((الهجرة النبوية المباركة ))
(رحلة فى المكان نتأساها سلوكا فى الزمان )
(مقال دينى / بمناسبة ذكرى الهجرة / بقلم / عبد الحليم الشنودى )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يخطئ من يظن أن إحياء الذكرى يتجلى فى سرد أحداثها وترتيب وقائعها ـــ أو أن نجاحها يرجع فقط إلى حسن التخطيط ودقة التنفيـذ ـــ أوأنهاتنسحب من بعدها على المكان كما كانت فيه ــ أو أنها تباح لغير صاحبها من بعده قياسا على حالة يراها فى زعمه موضع قياس ـــــ وكل هذا من الخطأ بمكان يستدعى الوعى للكشف عما فى الحدث من درس وعبرة وحالة تصوب كثيرا من المفاهيم وتعدل عديدا من السلوكيات (وأراها بكل تواضع فى الآتى :ــــــ
(أولا) لا يرجع النجاح المبهرفى إتمام الرحلة بالشكل الذى تمت به إلي حسن التخطيط أودقة التنفيذ فقط وإنما يعود إليهما ـــ كعنصرين بشريين يأمرالدين بهما كل ذى عقل ولا يفرط فيهما كل من أراد لعمله النجاح ـــ ويعود إلى توفيق الله الذى وعد به كل من بذل الجهد واستنفذ الطاقة إذا ما جعل من الخيوط الواصلة بالله (إيمانا وثقة وتوكلا وإخلاصا واعتمادا) مددا ينفذ من الحدود الفاصلة بين طاقات عبد قاصرة حتى وإن بلغت فى مثل المصطفى حد الكمال البشرى وبين قدرات رب لا حد لطلاقتها وإن بلغت القلوب الحناجرــ ولعل فى الأحداث التى قارنت الرحلة ما يؤكد ذلك وعلى سبيل الاستشهاد منها ما يلى :ـ
(1) لعل أربعين فتى جلدا شجاعا يلتحمون فى حائط بشرى أمام بيت النبوة كان كفيلا التخطيط قبل أن يبدأ التنفيذ لولا عناية الله(فأغشيناهم فهم لا يبصرون )
(2) لولاجنودا لم يرها محمد وصاحبه فى الغار المبارك لذهبت كل أسرار التخطيط وكل خطوات التنفيذ سدى (فأنزل الله سكينته عليه وأيَّدهُ بجُنود لمْ تَرَوها )
(3) لولاانسيال الرمل كأنه الماء تحت قوادم جواد يعتليه (سراقة بن مالك ) طمعا فى المئة ناقة وتأكده بما رأى من إعجازأن هذا الرجل محمى من الله لانتهى كل شئ (والله يعصمك من الناس)
(4) لولا عنزة عجفاء لا ضرَّ لها تمر عليها كف النبى فى خيمة (أم معبد) فتدر لبنا يشبع الراحلين ويفيض لأهل المضيفة لما كُتم لهم سر
وصدق الشاعر حين قال : وأذا العناية لاحظتك عيونها ـ نم فالمخاوف كلهن أمان
من هذا يتكشف لنا أن أهم درس فى حدث الهجرة هو أن يمتلك الإنسان إرادته ويبذل جهده ويستنهض عزيمته ويسخر علمه فى خدمة قضيته ولا يتواكل أو ينقطع عن عصره مدعيا اليأس أو قاطعا للأمل ثم يعتمد على الله فى إدراك هدفه متأكدا أنه بإذنه بالغه لا محالة فهو سبحانه القائل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) والقائل (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا )
(ثانيا) إذا كانت هجرة النبى (صلى الله عليه وسلم ) قد تمت فى المكان اسنتصارا للدعوة من قوم طلبوها وهجرة (وليس هجرا ) عن قوم نبذوها ــ فهجرتنا من بعده لا تتحتم أن تكون فى المكان بل ينبغى أن تكون فى الزمان وما يتطلبه من فهم واستيعاب واعتلاء لصهوة علومه ومجالات صراعاته دفعا لكل أذى وطردا لكل قبيح ولا تتحتم أن تكون انقطاعاعن الأدوات والوسائل ــ بل عن الانطباعات والمشاعر والنوازع التى تلوث الأبدان أو النفوس أو تعكر صفو الأرواح وتقوى القلوب فالهجرة المكانية قد انقطعت بالفتح المبين ـت فقد ورد أن (صفوان بن أمية ) وكان من الذين أباح الرسول دمهم عند فتح مكة لما كان منه قبلها فلما أمَّنه الرسول جاء المدينة بعد إسلامه فقال له النبى (صلى الله عليه وسلم ) (ما جاء بك ؟؟) فقال صفوان : تقولون : إنه لا دين لمن لم يهاجرــ فقال (صلى الله عليه وسلم ) (ياصفوان : ارجع إلى أباطح مكة فقد انقطعت الهجرة ) ــ ثم أكد ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ) فليعتبر كل من تسول له نفسه جرَّاء فهم خاطئ أن يزكى فى الناس بواعث الهجرة بإباحتها شرعا من قول الرسول الواضح فى شأنه وشأنها
(ثالثا) مسألة القياس على فعل الرسول فى كل شئ مسألة فيها نظر لأن ماكان للرسول بوحى من الله فهو خاصته (إلا ماتصل بدين أو تشريع أمرا أو نهيا) أما مجاهداته الخاصة فى سبيل الدعوة فليس النقل عنها وقع خطو وإنما التأسى بها فى ظل العصر هو المطلوب ــ خاصة فيما تغير من أدوات ت مع مراعاة أن الحالة فى مواطن الكفر والإيمان غير الحالة والقيد غير القيد والمجتمعات غير المجتمعات والعلاقات غير العلاقات ــ وكل ذلك يؤكد أن التجديد فى أمور الدين ليعيش بثوابته زمنه أمر لاشك حتمى حتى يثبت للعالمين أهليته لكل زمان ومكان ـــ هذا ما ينبغى الاعتباربه عند إحياء ذكرى الهجرة (عبد الحليم الشنودى)
نشرت فى 4 أكتوبر 2016
بواسطة azzah1234
عدد زيارات الموقع
160,345