تطالعنا مجلات مصورة عديدة وروايات وقصص وكتب جيب معلنة تخصصها للأطفال..وبعضها يعلن أنها للأذكياء ..والآخر يتشدق بأنها للصغار والكبار..وهوموضوع يستحق الدراسة المتأنية..

ويقفز للذهن السؤال التقليدي ..

هل هناك أدب للكبار وآخر للصغار ..؟

ومن يكتب هذا الأدب .. ولمن يكتب ..؟

.. وليس هو المقصود أدب المعاملة بالطبع .واذا كان الفن بوجه عام والأدب بخاصة هـو التعبير بلغة جميلة وبسيطة عن نزعة جمالية للمشاعر الإنسانية والأفكارالمختلفة .. يصبح حـق التعبير متاحا للجمـيع والصغار أولي بالقطع..وعندما نتجاوز عن كون الأدب وسيلة أم غاية ..يكون للأمر دلالات حيوية ترتبط بطبيعة الانسان وطموحاته والسعي الدائم للتجديد وهنا تظهرأهمية مرحلة الطفولة ..

وبتناول الأمر من زاوية أخري..يمكننا عرض التقسيم الشائع للأدب من حيث التناول اللغـوي ليصبح هناك أدب عربي وآخر إنجليزي وهكذا ..وقد يتشعب لنجد الأدب الشعبي وأدب الرحلات وأدب الخيال العلمي والفنتازيا وغير ذلك .. ثم يتسع الأمر لنري الأدب النسائي وأدب الطفل ..

ولماذا أدب الطفل ..؟ وهل لسنوات العمر تأثيرها في ذلك ..؟

ويأتي معه أيضا التساؤل عن أدب الطفل الذي يكتبه الكبار مثل أستاذنا الكيلاني وذلك ليقرأه الصغار أم هوالذي يكتبه الصغار ليقرأه أقرانهم وربما الكبار أيضا ..!

وليس من قبيل المبالغة في القول ضرورة دراسة العوامل التي تؤثر علي الأفراد في مرحلة الطفـولة وتأثيرها الكبير علي سلوكيات الأفراد وابداعاتهم بعد ذلك .. بل والتقدم الإنساني والحضاري ..

وتقول الدراسات أنه منذ أن يستطيع الطفل أن يميز بين (الأنا) (والآخرين) (والعالم من حوله ) يبدأ النشاط الجسدي والذهني ..وتتبلور مراحل توازن القوي من خلال الأحاسيس اليومية التي يعيشها وهو ينشد التجدد الذي يجعله قادرا علي التعبير .وحيث تأتي خبرات التعامل بعد عنصري الغريزة والوراثة في درجة الأهمية من حيث التأثير علي كيان الطفل وسلوكياته في الحياة ..!

وهل هناك خصوصية للمراحل السنية أم أن الشباب هو مرحلة الكفاح للوصول للشيخوخة ..؟

توضح الدراسات أيضا أن الصغيرمثل الكبير يحلم وهو يشعر بالجمال ، ويعاني من الإحساس بالقلق ،وعدم الإستقرار، والتوافق مع سلوكيات الآخرين ومن ثم إفتقـاد الأمـان ..وقد يفكر في الحلول الخارجية ..وربما الهروب من المنزل أو الهجرة والغربة ..وكذلك يمكن تفسير الهروب للداخل أو الأنطواء وحالة الإغتراب وربما الكتابة ..ويظهر ذلك بوضوح في الإبداعات المختلفة الفنية والأدبية .

وهناك دراسات تحليلية عن نشاطات فنية مبكرة للأطفال في مجالات الرقصات التعبيرية والظهور المسرحي ،والتمثيليات .. وما يسمي بدراما الطفل .. وقد شغل ذلك فكر الكثير من الكتاب وما يترتب عليه من ظهور نشاطات ابداعية للنصوص المكتوبة تمتد الي كتابة الأشعار والقصص ..

والسرد والحكي هو قصة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين منذ بدء الخليقة.. فهو يغني ويتحدث مع نفسه سرا وجهرا .وإذا سجل ذلك بلغة أدبية يسمي ذلك بأدب السيرة .كما أن الخيال أصبح في عصرنا بلا حدود ..وهو الحلم والأماني وبداية التغيير ..وهو حق للصغير والكبير..ومجال كبير لحرية التعبير والإبداع .. وحيث يبدأ حديث الذكريات لا يستطيع أحد أن يطردك منه أو يصدك عنه ..

ويصبح أدب الطفل هو ذلك الأدب الذي يخاطب مرحلة الطفولة وحتي المراهقة سواء كتبه الصغار، أو الكبار، أو الأطفال الكبار كما يقـول الكاتب الأنجليزي الساخر (برناردشو) وذلك عندما سألوه عن القصص والروايات .. حيث قال إنها تلهية اطفال كبار ..وقد يعطينا ذلك المغزي المطلوب عن الإهتمامات الأدبية المشتركة .. وعن الغايات من توظيف هذه الآداب للمعرفة والوعظ والتسلية أيضا.. بجانب استعراض التراث والتواصل معه وتواصل أو حوار الأجيـال ..والفن والأدب هما مجاله الرحب .. وهنا يظهر الفـارق بين المعارف المطلوبة للصغار وطريقة عرضها .. ونشير الي ما كتبه المفكر الفرنسي (فرنسوا ليونار )رائد ما بعد الحداثة عن اختلاف أطفال اليوم ومدي تأثير النظريات الحديثة والدور الخطير الذي يلعبه الفن والأدب خاصة في تشكيل العقل للإنسان ..وذلك في كتابه (شرح ما بعد الحداثة للأطفال)الذي صدر عام 1986.ويصبح الأمر خاصا بالتربية بجانب تحرير ملكات الإبداع ..والأغنية والموسيقي والفن التشكيلي والمسرح والأدب وذلك في مواجهة عصر مختلف . ويظهرذلك بوضوح في مجال الفنتازيا وحرية الخيال والتخييل للجميع .

.. وعلي ضوء ذلك يكون لنا بعض التحفظات علي بعض الاساليب والمواد التي تتناولها المجلات المصورة ومعظم موادها مترجمة..وحيث التأثير الواضح للكاريكاتير والصورة والألـوان وتقنيات ووسائط العصر الحديث وتوجهاته المتناقضة ..فمثلا قرأت في إحداهاتحت عنوان تعريفات لاذعة ..

الطفل : أداة لتنغيص حياة الزوجين ..!!

وبدون تعليق نري أن الأمر يحتاج الي عرض بعض النماذج القصصية علي سبيل المثال ليتضح المعني المقصود بالرمز والصورة في أدب الطفل المعاصر والذي تتغير أنماط الحياة من حوله بصورة شبه يومية وذلك من خلال قراءاتنا لهذه المجلات والكتب وبايجاز..

قصة عقل الحمار

.. وقف (معاوية بن مروان) بباب طحان .. فرأي حمارا يدور بالرحي وقد تدلي من عنقه جرس ..

فقال للطحان : لم جعلت هذا الجرس في عنق الحمار ..؟

قال : ربما أدركتني سآمة أو نعاس ..فإذا لم أسمع صوت الجرس عرفت أن الحمار قد توقف عن العمل ، فأصيح به ليستمر في الدوران .

قال: أرأيت إن وقف مكانه وحرك رأسه بالجرس ..وصنع هكذا وهكذا ..وأخذ الرجل يحرك رأسه يمنة ويسارا ليدلل علي ذلك .!

فقال الطحان : ومن أين لي بحمار عقله مثل عقل الأمير ..!!

وأنتقل مع بسمتك ـ وقد ترسخت بذهنك معاني مختلفة ـ الي قصة أخري وهي عن معني الوفاء ..

.. دخل شاب ذات صباح الي أحد المقاهي وطلب كوبين من الشاي ..واستفسر النادل قائلا :

لعل الأستاذ يريد كوبا واحدا الآن والآخر بعده بقليل .. وأسرع الشاب بالرد قائلا :

لا ..أريد كوبين من الشاي والآن وعلي وجه السرعة ..وكل كوب علي حدة ..وأذعن النادل للأمر وأسرع بإحضار المطلوب للشاب الذي شرب الكوبين الواحد تلو الآخر ..

وفي اليوم التالي حضر الشاب الي المقهي وتكرر الموقف .. وبعد عدة مرات تجرأ النادل وسأل الشاب عن سر الأمر .. أجاب الشاب :

الأمر في غاية البساطة ..فأنا لي صديق عزيز تعودت أن أشاركه شرب الشاي كل صباح ، وقد سافر هذا الصديق الي بلاد بعيدة .. وقد رأيت أنه من الوفاء أن أستمر في مشاركته شرب الشاي ولو في خيالي .. هز النادل رأسه وانصرف والإبتسامة تعلو وجهه ..

وأستمرالحال هكذا حتي جاء يوم وحضر الشاب الي المقهي في موعده وطلب كوب واحد من الشاي ..وقفزت علامات الدهشة والإستفسار لتكسوملامح النادل والذي قال :

هل حدث مكروه لصديقك لاقدر الله ..؟

قال الشاب كلا .. ولكنني أقلعت عن شرب الشاي ..!!

هكذا ـ مع ابتسامتك التي تزداد اتساعا ـ نلمح لونا من الأدب القصصي يتواصل مع التراث ويحاول إضافة المعلومة وغرس المعاني الجميلة من خلال البسمة وبلغة بسيطة ويقرأها الكبار مع الصغار .

وهي تضاف الي المحاولات الجميلة لتقريب معاني الكلمات في الحقيقة والخيال وذهن الأطفال ..

كلمة مثل الإتزان والشرح العملي عن طريق مشاهدة السيرك واللاعب الذي يسير علي الحبل المشدود ..وكيف يساعد التركيز علي حفظ التوازن ..وأيضا الطيران في الفضاء وقصص وأفلام الخيال العلمي ..وإن كان تحريك خيال الطفـل وتفكيره في الإتجـاه الصحيح يكفي ليفسرها حديثا وكتابة وربما رسما بطريقته ..ويكفينا من السعادة البسمة المرسومة علي شفاه أطفال شعروا بتواصلهم مع الآخرين .والمعرفة كالأشجار تبدأ بذورا ثم تنمو مع الأيام

 

المصدر: www.egyptsons.com
  • Currently 244/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
80 تصويتات / 2324 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,607,151