الأصل أن حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق العامة التي تثبت للكافة وأنه لا يترتب عليه المساءلة بالتعويض .
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 402
جلسة 8 من أبريل سنة 1968
برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.
(76)
الطعن رقم 289 لسنة 38 القضائية
(أ، ب) حق التقاضي. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. تعويض. ضرر. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) حق الالتجاء إلى القضاء. طبيعته وحدوده؟
(ب) تقدير ثبوت الضرر الناشئ عن إساءة استعمال هذا الحق. موضوعي.
(ج) دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". دعوى مباشرة.
عدم تقيد المحكمة الجنائية بطلبات المدعي المدني رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى.
(د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير المستندات". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه. موضوعي.
(هـ، و، ز) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(هـ) عدم التزام المحكمة بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان.
(و) متى يصح للمحكمة القضاء بالبراءة؟
(ز) عدم التزام المحكمة في حالة الحكم بالبراءة الرد على كل دليل من أدلة الثبوت.
(ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة استئنافية.
إيراد الحكم الاستئنافي أسباباً جديدة لقضائه وأخذه بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه. مفاده: أخذه بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه.
1 - الأصل أن حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق العامة التي تثبت للكافة وأنه لا يترتب عليه المساءلة بالتعويض إلا إذا ثبت أن من باشر هذا الحق قد انحرف به عما وضع له واستعمله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير سواء اقترن هذا القصد بنية جلب المنفعة لنفسه أو لم تقترن به تلك النية طالما أنه كان يستهدف بدعواه مضارة خصمه.
2 - تقدير ثبوت الضرر أو عدم ثبوته من المسائل الموضوعية التي تدخل في حدود سلطة محكمة الموضوع بغير معقب.
3 - لا تتقيد المحكمة الجنائية بطلبات المدعي بالحقوق المدنية رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى.
4 - تفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه من سلطة محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه ما دامت عباراته وسائر ما استعانت به المحكمة في تفسيرها له وما كونت به اقتناعها يؤدي إلى ما انتهت إليه وله مأخذه الصحيح من الأوراق.
5 - لا تلتزم المحكمة بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان.
6 - يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
7 - لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام إذ أنها غير ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات، ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده.
8 - من المقرر أنه إذا كان الحكم الاستئنافي قد أورد أسباباً جديدة لقضائه وأخذ بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه، فإن ذلك يكون مفاده أنه يأخذ بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه.
الوقائع
أقام المدعي بالحق المدني دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح قصر النيل الجزئية ضد المتهم متهماً إياه بأنه في 15 يناير سنة 1965 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: اختلس مبلغ 500 ج بموجب شيك رقم 343472 على بنك الإسكندرية فرع شريف الصادر من شركة أنيس الشرقية دون أن يورد قيمته. وطلب عقابه بالمادتين 311 و341 من قانون العقوبات مع إلزامه أن يدفع له مبلغ 500 ج على سبيل التعويض. وفي أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة أقام المتهم دعوى فرعية ضد المدعي المدني بسبب ما لحقه من جراء رفع الدعوى المباشرة عليه وطلب إلزامه أن يدفع مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت ثم قضت حضورياً بتاريخ 20/ 12/ 1965 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. (أولاً) ببراءة المتهم مما أسند إليه بلا مصروفات جنائية (ثانياً) برفض الدعوى المدنية قبله وإلزام المدعي المدني مصروفاتها (ثالثاً) إلزام المدعي المدني أن يؤدي إلى المتهم مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم، كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 5 فبراير سنة 1967 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع (أولاً) بتأييد الحكم المستأنف فيما قضي به من براءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله وألزمت المدعي بالحق المدني المصروفات المدنية. (وثانياً) إلغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من إلزام المدعي بالحق المدني بتعويض قدره 51 ج وألزمت المتهم المصروفات المدنية عن الدرجتين. فطعن وكيلا المدعي بالحق المدني والمتهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
أولاً - عن الطعن المقدم من المدعي بالحقوق المدنية:
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول بأن المحكمة الاستئنافية أعرضت عن دفاعه القانوني والموضوعي الذي قدم إليها والمؤيد بالمستندات وذلك على الرغم من جوهريته ولم تعرض لتهمة الاختلاس التي أغفلتها محكمة أول درجة وأيدت قضاء هذه الأخيرة للأسباب التي بني عليها مع أنها تضمنت ذكر المستندات الدالة على حق الطاعن في مبلغ الخمسمائة جنيه التي صرفها المطعون ضده بموجب الشيك الصادر من شركة أنيس الشرقية ثم خلصت إلى نقيض ما دلت عليه تلك المستندات من أن الشركة المذكورة قد وكلت عنها المطعون ضده وحده استناداً إلى أن المحامين كانوا يحضرون عنه وأنه يعد اعتزاله المهنة حضر محام آخر عن الشركة المذكورة في حين أن الطاعن والمطعون ضده كانا وكيلين عن الشركة وحضور أحدهما لا يعني اختصاصه بالتوكيل وحضور محام آخر لا يفيد إنهاء توكيل الطاعن لما للموكل من حق في توكيل أكثر من محام عنه. هذا ولم تفطن محكمة ثاني درجة إلى المستند المقدم لها والخاص بالخطاب الصادر من بنك الإسكندرية الدال على صرف المطعون ضده لمبلغ الخمسمائة جنيه المشار إليها في 24/ 1/ 1965 وكذا إلى المستندات الأخرى الدالة على أن المبلغ المذكور يمثل أتعاباً للمكتب ومن ثم ينهار الأساس الذي قام عليه قضاء محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه مما يعيب هذا الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن بشأن إعراض الحكم المطعون فيه عن دفاعه القانوني والموضوعي فمردود بأنه لم يبين ماهية هذا الدفاع لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناوله بالرد من عدمه وهل كان الدفاع جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم رداً. أما ما يثيره بشأن إغفال تهمة الاختلاس فمردود بأن المحكمة الجنائية غير مقيدة بطلبات المدعي بالحقوق المدنية رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى. ولما كانت هذه الواقعة كما صار إثباتها في الحكم لا تتوافر فيها أركان جريمة السرقة التي استبعدتها المحكمة لما ارتأته بحق من أن تسليم الشيء إلى الجاني يمنع من الاختلاس كركن من أركان جريمة السرقة، وما دامت المحكمة الاستئنافية قد أقرت أسباب حكم محكمة أول درجة في هذا الصدد فإن هذا ما يتضمن بذاته الرد على ما أثاره الطاعن حول الوصف القانوني بما يدل على إطراحه فضلاً عن أن المحكمة لم تكن ملزمة بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان.
لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على الأوراق أن محكمة أول درجة قد محصت جوانب الدعوى وأحاطت بظروفها وبالأدلة التي قام الاتهام عليها ووازنت بينها وبين أدلة النفي فداخلتها الريبة في عناصر الإثبات وانتهت إلى عدم إدانة المطعون ضده، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه بما أخذ به من أسباب حكم محكمة أول درجة قد استند في نفي التهمة عن المطعون ضده إلى أن العلاقة بينه وبين شركة أنيس كانت ثنائية وأن التوكيل وإن صدر له وللمدعي بالحقوق المدنية إلا إنه كان هو المعنى به وحده وذلك استناداً إلى عناصر سائغة وصحيحة اقتنع به وجدانه وهي مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان تفسير سند التوكيل وتعرف حدوده وحقيقة معناه من سلطة محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه ما دامت عبارته وسائر ما استعانت به المحكمة في تفسيرها له وما كونت به اقتناعها يؤدي إلى ما انتهت إليه وله مأخذه الصحيح من الأوراق وهو ما لا يماري فيه الطاعن، وكان من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الحكم قد بين أسانيد البراءة ورفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده بما يحمل قضاءه، وكان لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام إذ أنها غير ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده. لما كان ذلك، وكان بقية ما يثيره الطاعن في وجه طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ثانياً - عن الطعن المقدم من المتهم:
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ والتناقض في التسبيب، ذلك بأنه اعتنق أسباب الحكم الابتدائي الذي سجل أن اتهام الطاعن لا سند له من الواقع وأن الدعوى حركت قبله دون ترو، ثم تناقض مع هذا الذي أصبح جزءاً من أسبابه حين قال بأنه لا تثريب على المدعي بالحقوق المدنية فيما فعل لأن الالتجاء إلى القضاء حق للكافة متغاضياً عما قررته المادة 267 من قانون الإجراءات الجنائية من أن للمتهم أن يطالب المدعي بالحقوق المدنية بتعويض الضرر الذي لحقه بسبب رفع الدعوى المدنية إذا كان لذلك وجه كما هو الحال في الدعوى، وقد فات الحكم المطعون فيه أنه يناقش ما قام عليه الحكم الابتدائي من إثبات توافر الضرر الأدبي الذي لحق الطاعن في ذمته مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الأصل أن حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق العامة التي تثبت للكافة وأنه لا تترتب عليه المساءلة بالتعويض إلا إذا ثبت أن من باشر هذا الحق قد انحرف به عما وضع له واستعمله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير سواء اقترن هذا القصد بنية جلب المنفعة لنفسه أو لم تقترن به تلك النية طالما أنه كان يستهدف بدعواه مضارة خصمه. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بني قضاءه على أن المدعي بالحقوق المدنية قد رفع دعواه المباشرة في حدود استعماله المشروع لحقه في التقاضي دون أن ينحرف في استعمال هذا الحق وأنه لم يثبت أن الطاعن قد أصيب بضرر من جراء ذلك، وكان تقدير ثبوت الضرر أو عدم ثبوته من المسائل الموضوعية التي تدخل في حدود سلطة محكمة الموضوع بغير معقب، وكان النعي بالتناقض مردوداً بما هو مقرر من أنه إذا كان الحكم الاستئنافي قد أورد أسباباً جديدة لقضائه وأخذ بأسباب الحكم المستأنف كأسباب مكملة لحكمه فإن ذلك يكون مفاده أنه يأخذ بها فيما لا يتعارض مع الأسباب التي أنشأها لنفسه، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إنه لما سلف يكون الطعنان على غير أساس ويتعين رفضهما موضوعاً مع إلزام كل من الطاعنين مصاريف دعواه المدنية والمقاصة في أتعاب المحاماة.
ساحة النقاش