك المستهلك، ويحميه من استخدام المال فيما يعود بنفع قليل، ليخصصه لشراء ما يحقق المنافع الأكبر والتي تشبع الحاجات الضرورية، والتي لا يعيش الإنسان بغيرها أو الحاجات الحاجية التي تشق حياته وتصعب في غيبتها . إذ منافع السلعة تتحدد بشدة الحاجة إليها، فعندما تكون تسد حاجة ضرورية أو حاجية فإن منفعتها تكون أكثر مما لو استخدمت في سد حاجة كمالية

 

د . يوسف إبراهيم *

* مدير مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر

 


المصدر: مجلة الصائم
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 573 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

636,241

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه