بيداغوجيا التعذيب
كنت قد بدأت الدراسة في مدرسة صاحبها فرنسي الجنسية : السيد "كاشه " الذي قسم المدرسة إلى مدرستين.. الأولى للبنات والثانية للبنين ..وأوكل لزوجته إدارة مدرسة الفتيات .. وكان يمنع منعا باتا الاختلاط بين الجنسين وكأنّ هذا هو الاسلام في نظره ..وما عدا هذا فالسيد" كاشة ّ كان مسلما بأخلاقه وسلوكه .
كانت اللغة العربية تدرس في المدرستين لكنها كانت دراسة تفتقد الى المواد التربوية كالتربية الاسلامية و التربية الوطنية ولست ادري هل هذه المواد لم تكن مقررة أم أن التخلي عنها كان أمرا شخصيا من طرف المدرسين ولكني ارجح ان برامج التدريس لم تكن قد ضبطت بعد في كل المدارس كما يجب أن نكون في دولة مسلمة فقد كنا حديثي عهد بالاستقال
كنت سعيدة بهذه المدرسة .... وحسبت أن هذه هي المدرسة في كلّ مكان
وشاء القدر أن ننتقل من المدينة العتيقة إلى السكن قرب البحر حيث انتقلت للدراسة في مدرسة قرب بيتنا ..وجدت فيها التربية الاسلامية والتربية الوطنية وتحفيظ القرآن والصلاة .
في هذه المدرسة نكتب كثيرا ونصمت كثيرا ويُلزمنا المدرس بحفظ صفحات وصفحات من المعلومات التي لا نفهم منها شيئا.... وكنت أفهم الدرس في المدرسة الأولى ولا أحتاج للحفظ وصرت في المدرسة الثانية أحفظ ولا أفهم ....و كان هذا الحفظ الساذج يحتاج منا الى تذكـّر الكلمة الأولى من الدرس فإذا نسيناها ذهب كلّ الدرس لذلك نحتاج عند الاستعراض الى من يذكرنا من اصاحبنا هامسا بالكلمة الاولى كما كنا نلجأ الى كتابتها في كف اليد .....كان هذا الحفظ يزعجني ويقض مضجعي لقد كان كابوسا يوميا .... و كانت حصة التربية الإسلامية سبب أرقي وبكائي في الليلة التي تلي الدرس مباشرة ...فإذا ما أنا نمت أستيقظ صارخة من هول ما أرى في المنام ...ففي هذه الحصة يحكي لنا المعلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكنا نستمع له بشوق كبير ونرجو المزيد ولكنه في حديثة عن الاسلام كان يطنب في وصف جهنم والنار التي ستحرق من يعصي ربه ويستميت المعلم في وصف الجسد وهو يحترق بنار جهنم ثم ينبت له جلد جديد لكي يحترق مرة اخرى وهو لا ينسى أبدا أن يصف لنا الزبانية الشداد وكيف تنكل بجسد العاصي ...كان يتفنن في وصف التعذيب والتنكيل ويدقق في تصوير مظاهر الم المعذيين وصراخهم وهم يحترقون ويسلكون بسلاسل من حديد وهم يشربون الحميم ويأكلون الزقوم ......ويقرأ علينا ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55).......سورة الواقعة ....
غالبا ما أتذكّر هذه القصة لمّا أكون صحبة تلاميذي أثناء حصة التربية الإسلامية ..وأرى شغفهم بهذه المادّة وألمح السّعادة تضحك على وجوههم البريئة وأنا أصف لهم الجنة وأكتفي بأن أذكرهم أنّ الذي يعصي ربه يحرم من الجنة ونعيمها ...
إنّ بيداغوجيا الترغيب التي دعت اليها المناهج التربوية الحديثة ليست حديثة العهد ولا هي اكتشاف الانسان فقد وجدت في القرآن الكريم كثيرا حيث أنّ الله تعالى وهو يخاطب المؤمنين يبدأ بما هو إيجابي وبما هو خير فيقدم الخير على الشر ويقدم الترغيب على الترهيب... يقول الله تعالى :
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)..)..سورة الزلزلة.
من قصة الماضي الجميل
بقلم نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس ..تونس