قصة قصيرة بقلم محمد على عاشور
رغيف عيش
(( خلوا بالكوا من أسد ، أوعوا تنسوه فى الأكل )) قالها الرجل العجوز وعيناه على الكلب الذى أسماه أسداً عندما أتى به منذ خمس سنوات ، فكان قد أحضره صغيراً ، وكان كثيف الشعر خاصة فى منطقة الرأس ، حينها قال أنه مثل الأسود ، وأطلق عليه هذا الإسم.
ركب الرجل العجوز وأبناؤه وأحفاده فى سيارة نصف نقل كبيرة، تاركين دارهم ، إلى أرضهم الجديدة التى إشتروها فى الصحراء بعد عودة أبنائه من السفر ، لأن الأرض السمراء قد ضاقت بعددهم الذى زاد مع الزمن .
تحركت السيارة ، الجميع صامتون ، والأطفال واقفون ينظرون إلى الناس ومعهم الأباء .
الجد فى السيارة يودع حياة طويلة قضاها بحلوها ومرها، عيونهم جميعاً ترقب الدار والأرض، ثم ترتد هذه العيون لتسقط على الجيران الذين وقفوا ليودعوهم بنظرات كلها حزن متمنين لهم التوفيق فى أرضهم الجديدة .
إختفت السيارة ، ظل الجميع واقفين مدة ، ثم أفاقوا على نباح الكلب المربوط من رقبته بسلسلة يكاد يقطعها من كثرة التملص ليحاول تتبع أثر السيارة ، ثم جلس واضعاً رأسه بين أماميتيه كأنه ميت .
قال الجار لزوجته لا تنس هذا الكلب ؛ فهو وصية صاحبه لنا .
هزت رأسها موافقة وهى حزينة
فى أخر اليوم سأل الزوج زوجته : هل أطعمت أسداً ؟ قالت له وهى خائفة من ثورته : أنا أخاف هذا الكلب ، لقد مزق ملابسى ذات مرة ، وكاد يأكلنى لولا عناية الله .
الزوج ( فى ضيق ) : حرام عليك .... حرام عليك ، هل ستتركين الكلب ليموت من الجوع ؟ إتق الله .
الزوجة وقد إنفجرت بالبكاء : أنت تريده أن يأكلنى لكي تستريح منى
الزوج : نعم .... أريد ذلك .
ذهبت الزوجة إلى أسد حاملة معها رغيفاً من الخبز اللين ثم ألقته أمامه ، وانطلقت هاربة خوفاً من أن يلحق بها ، مع أنها تعلم أنه موثوق.
فى اليوم الثانى ذهبت برغيف لين لتلقيه إلى أسد ، أخذت تتلصص عليه من بعيد خوفاً أن يكون قد قطع سلسلته ، لكنها وجدته نائماً كما تركته أمس ، ولم يمس الرغيف ، اقتربت أكثر من أمس ، ثم ألقت الرغيف بين أماميته ، وجدته ينظر إليها بعينيه دون أن يرفع رأسه ثم أغمض عينيه .
فى اليوم الثالث رأت الرغيف الأول والثانى كلاً فى مكانه ، أخذت عيناها تجول بين الرغيف الأول والثانى والكلب ، ونظرت إلى الوعاء الذى يشرب منه فر بما هو عطشان ولا يرغب في الأكل ، لكنها وجدت الوعاء ممتلئاً ، فوقفت قليلاً ثم القت الثالث ونظرت نظرة أخيرة ومشت.
فى اليوم الرابع ذهبت مبكراً ومعها الرغيف ، وما أن وقع نظرها على الأرغفة الثلاثة التى جفت وتصلبت وإلى عين الكلب التى ذبلت ، قالت فى حزن : ما بك يا أسد ،هل أنت حزين على أصحابك ؟
لا تحزن ، قريباً سيأخذونك عندهم ، لا تحزن .
ثم جلست وقد اقتربت منه قليلاً.
فى اليوم الخامس وجدت الكلب قد قضم قضمة من رغيف الأمس وشرب بعض الماء فألقت له الرغيف الخامس واقتربت منه أكثر ، وأخذت تحادثه عن أصحابه واحداً واحداً ، حتى الأطفال ذكرتهم له ، وهو ينصت .
فى اليوم التالى وجدته قد أكل كل الرغيف ، فجلست تحادثه وهو يرنوا إليها وهو يقضم قضمة صغيرة ويلوكها بين أسنانه .
مرت الأيام وأخذت المسافة بينهما تقصر أكثر فأكثر حتى أصبحت تضع له الرغيف أمامه وتغير له الماء الذى يشرب منه ، وأسد يدور حول نفسه ويهز زيله فى كل مرة يراها قادمة .
فى يوم من الأيام أرسل العجوز ليأخذ أسداً عنده ، وقفت الزوجة وهو ينظر إليها وقد شب بأماميته على حرف السيارة التى حملته وانطلقت، ظلت الزوجة تراقب الكلب حتى اختفى .
فى اليوم التالى أخذت الزوجة رغيفاً من الخبز اللين فى يدها سألها الزوج : أين أنت ذاهبة ؟ قالت : لأطعم أسداً .
قال لها الزوج : سلامة عقلك .... هل نسيت ؟ لقد رحل أمس
اكتب تعليقًا...