فللهِ قومٌ في الفراديسِ مذ أبتْ
فللهِ قومٌ في الفراديسِ مذ أبتْ
قلوبهم أن تسكن الجوَّ والسما
رعودُ اللظى في السفلِ من ظاهر العجى
ففي العجلِ السرُّ الذي صدعتْ له
يجلِّلُهُ من باطنِ الرجلِ في الشوى
وأبرقَ برقٌ في نواحيهِ ساطعٌ
فشمته فاستوجبَ الحمدَ والثنا
فأولُ صوتٍ كان منه بأنفه
وكان له ما كان في نفسه اكتمى
وفاجأهُ وحيٌ من اللهِ آمرٌ
ومعصيتي لولاكِ ماكنتُ مجتبى
فيا طاعتي لو كنتِ كنتُ مقرباً
فما العلم إلا في الخلافِ وسرِّه
فما العلم إلا في الخلافِ وسرِّه
هذه القصيدة من كلمات العالم الكبير محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر في علم التصوف و فيلسوف أئمة المتكلمين ، و تم إدخال هذه القصيدة كتتر لمقدمة مسلسل السبع وصايا الذي قدم في رمضان 1435 هجرية .
في حقيقة الأمر إن هذه الكلمات نفيسة لا تصدر إلا عن عالم عظيم ومتميز مثل ابن العربي لأنها كلمات تحمل معنى كبير و إليكم تفسير مبسط جدا لها .
فللهِ قومٌ في الفراديسِ مذ أبتْ
قلوبهم أن تسكن الجوَّ والسما
لقد بدأت حياة الناس على الأرض منذ أن أكل سيدنا آدم عليه السلام من الشجرة التي حرمها الله عليه ، فمنذ هنا رفضوا الناس العيش في العُلى والتمتع بما في الوجود من الجو و السما برفضهم للطاعة والتقرب من المولى الرحمن الرحيم عز وجل بل أحبوا فعل المعاصي و إتباع الشيطان ، و الفراديس هنا جمع فردوس وتعني البستان والمقصود منها الأرض و ليس الجنة .
رعودُ اللظى في السفلِ من ظاهر العجى
ففي العجلِ السرُّ الذي صدعتْ له
فالإنسان خُلق من العَجَل ، ثم نفخ الله فيه ، فدبت فيه الروح التي هي سر الحياة والتي لا يعلم سرها أحد إلا الله عز وجل ، فمن شدة هول النفخة الربانية التي حدثت في جسم سيدنا آدم عليه السلام ( اليتم الذي مخلوق وليس لديه أب و لا أم ) نطق كل الأشياء حتى نيران الجحيم في أسفل سافلين ، العجل هنا بمعنى التعجّل ، والمقصود بالسر هو الروح والروح لفظ مذكر وليس مؤنث ، ومعنى صدعت أي نطقت ، و رعود اللظي المقصود بها ألسنة النيران ، وفي السفل تشير إلى الدرك الأسفل ، و العجي أي اليتيم .
يجلِّلُهُ من باطنِ الرجلِ في الشوى
وأبرقَ برقٌ في نواحيهِ ساطعٌ
و عندما دبت الروح في سيدنا آدم عليه السلام برقَ برق ُ من باطن رجله ، ملأ جوانب سيدنا آدم عليه السلام ليعظم و يجلل هذا الحدث العظيم .
فشمته فاستوجبَ الحمدَ و الثنا
فأولُ صوتٍ كان منه بأنفه
فأول صوت صدر من سيدنا آدم عليه السلام هي تلك العطسة التي خرجت من أنفه بسبب دَب الروح فيه، فشمته الله فاستوجبَ الحمدَ و الثنا فقال الحمد لله .
وكان له ما كان في نفسه اكتمى
وفاجأهُ وحيٌ من اللهِ آمرٌ
وعند ذاك أوحي الله عز وجل لسيدنا آدم عليه السلام أن يؤمن به ، فكان في نفس آدم من الإيمان المستور .
ومعصيتي لولاكِ ما كنتُ مجتبى
فيا طاعتي لو كنتِ كنتُ مقرباً
برغم إن الطاعة تقرب الإنسان لله عز وجل ، ومع ذلك لولا كَون الإنسان خطّاء ما اختاره الله ليكون خليفته علي الأرض!
فما العلم إلا في الخلافِ وسرِّه
فما العلم إلا في الخلافِ وسرِّه
سبحان الله العلي العظيم الذي جعل الإنسان خليفته علي الأرض الذي يجمع بين كل المتناقضات ( الطاعة والعصيان ) و ذلك لان فيه الروح ((سرِّه )) ، و أيضا لأن نور الإيمان لا يتحقق إلا بمخالفة الإنسان لهوي النفس .
هكذا حملت كلمات العالم العظيم ابن العربي معاني عميقة وحقيقة لا أحد يدركها إلا أهل الوصول .