مدائــن الــدمـــوع والأحـــزان
بقلـــم د. طــارق رضـــــــوان
الموت يأخذ معه الجســـد والروح .. ولكـــن هنالك موت للروح دون الجــســـــد. مـع المــوت يحيوا... لكنهم فى الحياة أموااااااات " أحياء بين القبـــــور- وضيوف المقابر"
مـــوت بـــلا مـــوت
- عندما تصعب عليك الحياة ... وتكون هناك خيارات محددة ... فلا تجد طريقاً للهروب منها ... إلا بالموت ... فتقرر الموت ولكن لا تعرف ... وتموت وأنت تحاول الموت ... ثم تعي انك ميت أصلا...
- عندما تعيش أجمل أيام حياتك مع شخص ... وتعتقد أن علاقتكما لا تشبهها أي علاقة ... لأنها مثالية ... بريئة ... صادقة ... مميزة ... حقيقية ... وقبل أن تنتهي من وصف العلاقة وتعداد صفاتها ... تجد نفسك وحيداً ... بلا هذا الشخص ... دون إشعار مسبق ... دون سبب ...
- عندما تنهض كل يوم ... فتتساءل ماذا أفعل اليوم؟ ... ولا تجد جواب مُرضي ... فتقرر النهوض على أي حال ... تأكل ... تشرب .. تفعل كذا وكذا ... وتنام ... وتستيقظ في اليوم التالي ... لتتساءل ماذا أفعل اليوم؟ ... فتقرر النهوض على أي حال ...
- عندما تجلس بين أفراد عائلتك او أقاربك ... يتحدثون في شتى المواضيع ... هذا يقول رأيه ... وهذا يمزح ... وهذا يناقش ... وأنت الوحيد الصامت ... تشعر بغرابة الموقف ... ويتسلل الملل إليك ... فتحسب الدقائق والثواني حتى تغادر هذا المكان ... وفي النهاية تغادر ... وتجلس وحدك ... لتجد نفسك ضجراً ... تريد الجلوس مع احد لتحدث ...
- دعوني أخبركم بشئ ... هناك من يتحرك حولكم ولكنه ميت ... ميت القلب ... ميت المشاعر ... ميت الروح ... ضاق ذرعاً بهذه الحياة فقرر الرحيل ... وترك جسمه ورائه ... فلا تستغربون أن يموت شخص بلا موت ...
ليس بالضرورة أن تلفظ أنفاسك وتغمض عينك ويتوقف قلبك عن النبض ويتوقف جسدك عن الحركة كي يقال عنك : إنك فارقت الحياة فبيننا الكثير من الموتى يتحركون يتحدثون يأكلون يشربون يضحكون لكنهم موتى .. يمارسون الحياة بلا حياة
مفاهيم الموت لدى الناس تختلف فـهناك من يشعر بالموت حين يفقد إنسانا عزيزاًويخيل إليه ... أنا الحياة قد . . انتهت وأن ذلك العزيز حين رحـــــــل ... أغلق أبواب الحياة خلفه وأن دوره في الحياة بعده ... قد انتهــــى
وهناك من يشعر بالموت حين يحاصره الفشل من كل الجهات ويكبله إحساسه بالإحباط عن التقدم فـيخيل إليه أن صلاحيته في الحياة . . . قد انتهت وأنه لم يعد فوق الأرض ما يستحق البقاء من أجله .. والبعض .. تتوقف الحياة في عينيه في لحظات الحزن ويظن أنه لانهاية لهذا الحزن وأنه ليس فوق الأرض من هو أتعس منه فيقسو على نفسه حين يحكم عليها بالموت وينفذ بها حكم الموت بلا . . . تردد
وينزع الحياة من قلبه ويعيش بين الآخرين كالميت تماما ...
فلم يعد المعنى الوحيد للموت هو الرحيل عن هذه الحياة فـهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت وهو مازال على قيد الحيــــــــاة .. فالكثير منا . . يتمنى الموت في لحظات
ظنا منه أن الموت هو الحل الوحيد والنهاية السعيدة لسلسلة العذاب
لكـــــــن . . هل سأل أحدنا نفسه يوما : ترى . . ماذا بعد الموت ؟
نعم . . ماذا بعد الموت . . . ؟ حفرة ضيقة وظلمة دامسة وغربة موحشة وسؤال . . وعقاب . . وعذاب
وإما جنة . . أو نار . .
فــــهم . . كانوا هنا . . ثم رحلوا . . غابوا ولهم أسبابهم في الغياب لكن الحياة خلفهم مازالت مستمرة . . .
فالشمس مازالت تشرق والأيام . . . مازالت تتوالى والزمن لم يتوقف بعد . . ونحن . . مازلنا هنــــا
مازال في الجسد دم وفي القلب نبض وفي العمر بقية . . . فلمـــــاذا نعيش بلا حياة ونموت . . بلا موت . ؟
إذا توقفت الحيـــــــاة في أعيننا فيجب أن لا تتوقف في قلوبنــــــــا فالموت الحقيقي هو موت القلوب والأحلام
المشكلة...
أن سكان المقابر يزدادون يوماً بعد آخر مع ازدياد نسبة الفقر فى مصر، ورصد أول إحصاء أن عدد سكان المقابر عام 1898، بلغ قرابة (35) ألف نسمة، وبعد عقود قليلة أشارت الإحصاءات المختلفة إلى زيادة عددهم، ففى تعداد 1947 بلغوا نحو (69) ألفاً، وفى عام 1966 وصل عددهم إلى (97) ألفاً، وفى عام 1986 زاد عددهم 82 ألفاً، ليصبح (180) ألف مواطن مصرى يعيشون مع الأموات، وحسب الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزى للمحاسبات فى عام 2008 هناك 1.5 مليون مصرى يعيشون فى مقابر السيدة نفيسة ومقابر النصر والبساتين والتونسى والإمام الشافعى وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثى، وجبانات عين شمس ومدينة نصر. وأخيراً اعترفت الحكومة المصرية أن شركاء الأموات فى المقابر وصل عددهم إلى 2 مليون مصرى.
ويبقى السؤال: كيف يعيش سكان المقابر؟ ما هى أبرز همومهم اليومية؟ وما هى جهود الحكومة لتخفيف الأعباء عنهم وحل مشاكلهم؟
هنا أحلام تولد وتموت وتدفن مع أصحابها فى نفس البقعة من الأرض، أحلام سكان المقابر تحاصرها «أربعة جدران» ينفذ منها هواء برائحة الموت. أن الموت امتياز لم يحصل عليه سكان المقابر حتى الآن، لذا فأموات المقابر أكثر راحة من أحيائها، بعد أن وجدت أرواحهم الخلاص، وتحررت من أجسادهم وشقائها. ويعيش سكان المقابر هناك ويعتبروا هذه الحياة نعمة من الله بعيداً عن الناس الذين تحركهم الأطماع، ويقضون حياتهم فى تدبير المكائد لبعضهم البعض، وأضطروا أن يقنعوا أنفسهم بأن الحياة خارج المقابر ليست أفضل كثيراً من الحياة فى المقابر، غير أنها أكثر ضجيجاً، وتضيق بأصحابها
وتضيف سيدة ممن يسكنون المقابر "أن الفرق بينها وبين الميت هو قدرتها على الحلم من أجل مستقبل أفضل لها ولأسرتها. فالحياة فى المقابر طابعها المميز الملل والإحباط، ويسيطر عليها تجار المخدرات, والبلطجية، فبعد غروب الشمس تختبئ السيدات والبنات داخل الأحواش خوفاً من متعاطى المخدرات والمنحرفين الذين يتخذون المقابر ملجأ لهم فى الليل، أما اللصوص فيطرقون أبوابنا لإثارة الرعب بداخلنا، وفى كل مرة نفتح فيها الباب لا نجد سوى الظلام، ونتظاهر بالسعادة، والرضا مدعين أننا أكثر إيمانا من غيرنا. لكن الحقيقة أننا مغلوبون على أمرنا، والفرق بينى وبين غيرى أننى مازلت أشعر بشبابى قادماً فى مستقبل بناتى، ولابد أن أطالب بحقهم فى حياة كريمة، لا تنتهك طفولتهم كما هو الحال فى المقابر. وجدير بالذكر أن أرباب الأنتخابات الشعبية يستغلون حاجة هؤلاء البسطاء ويقنعوهم بأكاذيب حتى يفوزوا بأصواتهم الأنتخابية ثم يتركونهم بدون تنفيذ أى وعد من وعودهم.
وفي قطاع غزة أيضا، القطاع الذي بتر الاحتلال الإسرائيلي ساقه حتى غدا فاقداً توازنه ومقدرته على العيش الكريم, أصبحت المقابر مأوى جديداً للعديد من العائلات التي فقدت بيوتها في الحرب الأخيرة عليه. فكيف يستطيع الأحياء أن يعايشوا فكرة الموت في صحوهم ونومهم؟ هل تعرفون أن قطاع غزة فيه من يموت مرتين؟ نعم، هناك من يموت مرتين فعلاً، وربما هناك من لا يعيش الحياة حتى لو كان يتنفس جزءاً من هوائها المليء بالرماد والفوضى. ومؤخراً، تم الكشف عن عدد كبير من العائلات التي أصبح مسكنها المقابر نظراً لخسارتهم الأخيرة لبيوتهم ومآويهم خلال الحرب الأخيرة على القطاع.
في المقابل، اعتبرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية أن سكن تلك العائلات في المقابر يمثل تعديا على حرمتها وحرمة الأموات. ويقول مدير الوزارة محمد سالم للبديل، إن جميع المقابر في قطاع غزة هي أراضي وقف إسلامي. ويضيف سالم: “ما يمنعنا من إزالة التعديات هو مراعاة حال الشعب الفلسطيني المحاصر، حيث لا يجد هؤلاء مأوى ولا ملجأ لهم وهم موجودون في هذه المقابر منذ عشرات السنين”. وحول إمكانية إيجاد أماكن أخرى لإسكانهم فيها يوضح سالم: “الشعب الفلسطيني في قطاع غزة محاصر منذ ثماني سنوات وهذا الحصار ألقى بظلاله على المواطن وعلى الحكومات الفلسطينية المتعاقبة”. ويضيف سالم: “إن وجود هؤلاء في المقابر هو انتهاك لحرمتها وعليهم أن يغادروها”، مشيراً إلى أنَّ وزارته لا تستخدم القوة معهم مراعاة لظروف الأمر الواقع التي يمر به الشعب الفلسطيني.
اكتب تعليقًا...