موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

الغرامة التهديدية. طبيعتها: تهديدية وليست تعويضية. ورودها في القيود الدفترية للمنشأة. لا يغير من طبيعتها.

الحكم كاملاً

أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1056

جلسة 13 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين. إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى الأسيوطي.

(208)
الطعن رقم 1275 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) أمر بأن لا وجه. "حجيته". قوة الأمر المقضي. حكم. "حجيته". دعوى جنائية. "نظرها". دفوع. "الدفع بسبق صدور أمر بأن لا وجه". إثبات. "قوة الأمر المقضي". نظام عام. نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
( أ ) صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى. يمنع من نظرها. ما دام الأمر قائماً.
الدفع بسبق صدور أمر بأن لا وجه. من النظام العام. جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. شرط ذلك؟
(ب) صدور الأمر بأن لا وجه بناء على أسباب عينية. اكتسابه قوة الأمر المقضي بالنسبة لجميع المتهمين في الدعوى التي صدر فيها. بعكس الحال لو أن الأمر كان مبنياً على أحوال خاصة بأحد المتهمين. علة ما تقدم؟
(ج، د) غرامة تهديدية. "طبيعتها". تعويض. إضرار عمد. جريمة. " "أركانها". قصد جنائي. إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(ج) الغرامة التهديدية. طبيعتها: تهديدية وليست تعويضية. ورودها في القيود الدفترية للمنشأة. لا يغير من طبيعتها.
وجوب تثبت الحكم من وقوع الضرر في جريمة الإضرار العمد.
(د) أركان جريمة المادة 116 مكرراً ( أ ) عقوبات؟ عدم تحققها مع قيام الاحتمال على أي وجه.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". إضرار عمد. رشوة. ارتباط. عقوبة. "تطبيقها".
تطبيق المادة 32 عقوبات. لا يبرر خطأ الحكم في الاستدلال. ما دام الخطأ قد شمل الحكم كله.
(و، ز، ح) إثبات. "شهادة. اعتراف". إكراه. تحقيق. نيابة عامة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محاماة.
(و) عدم التعويل على أقاويل جاءت وليدة تعذيب أو إكراه أياً كان قدره. ولو طابقت هذه الأقاويل الحقيقة.
(ز) حضور المحامي التحقيق. لا ينفي حصول وقائع التعذيب.
(ح) خلو الحكم من بيان أسماء الشهود الذين عول عليهم في الإدانة وكيف طابقت شهادتهم بالتحقيقات ما شهدوا به في الجلسة. يعيب الحكم.
1 - يبين من نصوص المواد 197، 209، 213 من قانون الإجراءات الجنائية أنه ما دام الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر من إحدى جهات التحقيق، فلا يجوز مع بقائه قائماً لعدم ظهور أدلة جديدة إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التي صدر فيها، لأن له في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي، وهذا يجعل الدفع بسبق صدوره من أخص خصائص النظام العام، جائزاً إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون مدونات الحكم شاهدة لصحته أو مرشحة لذلك.
2 - متى صدر الأمر بعدم وجود وجه بناء على أسباب عينية مثل أن الجريمة لم تقع أصلاً، أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون، فإنه يكتسب - كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين فيها، ويتعدى نطاقه إليهم بطريق اللزوم وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة والأثر العيني للأمر وكذلك قوة الأثر القانوني للارتباط بين المتهمين في الجريمة، فضلاً عن أن شعور العدالة في الجماعة يتأذى حتماً من المغايرة بين مصائر المساهمين في جريمة واحدة ومن التناقض الذي يتصور أن يقع في الأمر الواحد، إذا صدر بأن لا وجه بالنسبة لأحد المتهمين وبالإحالة بالنسبة لغيره مع اتحاد العلة، ولا كذلك إذا كان الأمر مبنياً على أحوال خاصة بأحد المساهمين دون الآخرين، فإنه لا يجوز حجية إلا في حق من صدر لصالحه.
3 - إن الغرامة التهديدية كما يدل عليه اسمها وتقتضيه طبيعتها هي - كالإكراه البدني - ليس فيها أي معنى من المعاني الملحوظة في العقوبة. كما أنه ليس فيها معنى التعويض عن الضرر وإنما الغرض منها هو إجبار المدين على تنفيذ التزامه على الوجه الأكمل، وهي لا تدور مع الضرر وجوداً وعدماً ولا يعتبر التجاوز عنها في ذاته تجاوزاً بالضرورة عن ضرر حاصل أو تنازلاً عن تعويض الضرر بعد استحقاقه خصوصاً إذا اقتضى عدم التمسك بها دواعي العدالة أو دوافع المصلحة كما أن ورودها في القيود الدفترية الحسابية للمنشأة لا يغير من طبيعتها التهديدية لا التعويضية هذه، وذلك للعلة المتقدمة، ولأن من القيود الدفترية ما هو حسابات نظامية بحت لا تمثل ديوناً حقيقية، ومنها ما هو عن ديون تحت التسوية والمراجعة. وإذ كان ذلك، وكانت الجريمة المسندة إلى المتهم هي الإضرار بمصالح الجهة صاحبة الحق في التمسك بالغرامة التهديدية، تعين ابتداء أن يثبت الحكم وقوع الضرر بما ينحسم به أمره، لأنه لا يستفاد بقوة الأشياء من مجرد عدم التمسك بإيقاع تلك الغرامة، ولا يستفاد كذلك بإدراج مبلغها في دفاتر المنشأة، وذلك كله بفرض أن المتهم صاحب الشأن في إيقاعها أو التنازل عن التمسك بها.
4 - يبين من نص المادة 116 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات ومن مقارنته بنص المادة 115 من القانون المذكور ومن المذكرة الإيضاحية المصاحبة له أن جريمة المادة 116 المذكورة تتطلب لقيامها تحقق الضرر سواء في الواقع أو في قصد الفاعل، وأن مجرد الاحتمال على أي وجه ولو كان راجحاً لا تتوافر به تلك الجريمة في أي من ركنيها والترجيح بين المصالح المتعارضة - مصلحة الشركة التي يديرها الطاعن - في التمسك بإيقاع الغرامة التهديدية، ومصلحتها في سير عملها وانتظامه، واختيار أخف الأمرين وأهون الضررين، لا يتحقق به الضرر المقصود في القانون أو القصد المعتبر الملابس للفعل المادي المكون للجريمة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ خاض في تقريراته دون التفات إلى ما يشهد من مدوناته لحقيقة الواقع المطابق لصحيح القانون وعلى الأخص شهادة الوزير المختص وفحوى المذكرة المقدمة منه، يكون معيباً.
5 - إذا كان الحكم قد اتخذ من جريمة الإضرار دليلاً على جرائم الارتشاء وركناً فيها بناء على أن مبالغها هي مقابل الإخلال العمدي بمقتضيات الوظيفة الذي يتمثل في الإضرار بمصالح الجهة التي يعمل بها، وكان الحكم قد أخطأ في الاستدلال في جريمة الإضرار، فإن الخطأ يشمل استدلال الحكم كله بما يعيبه ويوفر المصلحة في التمسك بأوجه الطعن المتعلقة بجريمة الإضرار دون أن يحاج الطاعن بتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى التهم جميعاً وإيقاع عقوبة واحدة مقررة لأيها.
6 - إذا كانت وقائع التعذيب قد حصلت فعلاً، تعين إطراح الأقاويل التي جاءت على ألسنة الشهود والمستجوبين الذين خضعوا لهذا التعذيب بأي وجه، ولا يصح التعويل على هذه الأقاويل ولو كانت صادقة مطابقة للواقع، متى كانت وليدة تعذيب أو إكراه أياً كان قدره من الضؤولة، أما إذا كانت وقائع التعذيب لم تحصل صح الأخذ بتلك الأقاويل.
7 - إن حضور محامين في تحقيق تجرية النيابة العامة في الثكنات التي شهدت وقائع التعذيب، لا ينفي أنها وقعت.
8 - إذ كان الحكم لم يبين أسماء الشهود الذين عول عليهم في الإدانة وكيف طابقت شهادتهم - المدعي أنها وليدة التعذيب - في التحقيقات ما شهدوا به في الجلسة، خصوصاً أن أحد هؤلاء الشهود شهد في الجلسة بما قد ينفي جريمة الرشوة عن المتهم، بينما جاءت شهادته في التحقيقات - حسبما سطره الحكم - نصاً صريحاً في إفادتها، فإنه يكون معيباً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال المدة من شهر سبتمبر سنة 1962 حتى نهاية عام 1963 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية (أولاً) بصفته العضو المنتدب لمجلس إدارة شركة مخازن البوند المصرية المملوكة للدولة وباعتباره في حكم الموظف العام طلب لنفسه وأخذ على سبيل الرشوة من محمد عبد العال علي عدة مبالغ على دفعات بعضها بالدولارات وبعضها بالعملة المصرية وجملتها ما يوازي خمسة آلاف جنيه وذلك بوصف محمد عبد العال علي مقاولاً متعاقداً مع الشركة على القيام بأعمال شحن وتفريغ المواد التموينية وكان مقابل الرشوة الإخلال ببعض واجبات وظيفية بأن يسند إلى المقاول المذكور بعض المقاولات دون إتباع الإجراءات القانونية (عملية شحن الفول المعد للتصدير وعملية حفظ الحبوب في صومعة المكس) وبأسعار تتجاوز الأسعار المتعارف عليها وليصرف له مقدماً دون خصم الغرامات الموقعة عليه مبالغ تحت حساب عمليات شحن وتفريغ لم تتم مخالفاً بذلك نصوص العقد المبرم بينه وبين الشركة وليعمل من جهة أخرى على أن ترفع عن المقاول الغرامات الموقعة عليه من وزارة التموين نتيجة إخلاله بالالتزامات التي يفرضها عليه هذا التعاقد (ثانياً) بصفته سالفة الذكر طلب لنفسه وأخذ مبلغ 200 دولار من المقاول محمود محمد عبد العال على سبيل الرشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته هو تسهيل صرف مستحقات المقاول المذكور عن الأعمال التي تعاقد عليها مع الشركة (ثالثاً) بصفته سالفة الذكر طلب لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن اشترط على حنفي محمد فرهود أن يدفع عمولة مقدارها 10% من قيمة كل فاتورة تصرف للمقاول المذكور نظير إسناد بعض عمليات الشحن والتفريغ له (رابعاً) بصفته المذكورة أيضاً أحدث عمداً ضرراً بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها بأن دأب على مخالفته نصوص العقد المبرم بين الشركة وبين محمد عبد العال علي وأمر بعدم خصم الغرامات وبأن يصرف مقدماً مبالغ لمحمد عبد العال علي متجاوز استحقاقاته الفعلية الأمر الذي أدى إلى حصوله بغير وجه حق على المبالغ المبينة بتقرير اللجنة الفنية وقدرها 40503 جنيهات وضياع هذا المبلغ على الدولة وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و104 و110 و111 و112 مكرراً "أ" فقرة أولى و118 و119 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 103 و104 و107 و110 و111/ 6 و116 مكرراً "أ" فقرة أولى و119 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32 و17 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه ألفين من الجنيهات ومصادرة جميع المبالغ موضوع الرشوة. فطعن المحامي الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بتهمة الإضرار العمد بمصالح الجهة التي يعمل بها وتهم الارتشاء، قد انطوى على الفساد في الاستدلال وشابه القصور في التسبيب وبني على الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه دفع بعدم جواز التعويل على الأقوال التي أبداها الأشخاص الذين اتخذت شهادتهم من بعد دليلاً عليه نظراً لحالة الفزع والإكراه والضغط التي لابست التحقيقات إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا ينفيه، كما خالف المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية إذ قبل سماع الدعوى الجنائية عن جريمة الإضرار العمد على الرغم من أن قرار الإحالة الذي طرح الدعوى على محكمة الجنايات وحدد الوقائع المعروضة عليها استبعد الضرر بالنسبة إلى الشريك في الجريمة لعدم ثبوته فلا يجوز للمحكمة أن تدين المتهم بوصفه فاعلاً عن ذات الواقعة المادية التي استبعدها، لأنها حينئذ تكون قد تصدت لما لا ولاية لها بنظره، وخالفت حجية الأمر بأن لا وجه، هذا إلى أن الحكم إذ ساءل الطاعن عن جريمة الإضرار المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات لم يتفطن إلى أنها جريمة عمديه تتطلب فوق وقوع الضرر بالفعل أن يكون قصد الفاعل في إيقاعه محققاً احتمالياً، كما عول في إدانته بالرشوة على أقوال الشهود على الرغم من تناقضها، وخلوها من التحديد لما وقر في ذهن المحكمة سلفاً من ثبوت واقعة الإضرار العمدي وقضى بمصادرة مبلغ الرشوة المدعي بها مع أنه لم يضبط مما يدل على أن المحكمة ليس لديها فكرة واضحة عن الواقعة ومعالمها، ولهذه الصلة الوثيقة التي لا تنفصم في منطق الحكم بين واقعة الإضرار ووقائع الرشوة، فإن استدلال الحكم كله يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد ما جاء في المحضر رقم 1 لسنة 1965 حصر تحقيق نيابة غرب الإسكندرية الذي طلب الدفاع عن الطاعن ضمه لما تضمنه من وقائع التعذيب والإكراه التي تعرض لها الأشخاص الذين سئلوا في ثكنات "مصطفى كامل" بمعرفة المباحث العسكرية قال ما نصه: "وحيث إنه وإن كانت المحكمة قد أمرت بضم المحضر الإداري الخاص بواقعة شروع "محمد يحيى رضوان" في الانتحار وما جاء في ذلك المحضر على لسان المستجوبين بأن التحقيقات أجريت في بادئ الأمر في مقر المباحث العسكرية على أن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة قد اتضح منها أن محامين حضروا فيها ساعة استجواب موكليهم بل كان منهم من صرح له بمناقشة الشاهد حتى يقول وفي حرية ولهذا تطمئن المحكمة إلى التحقيقات وما ورد فيها معبراً عن الحقيقة والواقع. وقد شهد الشهود بمضمون تلك الشهادات أمام هذه المحكمة بما يطمئن إلى صدق أقوالهم" وهذا الذي ذكره الحكم لا يصلح رداً على ما دفع به الطاعن من حصول الإكراه، لأنه لم يبين ما إذا كانت وقائع التعذيب قد حصلت فعلاً أم لا، فإذا كانت الأولى، تعين إطراح الأقاويل التي جاءت على ألسنة الشهود والمستجوبين الذين خضعوا له بأي وجه لأنه لا يصلح التعويل على هذه الأقاويل ولو كانت صادقة مطابقة لحقيقة الواقع متى كانت وليدة تعذيب أو إكراه أياً كان قدره من الضؤولة أما إذا كانت الثانية صح الأخذ بها. كما أن حضور محامين في تحقيق النيابة العامة في الثكنات التي شهدت وقائع التعذيب لا ينفي أنها وقعت ولم يبين الحكم أسماء هؤلاء الشهود الذين عول عليهم في الإدانة.
وكيف طابقت شهادتهم في التحقيقات ما شهدوا به في جلسة المحاكمة، خصوصاً أن أحدهم وهو "محمد عبد المنعم زغلول" شهد في جلسة 3 من مايو سنة 1969 بما قد ينفي جريمة الرشوة عن الطاعن بينما جاءت شهادته في التحقيقات - حسبما سطره الحكم - نصاً صريحاً في إفادتها. هذا ويبين من نصوص المواد 197 و209 و213 من قانون الإجراءات الجنائية أنه ما دام الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر من إحدى جهات التحقيق، فلا يجوز مع بقائه قائماً لعدم ظهور أدلة جديدة إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي وهذا يجعل الدفع بسبق صدوره من أخص خصائص النظام العام جائزاً إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون مدونات الحكم شاهدة لصحته أو مرشحة لذلك. ومتى صدر الأمر بعدم وجود وجه بناء على أسباب عينية مثل أن الجريمة لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون فإنه يكتسب - كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين فيها، ويتعدى نطاقه إليهم بطريق اللزوم وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة وقوة الأثر العيني للأمر، وكذلك قوة الأثر القانوني للارتباط بين المتهمين في الجريمة فضلاً عن أن شعور العدالة في الجماعة يتأذى حتماً من المغايرة بين مصائر المساهمين في جريمة واحدة ومن التناقض الذي يتصور أن يقع في الأمر الواحد إذا صدر بأن لا وجه بالنسبة لأحد المتهمين، وبالإحالة بالنسبة لغيره مع اتحاد العلة ولا كذلك إذا كان الأمر مبنياً على أحوال خاصة بأحد المساهمين دون الآخرين فإنه لا يجوز الحجية إلا في حق من صدر لصالحه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه على الرغم مما دفع به الطاعن قد قضى بما يخالف النظر المتقدم فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه، وفوق ذلك فإن المادة 116 مكرراً "أ" من قانون العقوبات قد نصت على معاقبة كل موظف عمومي أو من في حكمه أحدث عمداً ضرراً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه. وبين من هذا النص ومن مقارنته بنص المادة 115 من القانون المذكور ومن المذكرة الإيضاحية المصاحبة له أن الجريمة تتطلب لقيامها تحقق الضرر سواء في الواقع أو في قصد الفاعل وأن مجرد الاحتمال على أي وجه ولو كان راجحاً لا تتوافر به تلك الجريمة في أي من ركنيها والترجيح بين المصالح المتعارضة - مصلحة الشركة التي يديرها الطاعن - في التمسك بإيقاع الغرامة التهديدية، ومصلحتها في سير عملها وانتظامه، واختيار أخف الأمرين وأهون الضررين لا يتحقق به الضرر المقصود في القانون، أو القصد المعتبر الملابس للفعل العادي المكون للجريمة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ خاض في تقريراته دون التفات إلى ما يشهد من مدوناته لحقيقة الواقع المطابق لصحيح القانون وعلى الأخص شهادة الوزير المختص وفحوى المذكرة المقدمة منه يكون معيباً، هذا بالإضافة إلى أن الغرامة التهديدية كما يدل عليه اسمها وتقتضيه طبيعتها هي - كالإكراه البدني - ليس فيها أي معنى من المعاني الملحوظة في العقوبة كما أنه ليس فيها معنى التعويض عن الضرر وإنما الغرض منها هو إجبار المدين على تنفيذ التزامه على الوجه الأكمل وهي لا تدور مع الضرر وجوداً وعدماً ولا يعتبر التجاوز عنها في ذاته تجاوزاً بالضرورة عن ضرر حاصل أو تنازلاً عن تعويض الضرر بعد استحقاقه خصوصاً إذا اقتضى عدم التمسك بها دواعي العدالة أو دوافع المصلحة كما أن ورودها في القيود الدفترية الحسابية للمنشأة التي يديرها الطاعن لا يغير من طبيعتها التهديدية لا التعويضية هذه وذلك للعلة المتقدمة ولأن من القيود الدفترية ما هو حسابات نظامية بحت لا تمثل ديوناً حقيقية ومنها ما هو عن ديون تحت التسوية والمراجعة. ولما كانت الجريمة هي الإضرار بمصالح الجهة صاحبة الحق في التمسك بالغرامة التهديدية، تعين ابتداء أن يثبت الحكم وقوع الضرر بما ينحسم به أمره لأنه لا يستفاد بقوة الأشياء من مجرد عدم التمسك بإيقاع تلك الغرامة ولا يستفاد كذلك بإدراج مبلغها في دفاتر المنشأة وذلك كله بفرض أن الطاعن صاحب الشأن في إيقاعها أو التنازل عن التمسك بها. لما كان ذلك، وكان الحكم لم يلتفت إلى الأنظار المتقدمة على الرغم من وردود أسانيدها في مدوناته حسبما تقدم، وكان قد اتخذ من جريمة الإضرار دليلاً على جرائم الارتشاء وركناً فيها بناء على أن مبالغها هي مقابل الإخلال العمدي بمقتضيات الوظيفة الذي يتمثل في الإضرار بمصالح الجهة التي يعمل بها، فإن الخطأ يشمل استدلال الحكم كله بما يعيبه ويوفر المصلحة في التمسك بأوجه الطعن المتعلقة بجريمة الإضرار دون أن يحاج الطاعن بتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى التهم جميعاً وإيقاع عقوبة واحدة مقررة لأيها. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب النقض والإحالة. ومن ثم فلا جدوى من تصويب الحكم بإلغاء ما قضى به من المصادرة في جريمة الرشوة مع أنه لم يضبط مبلغها.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 26 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,164,378

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »