الصمت للأسف لا يسكن فقط آذانهم، ولكنه قابع بقوة في حلوقهم فأقصى ما تستطيعه حناجرهم أن تُصدر همهمات أو أصوات غير مفهومة تشبه استغاثة صادرة من شخص بداخله كل أفكار وآراء وانفعالات الإنسان، ولكنه لا يستطيع أن ينطق بحرف واحد منها.
إنها معاناة كثيرين يجاوز عددهم خمسة ملايين كما يقول لنا النبيل ربيع ـ مترجم لغة الإشارة بالمركز المصري لمترجمي الصم - الذي يعرض أمامنا لطوفان من الحرمان يغرق عالم الصم والبكم، بدءا من التعليم وحتى الثقافة والدين، والتعامل في الطريق ومع المواطنين، ويقول: التعليم في مدارسهم تجربة فاشلة. فالطلبة لا يتعلمون القراءة والكتابة، وليس أمامهم سوى مواصلة التعليم الفني إذا أرادوا، فالتعليم العام ليس متاحا لهم، والجامعي لا يناسب إلا من كانت لديه درجة من السمع والنطق، وليس متاحا له أيضا سوى الجامعة المفتوحة، ويمكنه أن يستعين بمترجم إشارة يساعده في فهم المادة العلمية ولكن على حسابه طبعا، وبصفة عامة يكون تعليم الأصم والأبكم أصعب من غيره من ذوى الاحتياجات الأخرى، لأنه يعتمد فقط على لغة الإشارة، وهنا يتطرق النبيل ربيع للمشكلة الرئيسية لدى أبناء الصمت، ألا وهي ندرة وجود القائم بالاتصال المحترف في حياتهم، فمعظم المدرسين في مدارس الصم والبكم لا يجيدون لغة الإشارة، وهذا سبب ضعف المستوى التعليمي للدارسين، وتلقى مشكلة غياب المترجم سواء كان محترفا أو غير محترف بظلالها على الخطاب الديني، فنادرا ما يوجد مترجم للغة الإشارة في المساجد أو البرامج الدينية المتعلقة بالدعوة وشرح واجبات الدين ونواهيه، ومن ناحية أخرى في الشارع والمصالح الحكومية والمؤسسات والمستشفيات يصعب دائما على الأبكم أن يجد من يفهمه كما يصعب على الآخرين أن يعرفوا ماذا يريد الأبكم؟
ولذا فالمجتمع المصري بحاجة لمساعدة هؤلاء على التقليل من معاناتهم، وليت هناك منهجا مبسطا في التعليم العادي للتعريف بأهم مفردات لغة الإشارة، أو التوعية بذلك عن طريق وسائل الإعلام،حتى يستطيع الصم والبكم أن يجدوا من يفهم أبسط احتياجاتهم في الشارع أو المواصلات.
الفارق الكبير بين عالم الصمت في مصر وفي الخارج اكتشفناه بسهولة من كلمات حسن أحمد خطاب ويعمل مرشدا سياحيا للصم والبكم، ولكنه عمل غير معترف به سوى في الخارج، لكن في مصر مازالوا يرفضون اعتماد مهنة "حسن" رغم كفاءته العالية التي جعلته يمارس هذه المهنة في دول أوروبية عديدة كالمجر وتونس وفرنسا وبلغاريا، وكيف يعتمدون مهنة مرشد سياحي للصم والبكم - على حد قوله - وهم لا يعترفون أصلا بحق هؤلاء في تنظيم رحلات سياحية وتثقيفية خاصة بهم، لكن في الخارج الوضع مختلف تماما لأن المجتمع وكذلك الدولة يوليان اهتماما كبيرا بالصم والبكم ويوفران لهم سبل التواصل مع المجتمع وثقافته وعدم الانعزال، أو الحرمان من ممارسة ما يمارسه الأصحاء ولو كان مجرد نشاط ترفيهي
ويكمل حسن بلغة الإشارة التي ترجمتها لنا زوجته أمل محمد إلى لغة الكلام: تنقصنا أشياء كثيرة، ينقصنا تعليم جيد يتيح فرص التفوق والنبوغ للأذكياء منا، نريد مترجمين يفهموننا ويفهمون لغتنا وليسوا هواة متدربين، فالإشارة بالأصابع والأيدي وتعبيرات الوجه هي طريقنا الوحيد لفهم أنفسنا وما يدور حولنا، أنا مثلا أهوى مشاهدة الأفلام والمسلسلات وأحب متابعة نشرة الأخبار، ولكن كي أفهم لابد أن يكون هناك من يترجم لي بيديه ما يقال، أجد هذا نادرا في التليفزيون المصري ونريد أن نجده كثيرا وفي كل الأوقات، باختصار نحن مظلومون لأقصى درجة، ولا نستطيع التعبير عن مشاعرنا ولا نجد في الشارع من يفهمنا، بل ربما وجدنا من يضحك أو يسخر من طريقتنا. الحياة في عالم الصمت صعبة جدا ولذا لا نريد أن تزيدوا علينا صعوبتها، بل أعينونا على تحمل قسوتها.
المصدر: لأهرام اليومى
بقلم: علا مصطفى عامر
نشرت فى 14 يناير 2013
بواسطة bawabtalamal
نادية محمد محمد باشا
ودائما نقول لذوى الاحتياجات الخاصة من أنت فيجيب إنا لست نكــرة أو صفحـة مطوية في ذاكرة النســـيان .......... أنا طه حسين وروزفلت وبيتهوفن الفنان. أنا من تخطى صعاب الحياة ومشى قدماً لتنمية العمران ... »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
50,357
ساحة النقاش