موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

الجميلة والعجوز

 

استيقظت من نومها، وتلفتت حولها، ولم تجد ما كان متوقعاً أن تراه، تلفتت يميناً ويساراً، هذا المكان الذي هى فيه، قد شاهدته أمس فقط، لأول مرة في حياتها.

ولكن ما هذا الصداع الرهيب الذي تعانيه، أن رأسها، تكاد تتحطم، ولا تدرى ما السبب، لقد كانت سعيدة، وآخر شيء تتذكره أنها كانت بين يدى حبيبها، وزوجها سليم السنارى، وعادت بذاكرتها، للطريقة التى تمت بها زواجهما، وتقدم إليها بعد اتصال تليفونى، وطلب الحديث مع الأستاذ أبو الخير والدها، بالرغم من أنها هى التي ردت على التليفون، ولكنه طلب التحدث مع أبيها.

وبعد المكالمة اخبرها أبيها أنهم سوف يستقبلون ضيفًا يوم الخميس القادم في الساعة الثامنة مساء.

ودقت الساعة التاسعة يوم الخميس، ولكن الضيف لم يأت بعد، وفجأة دق جرس الباب، وفتحت الأم الباب، ورحبت بالضيف والرجل العجوز الذى معه، وجلسوا في الصالون فى انتظار الأب.

دخل الأب فوجد الضيف ومعه الرجل العجوز، وأبتسم قائلاً: أهلا يا أستاذ أبو الخير، أعرفك بنفسى أنا دكتور سليم السنارى، رجل أعمال ومعى الأستاذ صلاح الضمرانى مدير اعمالى.

رد عليه الأب: أهلاً وسهلاً تفضلوا.... خير إن شاء الله.

نظر إليه سليم السنارى: والله يا أستاذ أبو الخير أن جاى النهارده علشان أخطب بنتك الدكتورة شيماء.

رد أبو الخير: كده على طول.

أبتسم سليم السنارى: والله يا أستاذ أبو الخير، أنا تعلمت من صغرى أن أدخل البيوت من أبوابها، طالما نيتى خير، ولا أيه رأيك.

هز أبو الخير دماغه، وقال طبعاً.. طبعاً يا دكتور سليم.

وأكمل سليم طلبه قائلاً: الحقيقة يا عمى... واسمح لي أقول لك عمى، أنا لمَ شفت الدكتورة، وأنا في طريقى لمكتبى، وعيناى وقعت عليها، ومن يومها، وأنا مش قادر، وقولت لازم ادخل البيت من بابه.

وممكن تسأل علىِ فى أى مكان ودى كروت ليه. بس فى مشكلة أصلى مستعجل لأنى مسافر لندن أسبوعين، وعاوز أكون هناك مع عروستى.

أجاب أبو الخير: يا عنى أنت كده مستعجل طب مش لمَ نشوف رأى البنت.

رد سليم بسرعة: أن شاء الله حتوافق، وخاتم الشبكة سوليتير، أنا موصى أكبر محل ننزل نجيبه في أي وقت.

لا يزال الألم يحطم رأسها، مدت يدها برفق لكى تتحسس جسدها الذى تحس به، وقد تغير. نعم، لقد تغير إحساس عايشته ست وعشرين سنه، تغير ماذا حدث لها، ولكن أخذت تفكر في الموعد الثانى، حيث حضر سليم ومعه بالطبع صلاح الضمراني، وقد حضر إلى المنزل، وجلس صامتاً، وحاولت مرراً اقنع، والدى ووالدتى أننى لازم أحبه أولاً، لأنني سوف أعيش عمرى معه، رفض الأب ترددى، وقالت أمى: أبوك قرف منك، كل عريس ترفضنه، ده طويل، وده قصير، ده فقير وشحات، وده دمه ثقيل، وده نظره ضعيف، يعنى مخلتيش حد كويس، لكن النبى حارسه، سليم السنارى زى الفل وشاب صغير، وفيلا في كل بلد بيروحها، واسمه زى الطبل.

قاطعت أمها، وقالت: يا ماما انتوا لحقتوا تسألوا عنه؟

ردت أم شيماء: الراجل مش محتاج سؤال وأبوك أتصل بكذا واحد، وردوا عليه يا بختك يا هنا بنتك. دى حتشوف أيام!!!

قالت شيماء: يعنى أيه حتشوف أيام؟

قالت الأم: آه... يعنى حتشوفى أيام سعد وهنا يا حبيبتى، وذهبت إلى حجرة الضيوف، ووجدته في وجهها، وقال سليم لها: أهلا يا حبيبتى عامله أيه. قاطعته شيماء: حبيبتى... أزاى.

أحمر وجه سليم، ونظر إلى الأستاذ صلاح مدير أعماله الذى هز له رأسه، ونظر إلى الباب.

فقال سليم السنارى: دلوقتى تقدر تروح يا أستاذ صلاح علشان تعمل الحاجات التي قلت لك عنها، أتفضل وسوف أتصل بك تانى مع السلامة.

بعد خروج الأستاذ صلاح دون أن يتكلم.

قالت شيماء: هوه الراجل ده أخرس ولا أيه. أنا حاسة إنى شفته أكثر من مرة بس مش فاكرة فين.

رد سليم: يا حبيبتى متشغليش بالك بيه، أنا عاوز أكلمك في أمور كثيرة، عاوز أعرفك بنفسى.

ردت شيماء، ومش عاوزنى أعرفك بنفسى كمان.

ضحك سليم: لا أنا عارف عنك كل حاجة من يوم ما اتولدتى في الدنيا، وتعليمك وأصحابك وصحباتك، واعز صديقاتك سلمى وإيمان.

ردت شيماء: حتى سلمى وإيمان كمان تعرفهما وتعرف أيه تانى.

رد سليم: أعرف أنهما سرك، وكل الدنيا كوم، وهمه كوم تانى.

ردت شيماء: أنت فعلاً غريب وإزى تيجى كده تتقدم لبابا من غير ماتقولى أو حتى تحاول أن تفتح الموضوع معايا الأول.

رد سليم: أنا كنت عارف ردك، وعارف إنك هترفضى.

نظرت شيماء إليه نظرات تدل على غيظها منه، وقالت: ولمَا أنت عارف إنى هرفضك اتقدمت ليه؟.

رد سليم: يا دكتورة أنا عارف انك هترفضى، وأنت رفضتى كتير قبلى، لكن أنا متفائل لأننى طول حياتى صح ومعايا اللى مش ممكن أى بنت ترفضه، الشباب والمال والإمكانيات اللي مش عند أى حد من شباب سنى، أنا فعلا سابق شباب سنى، بس مابحبش أتكلم عن إنجازاتى.

ضحكت شيماء: انجازاتك!!، وماهى انجازاتك اللي مابتحبش تحكى عنها قولى عليها، ما أنا بكلم واحد عارف عنى كل حاجة، وأنا مش عارفة عنه أى حاجة.

رد سليم: أنا صاحب أكبر مجموعة شركات في الوطن العربي، وكل الشركات المنافسة محدش يملكها لوحده، وفيه سبب مهم فى كده أنى مابحبش يكون لى شريك.

قاطعته شيماء بسرعة: طيب لما أنت مابتحبش شريك، طب عاوز تتجوزنى ليه

رد سليم: انت حاجة ثانية.. انت قلبى.. روحى.

أحمر وجه شيماء، وقالت: حاسب كل ده مرة واحدة... كلمنى عن نفسك أكثر.

رد سليم: أنا بعون الله... رجل مبسوط جداً جداً، وعصامى بدأت من الصفر وكافحت، بالحلال طبعاً.

ضحكت شيماء: كلهم بيقولوا كده.

 رد سليم قائلاً: أحنا لمَا بنحب حاجة، بنفذها، مفيش حاجة تقف أمامنا...

قالت شيماء باستغراب: تقصد مين بإحنا؟

-  أنا وسكرتيرى العجوز

ردت شيماء: مش فاهمه حاجه.... وضح كلامك.

رد سليم: كلامك بيعجبنى وبيسعدنى، صوتك ساحر.. مش عاوزك تسكتى عاوزك تتكلمى على طول.

ضحكت شيماء: أنت عاوز تأممنى، وأفضل أتكلم.

رد سليم: نتكلم في الفرح و..........

قاطعته شيماء: الفرح!! هوه أنا وافقت؟.

رد سليم: أكيد موافقة، بس ممكن تكونى مكسوفة.

شيماء: أنا مش موافقة بس بابا وماما عاو زين يجوزونى.

رد سليم: ياريت تحاولى تسمعى كلامهم، وتسعديهم، وتسعدينى، وتسعدى نفسك، إحنا حنكون أسعد زوجين... على فكرة مش حقدر أقعد أكثر من كده وأشوف وشك بخير، فيه مجموعة فساتين وبرفانات وهدايا كثيرة، جبتها لك على ذوقى.

ردت شيماء: إزاى يعنى جبتها، وعرفت المقاس، وذوقى منين.

ابتسم سليم قائلاً: يا دكتورة من خلال مشاهدتك أكثر من مرة عرفت أحب الألوان عندك، والمقاسات سهلة، والمحلات كثيرة، والموديلات كلها جديدة، لازم هتعجبك.

ردت شيماء: كل حاجة عندك كويسة، وهايلة بس أنا لسه مش موافقة، أنا رفضت عرسان كثيرة، ولا يمكن ارتبط بسرعة كده، مش معقول أرفض كل العرسان اللى اتزلوا علشان أوافق عليهم.

وقف سليم: تانى يا دكتورة.. سوف اتصل بك، ولو عاوزة أى حاجة اتصلى على نمرتى الخاصة جداً، دى محدش يعرفها غيرك حتى بابا وماما سلام يا حبيبتى.

ردت شيماء: سلام يا سليم بيه.

نظر إليها سليم قائلاً: نفسى تقوليها.

أحمر وجه شيماء، وقالت: هيه إيه؟ 

 رد سليم:  مع السلامة يا حبيبى.

ضحكت شيماء، وخرجت من حجرة الضيوف، وسلمت على سليم الذى أمسك بيدها، وهو يسلم عليها، وضمها بين يده الأخرى، احمر وجه شيماء، وخجلت ونظرت في الاتجاه الآخر.

سافر سليم السنارى، ولم تتوقف مكالماته إلى شيماء حتى جاء والدها يخبرها أن سليم السنارى، عمل توكيل لسكرتيره الخاص ومدير أعماله الأستاذ صلاح الضمراني وهنكتب الكتاب، وتسافرى له فى الإمارات لأنه مشغول فى عمله، ومنافسيه في السوق يحاولون القضاء عليه، ولو تأخر أو غاب هيضيع، وأنا وافقت وهنكتب الكتاب النهارده في دار الإفتاء، ومش عاوز أى اعتراض منك، ده بعت شيك بالمهر. وأنا اديته كلمة إننا هنقف جنبه في ظروفه.

 وكتمت شيماء دموعها، وذهبت إلى غرفتها تبكى، وتكلم نفسها معقولة دى طريقة زواجى، أنا شيماء أبو الخير.

بعد كتب الكتاب توجهت شيماء بفستان فرحها من دار الإفتاء إلى المطار، ولم يتحدث الأستاذ صلاح إلا عندما طلب منه المأذون بياناته فقط، وطوال الطريق لم يتحدث معها، حتى عندما حاولت أن تسأله، كان ينظر إليها فقط، واحتارت في أمره، وفكرت أنها عندما ترى سليم أن يقوم باستبداله لأنه رجل كئيب.

في المطار وجدت سليم واقفاً مبتسماً ونظر إليها، ثم نظر إلى مدير أعماله الكئيب، وتغيرت ابتسامته، وأخذها برفق قائلاً: يلا يا حبيبتى، لازم أنت تعبانة من السفر، تعالى إلى الفندق، أنا حجزت جناح خاص لنا، وبعد كام يوم نروح الفيلا

وبسرعة كانت في الفندق، وصعد بها سليم إلى الجناح المحجوز لهما، وأغلق الباب، ونظر إليها، وقال لها: أهلا بك يا دكتورة شيماء.

ابتسمت قائلة: دلوقتى بتعاملنى رسمى كده ليه، فين شيماء، مش لازم دكتورة.

وحاولت الاقتراب منه، فلم يحاول أن يقترب أكثر، وقال لها: ثواني هتصل علشان يجهزوا لنا العشاء، وبعد العشاء نكمل يا دكتورة.

ردت شيماء: تانى يا دكتورة مش عارفة أنت ليه رسمي قوى معايا أنا ابتديت أقلق.

رد سليم نشرب حاجة كده علشان ننتعش وننبسط وبعدين نتكلم، أنا هاقوم أحضر كاسين.

ردت شيماء: أنا مبشربش خمور.

رد سليم: ومين قال إن كاسين، يعنى خمور ده عصير برتقال فريش، فيتامين سى.

أجابته شيماء: ماشى.

وشربت.

قالت شيماء: العصير ده طعمه غريب جدًا.

نظر لها سليم: العصير ده زى الفل دانا عامله بأيدى.

شيماء: مش قادرة أشرب وأنت ليه مابتشربش منه.

سليم: أنا بشرب مشروب تاني طعمه وحش جدًا، اشربي، اشربي....

وشربت

آه آه آه.. دى كانت آخر حاجة حصلت ومش فاكرة حاجة تانى، ودماغى ثقلت ونمت لكن إيه اللي حصل، اللى شربته إن ماكنش برتقال بس يا ترى أنا خدت منوم، ولا إيه؟، وبعدين فين سليم. طب ينفع ليلة العمر تعدى ولا أحس بها كده، وأخذت تنهض وعند قيامها، وجدت بجوار الأباجورة ورقة.... مدت يدها لكي تقرأها، وأمسكت بها، وبدأت تقرأ.

عزيزتي الدكتورة  شيماء..

حبيبتى يا من اعبدها طول ما حييت... نعم أنا حبيبك الذى طالما كنت أنظر إليك كثيرا فى ذهابك وإيابك... نعم لقد حلمت بك زوجتى، حلمت بجسدك بين أحضانى، ونظراً لأنك كنت حتما سترفضين، كما رفضت السابقين، وطالما حطمت قلوباً كثيرة قبلى... فأنا الآن أنتقم لهم جميعا، يا من كنت عذراء الأمس، وامرأة اليوم... لا لن أنتظر حتى أرى دموعك، وهى تبلل خطابى هذا، فقد استمتعت بك ليله أمس، ووضعت خنجرى في جسدك المتغطرس المتعجرف الذي طالما به تعاليت، ورفضت الجميع، فقد انتقمت لكل القلوب التي دمرتها.... هذا جزاء من حطمت قلوب الكثير.. تسألتى كثيراً من أكون، أنا من تحطم قلب ابنه الذي رفضتيه يوما من الأيام، وقبلت أمه الأرض بين قدميك أن

ترحمي أبنها الذى قارب على الجنون، لقد أحبك ابنى حتى الجنون، وأزاء رفضك له، انتحر ابني بسب رفضك له، تمنيت أن أقتلك، ولكن هذا لن يجعل قلبي يهدأ، عيشى حياتك كلها تندمين على هذه الليلة، تذكرى ابنى، أشكر كل من ساعدنى في الانتقام منك، فقد ساعدنى الكثير، لو تفتكرى عبارة (دى حتشوف أيام)، الزوج سليم، وأنا الذى جلست أمام المأذون، والآن بعد ليلة أمس، ما فائدة الجمال يا سيدتى، إن الجمال ليس جمال الشكل، فالجمال جمال الروح.. الوداع يا سيدتى... توقيع العجوز!!!    

تمت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور ناصر علي ، مكتبة الآداب ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 424 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

85,793