سجينات الذاكرة

بعد أن استيقظت من أوهامي وانتصرت على الذكريات والحواس لم يتركني شبح الماضي الذي نهش نفسي مجدداً،ما علي الآن إلا أن أعلن الحرب على هذا الشبح مجدداً ،بدت لي من بعيد ساحة تخوض فيها نساء العالم حرب مع ذاكرتهن و ذواتهن و قلوبهن ،نظرت إليهن ووجدتهن يبكين سنينهن الضائعة ..فهنا يكمن الغباء حين يذهب الرجل بعيدا بكل قواه ..وتدخل المرأة عالم الذكريات البائسة تخوض فيها حربا عالمية بينها وبين حواسها التي تخونها مهما قاومت ..حرب جيوشها الحواس وضحيتها القلب ..أما أنا فلست في صنفهن فقد تجاوزت حربي مع الذكريات والحواس وإنما أعلنت حربي على روحي التي مازالت تحن ..فالفرق أن جرحي طاب وانتصرت على ذكرياتي وحواسي .لكن الحرب مع الروح والحنين والشبح تكاد تكون أصعب..وجدت نفسي وسط أوراق مشتتة أمامي، كانت تدرف الدموع كل من تكلمت عن قصتها ،نزيف الماضي ما زال بقلوبهن وضمادة الوقت لم تكفيهن بعد ..فجرح القلب صعب الشفاء ..فمازلن على ضفاف الماضي يبكين تحت تأثير الصدمة وربما يتمنين عودة أحبتهن ..أما أنا فقد جفت عيناي لأنني ٱقتنعت بموته،وٱقتنعت أنه لن يعود ..بكيت كثيرا حتى أقنعت نفسي أنه ميت في قلبي ...كانت كل واحدة تعانق ذكرياتها وتنام ،أما أنا فكنت أعانق أحلامي، ذلك أني دخلت المعركة قبلهن وضمادة الوقت أشفت كل جروحي ..وما تواجدي هنا إلا من أجل تصفية آخر حساب لي مع الماضي الذي ينهش روحي أحيانا ،طالما أخبرتهن أن الوقت كفيل بمحو الذكريات وأن الحواس ستشمئز يوما من الحنين لما فات ..لكن لا أظنهن وثقن في كلامي فيظنن أن عذابهن أبدي وأنهن سيبقين الضحية في هذه الحرب العالمية ..لكن سيدركن فيما بعد صحة كلامي ..أما بخصوص حربي أنا فلابد أن أنتصر على ماضي البئيس برمته ذلك أني أومن جدا بالقدر وأومن أن ما يبكينا اليوم سنضحك منه غداً ومن ييكينا اليوم سيضحك عليه الزمن غدا إنه قانون الحياة ....أنشد الوحدة أمام بحيرة الأحلام وأسقي روحي بدموع الفرح من الآتي ...خضت المعركة وٱنتصرت على الماضي البئيس وقتلت شبحه في عروقي ...أما باقي النساء فبدأن ينسين قليلا لكن لم ينتصرن على حواسهن بالمرة ..أجمع حقائبي التي حملتها بأحلامي البعيدة ..مزقت آخر مشاعري التي احتضنتها في آخر مراودة للشبح..تمنيت لو أخرجت معي باقي النساء من قفص الذكريات..لكن ماكان لي أن أفعل "مازالتن في بداية المعركة والطريق أمامكن طويل للإنتصار ،لكن حتما ستخرجن من هذا القفص مهما طالت الأيام،ومهما كبرت الآلآم.."كانت آخر كلمات سمعناها مني فودعتهن وفتحت لي أحلامي باب القفص فطرت بعيداً عن شبح الماضي فشتثت بقايا الذاكرة الغادرة من الأعلى فلربما تصل إلى نافذته يوما ما ويعلم كم كان غبيا حين سمح لروحه أن تأذيني ، حين فكر أن حبي له أقوى مني ...فحبه شيئ وحياتي أشياء...فربما لا يرجع العاشق المجروح من الحب كما كان قبل العشق ..لكن لا أحد يخرج من الحب ميتا ..حتما سنخرج أحياء ...بعد كل عاصفة عاطفية،لكن ثمة من يعيش وثمة من ينتحر..

سميرة الطلحاوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 162 مشاهدة
نشرت فى 26 مايو 2016 بواسطة azzah1234

عدد زيارات الموقع

159,793