أصدقاء الأبناء كحامل المسك أو نافخ الكير
كلنا نحب أبناءنا، ونبذل قصارى جهدنا في إسعادهم وتلبية احتياجاتهم، فنشتري لهم الثياب الجميلة، والألعاب المسلية، ونعد لهم الطعام اللذيذ، والشراب الطيب، ونهرع بهم إلى الطبيب إذا ما اشتكوا، ونختار لهم أفضل المدارس لتعليمهم، ونصحبهم إلى الحدائق والنزهات لتسليتهم، ولكننا قد نغفل عن أمر مهم يؤثر في حياتهم وسلوكهم، والذي يتمثل في اختيار أصدقائهم! فمن هم أصدقاء أبنائنا؟
وبالنظر لأهمية الصديق والصاحب في التربية والسلوك، فقد وجهنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حسن اختياره وانتقائه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) ويشير الحديث إلى اقتداء الصاحب بصاحبه، كما قال أحد الحكماء: (الصاحب ساحب) بل إن الإنسان ليعرف بصديقه وصاحبه كما تقول الحكمة (قل لي من تصاحب وأنا أقول لك من أنت) فعندما يريد الإنسان أن يزوج ابنته ويسأل عن خطيبها يفتش عن أصحابه، ويسأل من هم أصدقاؤه؟ مع من يسهر؟ مع من يسافر؟...
وإن الدارس لسيرة سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدرك بوضوح كيف غير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصحبة، وما سموا صحابة إلا لدخولهم مدرسة الصحبة، فصحبوا المعلم والمربي والمزكي يعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكي أخلاقهم وقلوبهم، ويغذي عقولهم فبدل جهلهم إلى علم، وطيشهم وقسوتهم إلى لين، وغلظتهم إلى رحمة، وتباغضهم إلى ألفة فصاروا علماء حكماء أدباء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء.
حامل المسك
فلننظر إلى من يربي أبناءنا فكم من أب صالح غفل عن أصحاب أولاده فوجدهم في السجون مع أصحاب السوء. ولنتنبه إلى أصدقائهم في المدرسة والحي وصداقة الإنترنت. وقد نبهنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نوعين من الأصدقاء كما أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً).
ولسائل أن يسأل كيف أختار أصدقاء ولدي؟ وما هي المعايير التي أميز بها حامل المسك من نافخ الكير؟ فالناس مختلفون في طبائعهم، وطرق تربيتهم، وطبيعة أعرافهم وما درجوا عليه في بيوتهم، كما قال الشاعر:
ـ الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم... لا يستوون كما لا يستوي الشجر
ـ هذا له ثمر حلو مذاقته ... وذاك ليس له طعم ولا ثمر فيمكن أن تقوم بدعوة أصدقاء أبنائك إلى بيتك، أو إلى حديقة أو نزهة، وتتعرف من خلالها على أخلاقهم وطبائعهم، وتتمكن من تنبيه ولدك إلى الصالح حامل المسك منهم فتوصيه بصحبته وصداقته، وكذلك تنبهه إلى غير الصالح نافخ الكير ليجتنبه!
وهناك العديد من الصفات في الصديق حامل المسك ذكرها علماء التربية والأخلاق، ومنها: صاحب الأخلاق الفاضلة: فاختر من أصدقاء ولدك حاضر القلب مع الله، دائم الذكر، واحذر من الغافل اللاهي الماجن، كما قال الله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) واحذر كذلك من صديق لا يهمهمن الصداقة إلا حطام الدنيا كما قال تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) واحرص على اختيار الصديق المنيب إلى ربه عز وجل كما قال تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي).
الصدق أساس الصداقة، ولعل الاشتقاق اللغوي واحد فالصداقة مشتقة من الصدق، ولهذا قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) “119”، والشاعر يحدد أوصاف صديق الصدق بقوله «إن أخاك الصدق من كان معك ... ومن يضر نفسه لينفعك»
ـ ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتت فيه شمله ليجمعك العقل صفة الصديق: فالعقل رأس المال، وقد قال الحكماء: (عدو عاقل خير من صديق جاهل) وعليك أن تحذر من الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك.
صاحب العلم
العالم الفاضل صديق ولدك: فانظر إلى المجتهد منهم والنبيه من أصدقاء ولدك، وابحث له عن عالم يربي أخلاقه، كما قال الشاعر:
فصاحب عالما تقيا تنتفع به
فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفجار لا تقربنهم
فقربهم يعدي وهذا مجرب الحكمة والاعتدال والتوسط: احذر المتشددين من أصدقاء ولدك لأنهم هالكون كما جاء في صحيح مسلم عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا) فإن المتشددين قد يأخذون ولدك إلى الفهم الخاطئ للإسلام ويوقعونه في مشابك الفتنة ويجعلونه منه عدواً لنفسه وأسرته ووطنه وأمته.
الصحبة لله تعالى: احرص أن تكون الصداقة ابتغاء وجه الله تعالى لما فيها من الأجر والصدق، فقد روى مالك عن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ).
المنفعة
فمن الناس من يصحبك لغناك فإذا افتقرت فارقك، ومنهم من يصحبك لمنصبك فإذا عزلت ولى مدبرا ولم يعقب، ومنهم من يصحبك لجاهك فإذا تغيرت الظروف هجرك، ومنهم من يصحبك لقربك فإذا ابتعدت ابتعد عنك. والشاعر يقول:
وأعز ما يبقى وداد دائم
إن المناصب لا تدوم طويلاً
التميز والهمة العالية: احذر من الكسول أن يكون صديقاً لولدك، فإن كسله وتقاعسه سوف يسري إلى ولدك، وقد قال الحكماء (لا تصحب إلا من ينفعك حاله، أو يدلك على الله مقاله) والشاعر يقول:
اغتنم صحبة الأكابر واعلم
أن في صحبة الصغار صغارا
وابغ من في يمينه لك يمن
وترى في اليسار منه اليسارا
صفات جامعة في الصديق: أوصى حكيم ولده بحسن اختيار صديقه وذكر له صفاته فقال: يا بني أصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبك زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك، اصحب من إذا مددت بدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى سيئة سدها، اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك. اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولتما أمراً أمرك، وإن تنازعتما آثرك. بقي أن نشير إلى نوع آخر من الصداقة قد تغيب عن الآباء والأمهات، ألا وهي أصدقاء الإنترنت، فقد يجلس أبناؤنا ساعات طويلة على شبكة الإنترنت يتحاورون مع أصدقاء حقيقيين أو وهميين، ويتأثرون بسلوكهم وأفكارهم، وقد يطيحون بعقيدتهم ودينهم، وقد لا يتمكن الآباء من التحكم بهذا النوع من الصداقات، والذي أراه أن تكون بيننا وبين أبنائنا صدق في الحوار، وشفافية في العلاقة، لنتمكن من غرس القيم النبيلة فيهم ليميزوا بين حامل المسك ونافخ الكير!
والأهم من ذلك أن نسعى لأنه نكون نحن أصدقاء لأبنائنا، كما قال المربون:(إذا كبر ابنك خاويه) أي آخيه وكن له صاحباً وصديقاً.
د. محمد بسام الزين