موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

آخر لحظة

 

داخل حجرة نومه، أمتدت أصابع خالد الضبع ووضعها برفق فوق كتف زوجته، وحبه الوحيد، وهمس في أذنها بكل حب: حبيبتي مش ممكن دلوقتى نـ........

ردت عليه بغضب، وعنف: نـ أيه.. أن شاء الله........ ما هو أنت لسه راجع دلوقتى، وخدامتك قاعدة مستنيه حضرتك، تأكل وتشرب وكمان أيه؟ وكمان أيه يا سيادة العظيم؟.

رد (خالد الضبع) على زوجته (هناء سعيد) قائلا: أسلوبك أصبح سئ، مفيش مرة أكلمك فيها إلا لما تكلميني بأسلوب وحش، وتمنعي نفسك عنى، وأنت عارفة أنى بحبك، وما أريده منك حق من حقوقي اللي ربنا قال عليها، ووصى بها الرسول ×.

ردت هناء بصوت مرتفع: حقوق أيه يا أبو حقوق..... بتتكلم وكأنك بتديني كل حقوقي...... فين أنت طوال النهار والليل.... كان يوم أسود يوم ما اتجوزتك.. قال حتجوز ضابط قال..... كانت شوره سوده، وجوازة مهببة.

قال خالد: أنا مكدبتش عليك من يوم ما اتجوزتك، وقلت لك على طبيعة شغلي.

تقاطعه قائلة: خاصة جدًا ليل ونهار بره... مفيش أجازة، مفيش مصيف مفيش سهر مفيش أي حاجة، وأنت معايا، يرن التليفون فجأة تلبس هدومك، وتأخذ سلاحك، وتجرى لا أنا عارفة شغل، ولا حاجة تانية.

يبتسم خالد، ويقول: عمر ما فيه حاجة تانية تبعدني عنك غير شغلى وأنت عارفة أنى ضابط امن دولة، والشغل عندنا لا ليه زمان ولا مكان.... وأنت عارفة أنى بحب شغلي جداً، وبحبك كمان.

تقاطعه قائلة: بتحب شغلك ده عرفاه، ومتأكدة منه، لكن حبك ليه ده شئ مشكوك فيه حتى بنتك دى، ولا ليها عندك اى حقوق.... حسبى الله ونعم الوكيل فيك..... أمتى أستريح من وشك.

يبدأ الانفعال على وجه خالد، ويتماسك قائلاً: ده بدل ما تقولي كلام كويس وتدعي لي علشان ربنا يوفقنى.....

هناء ساخرة: ربنا يوفقك، هوه أنت ناقص توفيق من عند ربنا، بتطلع أول دفعتك، وترقياتك ماشيه زى الصاروخ، ناقصك أيه، ده زملاء دفعتك بيحسدوك على ترقياتك قبلهم، وحاسة إنهم بيحقدوا عليك، ويكرهوك زى بالضبط.

خالد: زيك بالضبط.

ترد عليه هناء بكل ضغط على الكلمات: ايوة زى بالضبط، كل زمايلك بيهربوا من الشغل، الوحيد اللي تليفونه شغال وبينفذ أوامر القادة بتوعه على طول أنت محدش في زملائك، بيعمل اللي أنت بتعمله، تخلص العملية من هنا، وتتحايل على رؤسائك، يدوك مهمة ثانية، بسرعة مش عارفة فيه أيه......

خالد: مش عارفة فيه أيه.... أنا عارف أن عمري قصير، ولازم أحقق كل احلامى، وأكون خادم للوطن، وطنا تدبر له المكائد ليل نهار لتدميره.

تقاطعه بعنف: وطن آه من الكلام الكبير... وطن أيه تقدر تقولي معاك كام من الوطن، ده لولا أنا بوفر من فلوسك القليلة مكناش عرفنا نعيش، من يوم ما شوفتك معرفتش يوم هنا ورتني الذل والجوع، روح يا شيخ في داهية من وشى.

خالد: أنت عارفه لو واحده ثانية غيرك تقول لي الكلام ده كان حيبقى لي معاها تصرف تانى، لكن مشكلتي أنى بحبك انتى وابنتي الوحيدة أمل.

تنظر إليه ببرود، وتقول: كنت حتعمل أيه حتضربنى، ولا حتطلقنى، ياريت تخلى عندك دم، وتطلقني علشان أستريح منك ومن قرفك.... أنا غلطانة أنى ما سمعتش كلام  ماما، قالت لي حيوريكي الفقر، وانتى عايشه معاه،  شوف زملاءك عملوا أيه اللي راح هنا، واللي راح هناك وأصبحوا أصحاب عمارات، وأنت زى ما أنت، وعاوزنى بعد كده أمتعك، واديك جسدى، لا ده بعدك مش حتلمس شعره منى من النهارده، طول ما أنا عايشه.... زى ما بتدوقنى الذل والفقر،أنا هدوقك الحرمان.

رد خالد عليها لكي يمتص غضبها: يعنى لما أحب أمارس حقى الشرعى أعمل أيه؟ أروح اعمل أيه، امشي مع واحدة تانية.

تضحك هناء: روح وريني مين دي اللي حترضى تبص لك... هوه  فيه جارية في الزمن ده تستنى إشارتك يا سى السيد.

نظر إليها خالد، وعينيه يملأهما، ومضه خفيفة: أنت عارفة  أنى  عمرى ما عملت حاجة تغضب ربنا وماشى بالحلال.

تقاطعه بصوتها العالي: أوف، سورة الحلال، يا سيدنا ريحنى بقى منك يارب تموت وتريحني.

يتحدث خالد بهدوء: يا هناء أنت مش عارفة أن ربنا حيكون غضبان عليكى لو مريحتيش جوزك..... يعنى.....

تقاطعه بانفعال قائلة: مفيش فايدة من الكلام ده.... ولعلمك ده عهد عاهدت نفسي عليه، وماما كمان موافقة على كده، وقالت لي بالحرف لا تبقى بنتى، ولا أعرفك، واخصامك ليوم الدين لو سمعت كلامك.... وأنا بحب ماما قوى، ولا يمكن اكسر كلامها، عمرك ما حتلمسنى يا باشا..... ماشى يا باشا.

يتحدث إليها خالد، وبكل هدوء: يعنى أنا أكلمك عن ربنا، وأنت تكلمني عن أمك، ورضاها عليكى..... حرام عليكى.

تضحك قائلة: مش حرام عاوزنى اسمع كلامك، اطلب نقلك لوظيفة تانية، ترجع كل يوم لي الساعة 2 الظهر، ومتخرجش تانى، وتساعدني في شغل البيت، ساعتها أسمع كلامك، وأرويك، وابقي تحت أمرك، عاجبك عاجبك.... ولو مش عاجبك اخبط دماغك في الحيط.

يتنهد خالد، ويتماسك أمام إصرار هناء، ويقول: يا ستى الطلب اللى بتحلمى بيه ده مستحيل، وأنت عارفة كده كويس، الدنيا كلها كوم، وشغلي في آمن الدولة كوم تانى، حختار أمن الدولة.

ترد عليه ساخرة: الدنيا تضحى بيها آه، ده ماشى، لكن أنا لا، مش أنا اللي تحطنى في كفه أمام شغلك.

صرخ خالد غاضباً: أنت أيه شيطان، أنا مش عارف اتجوزتك، ازاى أقول لك أمن مصر، أمن البلد، أمننا، أمن بنتك أمل، تقولى لى اختارك أنت، هوه أنا مجنون ولا أنت مجنونة.

تضحك بكل سخرية: أنا مش مجنونة، أنا جميلة، وأنت عطشان، وأنا مش حرويك، حسيبك بنارك، زى ما أنت سايبنى، طول الليل والنهار، مشغول بهَم بلد مش بتفكر فيك، بلد كل اللي فيها، بيخطف ويجرى وأنت قاعد تدافع عنها، وتحميها من الإرهاب، عاوز منها أيه متسيب البلد تولع في بعضها أنت مالك ومالها يا أخى شوف مصلحتك، دور على اللي يخليك تبقى غنى، بلاش تبقى غبى، ده أنت وكستنا.

خالد: لا يمكن.. مصر دى الهواء اللي بتنفسه، كل يوم باعمل عملية احمى فيها بلادى، وأطهرها من أى خائن أو جبان أو أى واحد حيفرض سيطرته عليها، وينشر الرعب فيها، لا يا هناء يا سعيد أوعى تكونى فاكرة أن سلاحك الحقير، سلاح المتعة حيخلينى أخون بلدي، واكبر دماغى، زى اللى كبروا دماغهم، وباعوها، وقبضوا الثمن حتى لو الكل باع أنا شارى... شارى نيلها وترابها...  شارى بسمة بنتي أمل وغيرها من الناس الغلابة اللي ماشيين فى آمان الله، ويجى فاجر، يقتل فيهم، تحت أى شعار أو أى قناع، لا يا هناء مش أنا.

ترد عليه بكل برود، وهي تصفق بيدها: برافو.. برافو كلامك أثر فيه يا أبو أمل، وبقيت وطنية زيك، من بكره حتلاقينى وطنية خالص.

وينظر إليها خالد الضبع بكل غضب، وتضحك بكل حرارة فى الضحك.

خالد: أنا مش حعاملك بمعاملتك، لكن بكره الفيصل بينا، أنا حفضل أحبك، رغم كل ده، ومش هدعى عليكى، لكن سوف ادعى لك علشان الشيطان اللي مالى رأسك يحل عن سماكى.... هدعى لك علشان أنت محتاجة فى حالتك دى كثير من الدعاء.

هاهاها....... تضحك هناء سعيد، وتقول له بصوتها القاسى: ادعى يا شيخ بس عوزاك تدينى فلوس، لحسن مصروف الشهر خلص منى معرفش راح فين.

يرد عليها: مش عارفة راح فين خدى اللي أنت عاوزاه أنت عارفة الدولاب، خدي الفلوس اللي تكفيكى، خذى الفلوس اللي تخليكى سعيدة.

تقاطعه:- مين قال إنى فى بيتك سعيدة يا بيه.

ويدق جرس التليفون، ويمسك خالد الضبع بالسماعة: ألو... أوامرك يا أفندم دقائق، وأكون عندك، مع السلامة.

هاهاها تقول هناء: لسه الساعة عشرة مساءاً والشغل بدأ.

خالد الضبع: مع السلامة يا هناء وأشوف وشك بخير.

ترد عليه بكل جمود: روح إلهى ربنا ما يرجعك. وتغلق باب الشقة ورائه بعنف، ثم تمر ساعات، ويرن جرس التليفون، وترد هناء سعيد: فيه أيه، وتسمع الخبر، وتشهق شهقة عالية. ثم تغلق السماعة، وترفعها وتتصل بأمها: ماما.............. خلاص يا ماما.

تمت                                                                            

 

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور " ناصر علي " الناشر مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 217 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

85,934