منذ اللحظة الأولى لولادة الإنسان يدخل الضوء إلى عينيه لتبدأ الشبكية والمسار العصبي البصري في النمو بسرعة كبيرة حتى عمر 3 سنوات، ثم يتباطأ النمو حتى يكتمل عند عمر 5 سنوات إلى 6 سنوات أو أكثر بقليل..
ويعتبر الشخص ذا حادة إبصار طبيعية إذا كانت حادة الإبصار 6/ 6 لكل عين، ويميز الألوان وحقل الإبصار في الحدود الطبيعية، وهذا يتطلب نموًا طبيعيًا للشبكية وخصوصًا مركزها والمسمى المقولة، وكذلك المسار العصبي البصري، يضاف إلى ذلك ألا يكون هنالك ازدواج في صورة الجسم المرئي، وأن تكون ثلاثية الأبعاد أي مجسمة، وهذا يتطلب نموًا طبيعيًا لعضلات العين الخارجية وأعصابها، وكذلك مركز التحام الصورة المرسلة من إحدى العينين مع المرسلة من الأخرى والموجودة في المخ وهو ما يؤدي إلى تجسيم الصورة المرئية.
ويعتمد النمو الطبيعي للشبكية والمسار العصبي للإبصار في المخ على تكوّن صورة ما نراه بشكل دقيق وواضح على الشبكية منذ اللحظة الأولى لولادة الإنسان. وتنمو دقة تكوين الصورة على الشبكية بنمو العين منذ ولادة الرضيع وحتى عمر سنتين أو 3 سنوات، حيث تصل حادة الإبصار إلى 9/6 أو 6/6.
ولذلك تعتبر الفترة من الولادة وحتى 3 سنوات كأخطر مرحلة في نمو حادة الإبصار، وينبغي تصحيح أي عيوب في العين حتى لا يتأثر نمو الشبكية والمسار العصبي البصري. وأما نمو عضلات العين الخارجية فيكتمل عند عمر 3 شهور إلى 6 شهور بحيث تصبح حركة العينين متوافقة في جميع اتجاهات حركاتها بحيث ينمو مركز الإبصار في المخ طبيعيًا.
وتتكون صورة ما نراه على الشبكية بطريقة تماثل تكوّن الصورة على الفيلم في آلة التصوير، بحيث تؤدي القرنية والسائل الأمامي وعدسة العين والجسم الزجاجي دور عدسة آلة التصوير، وتؤدي القزحية دور حاجب الضوء، وتؤدي الشبكية دور فيلم التصوير. ولذلك فإن أي عيوب خلقية أو مكتسبة تؤثر على هذه الأجزاء تؤثر سلبًا على النمو الطبيعي لحادة الإبصار خصوصًا إذا حدث ذلك في المرحلة الحرجة لنمو العين أي قبل السادسة من العمر، وهو ما يؤدي إلى حدوث الغمش.
ما هو الغمش؟
الغمش هو ضعف حادة الإبصار (رغم استخدام النظارة) بإحدى العينين أو كلتيهما، والتي لا يمكن تفسيرها مباشرة بوجود خلل في بنية العين أو المسار البصري العصبي إلى مركز الإبصار في المخ.
أسبابه
إن تفهم الطريقة والكيفية التي تكمن خلف حدوث الغمش ما زال بعيدًا عن الكمال إلى الآن، والمعلومات الحالية هي نتيجة أبحاث علمية تجهد وراء فهم هذه الكيفية حتى تتوصل إلى العلاج المثالي.
لقد أجريت الأبحاث لمعرفة سبب كسل الشبكية وتوصلت إلى أن السبب هو تعرض العين لاضطراب في النمو الطبيعي لعملية الإبصار والتي تتم في السنوات الخمس الأولى من العمر. ومن هذه الأسباب الحول والعيوب في انكسارية القرنية أو أي خلل يؤثر على جودة تكوين الصورة المنقولة بوساطة العين إلى المركز البصري في المخ. ويؤثر الغمش على المنطقة المركزية في الشبكية وهي منطقة حيوية بالنسبة للإبصار ولكن لا يؤثر على الإبصار بأطراف الشبكية.
كيفية الوقاية
إن كسل الشبكية الذي يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة يمثل أعلى نسبة بين الأسباب الأخرى المسببة لإضعاف البصر في عين واحدة. وهذه الحقيقة ينبغي أن توضع في الاعتبار إذا عرفنا أن معظم حالات الغمش يمكن منعها أو علاج آثارها على البصر إذا اكتشفت وعولجت مبكرًا.
ولذلك تبرز أهمية إجراء الكشف الطبي الدوري على الأطفال خصوصًا قبل سن خمس سنوات، حيث تكون فرصة نجاح العلاج أكبر. ولكن حتى الآن لم يتبلور نظام وقائي محدد لتحجيم هذه المشكلة الطبية.
أنواع الغمش:
ـ كسل الشبكية المصحوب بالحول
هذا هو أكثر الأنواع شيوعًا. في هذا النوع نجد أن إحدى العينين ذات حادة إبصار طبيعية والأخرى ضعيفة وكسلانة وتعاني الحول.
ـ كسل الشبكية المصحوب بتفاوت انكسارية العينين
وهذا النوع صعب اكتشافه بوساطة أهل الطفل؛ لأن عين الطفل تبدو طبيعية ظاهريًا، ولكن الحقيقة أن إحدى العينين تعاني ضعف البصر، والطفل معتمد كليًا على عين واحدة للإبصار. مثل هذه الحالات تكتشف في أثناء الكشف الدوري عند الطبيب المختص.
ـ كسل الشبكيتين المصحوب بعيوب انكسارية بالعينين
إن عدم الاكتشاف والعلاج المبكر للعيوب الانكسارية بالعينين يؤدي إلى إصابتهما بالغمش.
ـ كسل الشبكية المصحوب بتعطل التنبيه الضوئي للمسار العصبي للإبصار
نسبة حدوث هذا النوع قليلة بالنسبة للأنواع الأخرى. ويحدث الغمش نتيجة وجود عتامة في القرنية أو الحجرة الأمامية أو الحجرة الخلفية أو العدسة أو الجسم الزجاجي للعين قبل سن خمس سنوات بسبب أمراض خلقية أو مكتسبة، ويؤدي ذلك إلى أصعب أنواع الغمش في العلاج. وتزداد صعوبة العلاج إذا كانت العتامة في عين واحدة.
قد يحدث هذا النوع نتيجة الإفراط في تغطية العين وهي إحدى وسائل علاج الغمش!! ولذلك لابد من المتابعة الدقيقة بوساطة الطبيب المختص.
التشخيص والعلاج
يتم التشخيص بوساطة قياس حادة الإبصار عند الأطفال تحت سن خمس سنوات، ولا ينبغي أن يبنى التشخيص على قياس النظر مرة واحدة، ولكن ينبغي أن يقاس أكثر من مرة في زيارات مختلفة للطبيب، وذلك لتجنب التشخيص الخاطئ بسبب عدم قدرة بعض الأطفال على التركيز في أثناء قياس حادة الإبصار.
إن اكتشاف الغمش قبل سن خمس سنوات يؤدي إلى استجابة معظم الحالات للعلاج، وتتحسن حادة الإبصار، إلا أن هناك بعض الحالات تستعصي على العلاج مثل الحالات المصحوبة بنقص خلقي في نمو العصب البصري وهو ما ليس له علاج.
وبصفة عامة يشمل علاج الغمش ما يلي:
ـ إزالة أي عتامة تعوق البصر مثل السادة الأبيض (المياه البيضاء).
ـ تصحيح العيوب الانكسارية بوساطة النظارة الطبية.
ـ تنشيط الشبكية الكسلانة باتباع برنامج لتغطية العين السليمة لفترات يحددها بدقة الطبيب المختص مع وجوب التزام الوالدين والطفل بالتغطية السليمة والمتابعة المنتظمة لقياس استجابة الشبكية الكسلانة للعلاج والذي قد يمتد لشهور عدة.
ـ في حالات الغمش المصحوب بالحول يشمل العلاج الشبكية الكسلانة بوساطة التغطية على العين السليمة إلى أن تتحسن حادة إبصار الشبكية الكسلانة ثم يتم تصحيح الحول جراحيًا إذا لزم الأمر.
هذه هي طرق العلاج بصفة عامة ولكن علاج الغمش يمثل صعوبة طبية، حيث إن استجابة الشبكية الكسلانة للعلاج تتوقف على عمر المريض ودرجة كسل الشبكية والتزام المريض بتعليمات العلاج. ولذلك فإن الطبيب قد يقرر وقف العلاج إذا لم تحدث استجابة خلال 3 شهور إلى 6 شهور رغم التزام المريض. وحتى في الحالات التي تستجيب للعلاج بشكل جيد فإنه توجد نسبة 50% انتكاس، ولذلك ينبغي بعد نجاح العلاج الحفاظ على تغطية العين لمدة ساعة إلى 3 ساعات يوميًا مع المتابعة كل 6 أشهر بوساطة الطبيب المختص وحتى يبلغ الطفل 8 سنوات إلى 10 سنوات من العمر.
ساحة النقاش