أمواج لا ولن تصل إلى السماء !!"
وأنا على جسر التأمل ...جسر في وسط بحرين بحر اسود ماءه من شدة الدموع المنكبة فيه ومن كثرة دماء الجروح المقطرة فيه ...إنه بحر أسميه بحر الماضي البئيس... طالما كنت غارقة فيه شربت من ماءه حتى ارتويت....ولم استطع الخروج منه إلى بعد برهة قصيرة ...وقفت متأملة إياه من الخارج ...أقارن بين مظهره...وعالمه العميق الذي كنت فيه رميت صفحات مذكرتي القديمة في هذا البحر فصارت الأوراق البيضاء ملطخة بالمياه السوداء ...ولعل دموعي التي طالما كتبت بها على تلك الأوراق ..ساهمت الآن في ازدياد سواد البحر ....فقد كانت غزيرة ..رسمت بها كلمات خرجت من أعماق الروح ....كلمات شجنة ..لم تستطع حملها جميع الأقلام ...فحملتها دموعي..في زمن جاف جفت فيه دموعي على الورق ...زحفت الأوراق المشتتة بعيدا عني تزحف ببطئ فوق المياه ...وكأنها تودعني وكأن الماضي يودعني ...فقلت لها وله :"وداعا "
فأدرت وجهي إلى الجهة الأخرى حيث رأيت البحر الأزرق الجميل ...تلمع مياهه بفعل أشعة الشمس..مياه زرقاءعذبة وأمواج تتلاعب ...وكأنها ترحب بي في عالم جديد بعيدا عن الذي كنت فيه ....ابتسمت وأردت أن أدخل أعماق هذا البحر ..لكني خفت ..جلست على الجسر متأملتا المنظر الرائع ....تهيج الأمواج تارة وتهدأ تارة أخرى ....كنت سعيدة ...نسيت الأشجان ...وأخذت مذكرة جديدة ..أسجل فيها أقصر الأيام وأجملها ...فاستطاع هذا البحر أن يجرد روحي من ثياب الألم ...الملطخة بالدموع ..ويلبسها ثياب تلمع بالأمل ...كلما جاء الليل أشعلت شمعة من شمعات الأمل ....نمت على وسادة الأحلام واستيقظت على صوت الأمواج ....أقضي أيامي القصيرة فوق ذلك الجسر الخشبي ...دون أن أخاف من شيئ ...معانقة أحلامي الضائعة ... ....دونت أيامي التي اعتبرتها ثورة عن الآلام ...في صباح باكر ...استيقظت على صوت الأمواج الهائجة التي أغرقتني ....صرت في عمق البحر...بعد أن خفت من الوقوع فيه وصلت إلى عمقه ...إنه يختلف عن بحر الماضي لكن كلاهما استلهمت فيهما العذاب رغم جمالية المياه ...أتجول في أعماق البحر ..مبتسمة تارة معانقة أحلامي...التي قسى عليها البحر وبللها أجل فقط صدمني ..البحر ..بلل أحلامي التي صارت على وشك التمزق لم تعجبه أحلامي ..فقد أخطأت حين حلمتها حين فكرت أن بإمكانها أن تصير يوما حقيقة !! ...بكيت من أجلها..و من أجل قلبي البريئ صرت أسبح في دموعي..قاومت قساوة الأمواج لأني قد استفدت من غرقي في بحر الماضي ...فاستطعت أن أخرج من البحر في ليل مظلم ينيره القمر...تسلقت الجسر ...ووقفت عليه مجددا مبللة بدموع أيامي ....نظرت إلى أحلامي التي ما زالت على سطح البحر ..نضرت اليها ..وانهمرت دموعي فكلمتها :"لما لما لم تستطيعي أن تكوني حقيقة ...؟!!"
سمعت صدى من البحر :" لا تلوميها ...إنه قدرك...وبقاءك معها هنا..سيؤذي روحك ...فانثريها ..فأنا بللتها لكي تتركيها ولا تتعذبي .."
ودعت أحلامي وذلك البحر الأزرق ،أخدت مذكرتي التي أكملت الكتابة فيها داخل البحر عن أيامي القصيرة الحزينة السعيدة ..فهل تصل الأمواج إلى السماء !؟؟ ....أدرت وجهي ..فمشيت..وابتعدت عن الجسر ..مشيت ومشيت حتى التحقت بطريق طويل وما زلت امشي فيه لحد الآن ..نظرت إلى القمر ...فابتسم لي ابتسامة فهمت منها أن الاستسلام لا يليق بروح عشقت الأحلام ....
قصة قصيرة
سميرة الطلحاوي