موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

زوجتي الأديبة

" قصة قصيرة " 

أقبل الليل، وقد قمت بالاستعداد النفسى لجعلها ليلة جميلة، وقد حالت ظروف انشغال زوجتى، الأديبة الكبيرة رحاب فؤاد صاحبة قصص الأطفال، والروايات، والكتب الكثيرة، التي يوم تزوجتها، حلمت بأن تكون صاحبة الأحاسيس الجياشة والعواطف المتدفقة بين السطور، وخلف السطور، ومنتهي النعومة، والعذوبة التي ينطق بها فمها الباسم الدائم، وضحكتها الموزونة، اللافتة للانتباه، المجددة للأمل، كل هذا الجمال، سيصبح ملكى، أضعه فيما بين يدى، وأحلم بمدى مذاق ذلك الحلم الجميل، وأذوب مع ذوبانها، إلى اللامحدود، وأرجع لن أرجع، سأظل معها، وبها، ولها سأذوب....

ولكن حبيبتى، عندما تزوجتنى، اشترطت شرطاً، كنت أظن أننى سوف أستطيع تحمله، ألا وهو أن يكون الأدب، هو معشقوها الأول، وأنا الثانى، وعندما أعلنت رفضى، عبرت عن تضحيتها بى، ولم توافق على زواجنا إلا بعد أن اركع لها، وأعلن صراحة، اننى لم أحرمها من معشوقها الأول إلا وهو الأدب، فكل ما أريده يمكن أن ينتظر حتى ينتهى الأدب والإلهام، وقد فكرت مراراً في ذلك فعقلى يرفض أن يكون لي شريك فيها، وقلبى الملهم الهائم في سماء عينيها السوداء، ذات البريق الخلاب، والسحر الغامض الذي لا يمكننى إلا أن أسلم لكل، ما يخرج من عيونها من بريق، ومن فمها من رحيق....

أحبها حب عبادة، وليس هناك مفر سوى الموافقة على جميع شروطها، بل الشرط الوحيد الأدب أولاً، ثم أنا ثانياً وأخيراً، وتم الزواج.

وفى ليلة الزفاف وجدتها هائمة تذهب وتجلس على المكتب، فذهبت إليها قائلاً: يا حبيبتى اليوم زفافنا.

ردت بكل هدوء وقالت: عزيزى.... أدبى ينادينى، لا أستطيع أن أتوقف عن التقاط تلك الفكرة وإلا طارت، وبعدين ياحبيبى الليل طويل والعمر أطول، سأحقق أمانيك بعد أن اكتب هذه الخاطرة.. أرجوك لا تقاطعنى حتى لا تقطع حبل أفكارى.

وقامت وقبلتنى بقبلة على خدى وجلست تكتب، ولم أعرف ماذا أفعل ولكنى أحبها،  فتركتها  وذهبت لأستبدل ملابسى، وانتظرت.

وفجأة.....استيقظت فوجدتها بجوارى نائمة، ماذا حدث لقد نمت وتركتها.... آه من الأدب، ومرت ليلة العمر، وفي الصباح لم يحدث شيء، لأن النهار مينفعش فيه الكلام ده على حد تعبيرها.

ويوماً بعد يوم، والأحداث تتوالى والأدب يبعدنى عنها نعم هى معى تجلس بجوارى، انظر في عينيها، أجدها ليست معى، أحاول أن أتحدث معها، لكنها تختصر فى الكلام، لا أعرف كم عدد المرات التى تحققت احلامى معها، ولكنها كانت قليلة، وآخرها الليلة، لقد وصلت إلى مرحلة من الضيق، اليوم سأضع نهاية لهذا العدو اللدود ألا وهو الأدب....

فالليلة ستكون نهاية عدوى اللدود، سأصبح أنا الأول والأخير، حتى لو أضررت إلى.... ضربها نعم... سأحطم رأسها إذا راوغت، وسأمد يدى، واخنق هذا العدو الأدب... سأقطع ما تكتب... يجب أن أكون مغواراً... سيكرهنى الأدب... فقد فاض بى الكيل... لا أدب بعد التاسعة أو العاشرة، فبعد الساعة العاشرة، أنا فقط، ومهما تقول عن أن الإلهام يأتيها ليلاً، ونظريات علم النفس، تقول وتذكر، لا يهمنى، أنا أهم من نظريات علم النفس... سأروى عطشى منها... سترتمى في أحضانى، وأشرب من أنهار شهدها وأرتوى...

 

أنها قادمة تبتسم في وجهى... هيهات... اليوم...يوم نهاية الأدب، اقتربت منها أمسكت يدها، وأخذتها من حجرة المكتب، وذهبت بها إلى حجرة النوم، وابتسمت بذكائها المعهود وقالت: حبيبى أنا مشغولة، سوف اكتب كلمتين في قصتى الجديدة «هاميس» أنك تحب التاريخ الفرعونى، أليس كذلك، أنها قصة جميلة، هل تحب أن احكيها لك.

قاطعتها: لا... لا تحكى لى،  فأنا لا أريد قصص الآن،  بل أريدك أنت.

قالت: ماذا حدث لك اليوم، اننى احبك، ولكنى مشغولة الآن، فاتركنى أكمل قصتى.

قاطعتها: لا لن تكملى القصة، فأنا أهم من قصتك «دبابيس».

قالت: لا يا حبيبى قصتى أسمها «هاميس» كيف لا تحفظ اسم قصتى الجديدة، أنا غاضبة منك.

قاطعتها: أنا غاضب أكثر منك.

قالت: لماذا تتحدث بغضب، فأنا أحب فيك طيبتك، وحبك لى، ألا تحبنى؟ ماذا حدث؟

قلت لها: يا زوجتى، أنا لا أنكر موهبتك الفياضة، وأسلوبك المميز الذى جعلك أشهر أديبة في مصر كلها، ولكن أنا اشتاق إليك،  وأحس بأن الأدب أصبح حائطاً منيعاً بينى وبينك، وأنا لا أستطيع الوصول إليك... الاستمتاع بك، فأنت قريبة منى، أمام عينى، ولكن بعيدة جدًا... صعب الوصول إليك.

ابتسمت، وقالت: حبيبى.. أنا أحبك، كل انشغالى عنك هو حباً فيك، فأنت كل أبطالى في قصصى ورواياتى... هل قرأت روايتى الأخيرة، فأنت بطلها حتى عنوانها: «الشاطر حسن ينتظر الأميرة ست الحسن».

قاطعتها: نعم أنها أنا، فالشاطر حسن ينتظر الأميرة ست الحسن المشغولة بالقصص والروايات، متى أضمك إلى صدرى، متى أذوب فيك؟

ردت بابتسامة، ووجهها ازداد احمراراً: نعم يا حبيبى سأحقق أمانيك الآن، لكن بعد أن تقرأ روايتى «الشاطر حسن ينتظر الأميرة ست الحسن» إنها رواية جميلة تصورك فيها، والصراع بين الخير والشر، وأنت البطل، أن كل كلمة كتبتها هى أنت، أنت فارس أحلامى... أرجوك أقرأ الرواية أنها صغيرة فقط 150 صفحة، وبعدها سنكمل ما دار بيننا من حوار... أرجوك علشان خاطرى، علشان خاطر رحاب حبيبتك.

صرخت في وجهها: اقرأ 150 صفحة الآن ثم نتحدث.

ردت ببرود: نعم يا حبيبى..  فى فترة قراءتك للرواية، أكون راجعت نسخة أرسلتها لى المطبعة لمجموعة القصص التي كتبتها، وعنوانها الذي وافقتنى عليه من قبل «حبيبى سأرحل» إنها أجمل مجموعة قصصية كتبتها، فأنت الذى ألهمتنى أفكارك تلك القصص كلها... أنت بطل القصص أنت فارس أحلامى.

جرى الدم في عروقي، وقلت: يا حبيبتي، بعد كل هذا نكون قد وصلنا إلى منتصف الليل، هل وقتها سيكون لديك وقت للكلام معى...

- طبعاً يا حبيبي... عاوزاك تبتسم.

- بعد منتصف الليل , سنتحدث معاً.

ردت بكل ثقة: نعم، سأتحدث معك عن مجموعة قصص الأطفال الجديدة التي أريد أن أعرف رأيك فيها... نظرت إليها , وقلت في صمت «رحمتك يارب». 

تمت

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور " ناصر علي " الناشر مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 47/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 247 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

85,959